قناة بلادي..نموذج لحوارات تخرج عن سياقات الحيادية والحرفية وأخلاقيات المهنة!!

عامر النقيب

تابعت حوارا مطولا أجرته قناة بلادي الفضائية لساعة كاملة ليلة الخميس السادس والعشرين من تشرين الاول مع أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية ، استعرض فيه الرجل موقفه من تطورات مايجري في العراق من مواقف سياسية مهمة وأحداث متسارعة على أرض الواقع .

ومن خلال تحليل مضامين هذا الحوار الذي كان ضمن برنامج إسمه (حوار خاص) وددت تسجيل جملة ملاحظات تتعلق بـ (خروقات) كبيرة لمهنة الصحافة ، سأوضحها على الشكل التالي:

1. لم يلتزم (المحاور) أي (مقدم البرنامج) في قناة بلادي ، والذي لم يتسن لي رؤيته من قبل، بأي من سياقات المهنة الصحفية على مدى ساعة كاملة من الحوار،وكانت الاسئلة الموجهة الى (الضيف) وهو (نائب رئيس الجمهورية) ورئيس لحركة سياسية عراقية معروفة، معدة وفق توجه يشم منه رائحة (الإنحياز) و(العدائية) و(التهجم المسبق) في شكل صياغة السؤال ومضامينه، وكأنه (مدفوع) دفعا من جهة سياسية أو حزبية لأسئلة من هذا النوع (الإستفزازي) ،حتى يبدو وكأن الضيف (عدو) ينبغي افتراسه ، وليس شخصية سياسية مهمة من طيف معين، قبلت ان تحاور قناة معروفة بتوجهاتها الطائفية والمذهبية (السامة) حتى انها راحت توغل في بث سمومها بطريقة فاقت حتى أيام قناة الفضائية العراقية أيام قبل سنوات قليلة ، وما كان الإعلاميون يسجلونه عليها من ملاحظات الخروج عن سياقات المهنة والألتزام بآدابها وأخلاقياتها ومنها (الحيادية) و (المصداقية) وعدم الإنحياز الاعلامي لأي طرف، الا بالقدر الذي يحفظ أخلاقية المهنة ولا يخرج عن سياقاتها!!

2. قلت مع نفسي كإعلامي أنه كان الله في عون السيد أسامة النجيفي على (تحمل) كل تلك (الأسئلة الملغومة) و(العدائية) الواضحة للمحاور، على مدى ساعة من الحوار وهو ، أي السيد النجيفي ، شخصية بقيت محافظة على رباطة جأشها وتتحمل كثيرا من نماذج تلك (الأسئلة الملغومة) الخارجة عن أي جانب من الالتزام بمعايير المهنية والحيادية طوال فترة البرنامج ، حتى أن مقدم البرنامج راح (يحاور) الرجل بـ (رشقات) من الأسئلة تظهر فيها بوضوح انها تريد (الانتقام) من الرجل وفيها (إستهداف شخصي) في مضامين توجهات الأسئلة التي تقطر (السموم) كما تبدو ، وهي بالمناسبة تخرج حتى عن سياقات وتوجهات صاحب القناة وهو قيادي كبير في التحالف الوطني ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري، رئيس حركة الاصلاح ، إذ ان الرجل وبخاصة في الفترة الأخيرة ظهر وكأن توجهاته رغم كل الملاحظات السابقة عليه، تبدو عراقية خالصة، تحاول قدر امكانها عن تبتعد عن الخطاب الطائفي، وتنحو بإتجهات وطنية أكثر عقلانية ،دون ان تسبب (الإستفزاز) للطرف الآخر، لكن (مقدم البرنامج) في قناة بلادي الفضائية ذهب في (غلوه) بعيدا هذه المرة، خلال محاورته لشخصية قيادية محسوبة على المكون السني ولها ثقلها ومكانتها، بالرغم من كل الملاحظات التي حسبت عليه من قادة في التحالف الوطني، لكن أن يأتي (إعلامي) و(محاور) بهذه الطريقة من (الأسئلة الاستفزازية) هو ما يخرج بالحوار عن حياديته ومهنيته ومصداقيته ويظهر (انحيازا سافرا) تجاه تلك الشخصية ، التي لا أعرف كيف تحملت عبء (هجمات) و(رشقات) من (الرباعيات الإعلامية) التي سددت في كل أسئلتها أكثر من (رشقة) ، وكان (الضيف) أي النجيفي، يجيب بكل هدوء وبلا انفعال او توتر ،بالرغم من كل تلك المضامين المحملة بـ (العبوات الناسفة) التي أجاد المحاور استخدامها ضد الرجل، لكنه لن يستطع النيل منه، وخرج (الضيف) سالما في نهاية المطاف ، ولابد ان يكون قد (تضايق) مع نفسه ، من مضامين أسئلة (مطولة) و(ملغومة) لم يترك فيها (المحاور) صغيرة وكبيرة الا وحملها بين مضامين أسئلته التي هي أقرب الى (محقق جنائي) من أن يكون (صحفيا محترفا)!!

3. أود أن أوضح للسيد المحاور او من يجرون حوارات تلفزيونية ،انه اذا كان قد أريد تطبيق مبدأ (الصحافة الاستقصائية) الدارجة هذه الايام في العمل الصحفي التي ادخلها العالم الغربي على عالم الصحافة الحديثة لأغراض تطوير أساليب المهنة الصحفية بإتباع طرق أكثر تطورا ، فأن سياقات (الصحافة الاستقصائية) هي البحث عن أجوبة يراد الاستفهام منها بطريقة التقصي والبحث والمتابعة، بطريقة علمية وواقعية ، تحاول قدر امكانها أن تبتعد عن (الانحياز الأعمى) بل و(السافر) احيانا بطريقة صياغة الاسئلة بإسلوب (إستفزازي) و(استخباري) وليس فيه أي جانب من معايير (المهنية) التي ينبغي لأي صحفي وبخاصة اذا كان (محاورا) ان يلتزم بها، وهي تشكل (إدانة) له و(مثلبة) لن تسمع للمتلقي او الجمهور ان يتابعه بحرص في حوارات قادمة اذا كان يتعامل مع ( ضيوفه) بهذه الطريقة، واذا كان السيد النجيفي قد تحمل الرجل فهو لانه لايريد ان يظهر غضبه ولا (الإحراج) الذي حاول المقدم ان يدخله طوال فترة الحوار، ولو كان هناك ضيف آخر وتوجه له تلك الأسئلة بهذه الطريقة لرفض مواصلة الحوار، حتى يأتي محاور يلتزم بآداب الحوار، وان لايخرج الصحفي عن أخلاقيات مهنته بهذه الطريقة التي أقل ما يقال عنها انها لم تلتزم بآداب الحوار، وان لايخرج الصحفي عن أخلاقيات مهنته بهذه الطريقة، التي أقل ما يقال عنها انها لم تلتزم بمعايير (المهنية) ولو في حدها الأدنى..وليعلم (ضيوف البرامج) المقبلين ان الصحافة لاتعني الخروج عن سياقات المهنة ومنها (الحيادية) و(الاحتراف) و(الالتزام الأخلاقي) في التعامل مع الآخرين ، وأن لا يعامل (الضيف) وكانه (عدو) ينبغي (الانتقام) منه ، حتى وان كنا (نختلف) معه في التوجه والاهداف، خلال فترات اجراء اللقاءات او الحوارات معه..وينبغي ان يعرف الآخرون الذين يدخلون حوارات من هذا النوع، ان يتركوا محاوريهم اذا شعروا انهم ، أن الأسئلة التي يوجهونها هي (ملغومة) وفيها (إستهداف) واضح وفيها توجه او قدر من تشويه سمعة الشخصية، او العمل على خدش سمعتها في أوساط الجمهور، لأن توجهات من هذا النوع، تسيء الى الصحافة اكثر من إسائتها الى الشخصيات المستهدفة!!
4.لقد عرضت قناة بلادي خلال فترة بث البرنامج وقبله بقليل (إعلانات) ، تشابه في طريقة عرضها ما كانت الفضائية العراقية تتبعه مع من تطلق عليهم (ارهابيين) وهم في أغلبهم (سجناء أبرياء) وترغمهم على اطلاق (تهم) ضد آخرين والاعتراف على (جرائم) ،رغما عن ارادتهم بطريقة (انتزاع الاعترافات) قسرا، للعمل على تشويه سمعتهم والحط من قدرهم أمام جمهورهم، حتى ان قناة بلادي بثت (حالات مشابهة) ، لكن الحملة توجهت هذه المرة نحو أختلاق (عدو آخر) من برنامج يستخدم (انتزاع الاعترافات) عن (معتقلين) من أحداث الحويجة على انهم (دواعش) قالوا ان البيشمركة سهلت مهمة دخولهم الى كردستان للقتال معها ضد القوات العراقية، بطريقة (مشابهة) لما كانت تطلق عليه الفضائية العراقية ولسنوات طويلة على كثير من معتقلي ابناء المكون السني على انهم نفذوا عملياتهم ضد قوات الأمن العراقية بدفع من شخصيات سنية عراقية تشترك في الحكم، وجرى عرض عشرات الالاف ليس لهم علاقة قريب او بعيد، بتلك الجرائم (المزعومة) و(المفبركة) ولكن لان (المخبر السري) كان السبب في تعريض مستقبل عشرات الالاف من ابناء المكون السني للاعتقال وللاعدام ظلما وزورا ، وها هي (قناة بلادي) تتبع المنهج نفسه الذي سارت عليه الفضائية العراقية لسنوات طوال، مستفيدين من (خبرات) تلك الفضائية وبعض الأجهزة المختصة حينما (تنتزع اعترافات) بالجملة من (متهمين)عن توجهات من هذا النوع، ليكون (نمطا شائعا) في عالم صحافة اليوم، بالرغم من أنه (يتنافى) كليا مع معايير حقوق الانسان وأخلاقيات مهنة الصحافة في حدها الأدنى!!
5.نأمل ويأمل الكثيرون أن تكون تلك الملاحظات (المهمة) خارطة طريق لبعض العاملين في الحقل الاعلامي المنضوين تحت لواء أحزاب وقوى سياسية للالتزام بمعايير المهنية والحيادية والمسؤولية الأخلاقية لمهنة الصحافة، التي ينبغي ان تكون أكثر من يحرص على المحافظة على سمعتها، وهي من ترشد القادة السياسيين وقادة المجتمع ومختلف شرائحه الى اتباع الطرق الايجابية التي تظهر احتراما كبيرا لكرامات البشر وتوفير أجواء (مطمئنة) لكافة ابناء المجتمع من انها (عراقية) و(وطنية) في توجهاتها وانها لاتدخل نفسها طرفا في الصراعات السياسية والمذهبية بأي شكل من الأشكال، وأن لاتفرق بين طيف وآخر او بين مكون وآخر وقومية ومذهب، في مختلف توجهاتها، إن أرادت ان تشق لها مكانة محترمة بين جمهورها ومحيطها، والا سنقرأ على صحافتنا السلام!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here