الإنسان و الكلب

خالد القشطيني

صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
مما لا شك فيه أن الكلاب من أكثر الحيوانات الأليفة التصاقاً بالإنسان وتقرباً إليه. وتعتبر من أكثر الحيوانات تردداً في ذكر الأمثال وصياغة الصور التشبيهية والمجازية في تراث البشرية عند كل الشعوب. والواقع أن نوعاً من علاقة الحب والكراهية تربط الإنسان بالكلب؛ الكراهية والاحتقار يتمثلان في القول الحالي عند معظم الشعوب «ابن كلب». وحتى الإنجليز الذين يخلفون ثرواتهم للكلاب، تسمعهم يقولون «الكلب أوفى صديق للإنسان»، ولكنهم لا يترددون في سب بعضهم بعضاً بقولهم «ابن كلب»، وتسمية المرأة الشريرة بأنها «كلبة».
ومن الملاحظ تماماً أن الأدب العربي مليء بالأمثال والأقوال المأثورة التي تشير إلى الكلب، ومنها القول الشائع في الفصحى والعامية، وهو «جوّع كلبك يتبعك»، ويرد أحياناً بصيغة «أجع كلبك يتبعك». وهو قول موغل في تحقيره لمعشر الكلاب وهوانها ومذلتها. ويعبرون عن مثل ذلك في لبنان بقولهم «الكلب ما يحب إلا قاتله». ويضرب كلا المثلين لحث السامع على معاملة اللئام بالشدة والتخويف.
ولهذا، فكثيراً ما يستشهد بهما في معرض الدفاع عن الديكتاتورية وسياسة البطش والإرهاب. ولعل هذا ما يفسر غياب مثل هذا المثل في تراث الدول الديمقراطية.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أما أصل المثل، فيقول المفضل إنه يرجع إلى رئيس من رؤساء بني حمير، اعتاد على معاملة أتباعه بالعنف والقسوة والظلم. وقد حذره كهنة قومه من مغبة سلوكه، وحذروه من أن القوم سيقتلونه في النهاية، ولكنه لم يتعظ وتمادى في ظلمه وسوء حكمه حتى تدخلت زوجته، بعد أن لاحظت كثرة المتسولين في نواحيهم، فقالت «إني لأرحم هؤلاء لما يلقون من الجهد ونحن نعيش في العيش الرغد، وإني لأخاف عليك أن يصيروا سباعاً وقد كانوا لنا أتباعاً». فرد زوجها عليها، وقال: «جوّع كلبك يتبعك»، وأرسلها مثلاً يقال.
وحدث أن قاد جماعته في غزوة أصابوا فيها غنائم كثيرة، ولكنه لم يقسم شيئاً منها على أتباعه. فلما خرجوا من عنده، اتصلوا بأخيه وشكوا إليه أمرهم، وعرضوا عليه أن يقودهم ضده، حتى إذا قتلوه نصبوا الأخ المتآمر معهم رئيساً بدلاً عنه.
وكان ما كان: وثبوا عليه، وقتلوه. فمر به عامر بن جذيمة، ورآه قتيلاً مطروحاً على الأرض، فتذكر قوله وتمتم إلى الجثة كمن يذكرها، وقال متهكماً: «أجل! أجع كلبك يتبعك»!، ثم قال: «ربما أكل الكلب مؤدبه، إذا لم ينل شبعه»، وأرسلها كذلك مثلاً من الأمثال. ولكن المؤسف أن المثل الأول (أجع كلبك يتبعك) هو الذي شاع بيننا، ونسينا المثل الآخر الأكثر حكمة وعقلاً.
هذا المنحى الاستبدادي له ما يعارضه ويناقضه في تراثنا الشعبي أيضاً. ففي الجزيرة العربية، يقولون: «كلب اللي يجروه للصيد ما يصطاد». ويقولون في بلاد الشام: «لا تجود على النذل وتعلمه الشجاعة».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here