لمَ الثقة بالصدر وتيّاره؟

لم أغير من هذه المقالة والتي كتبتها قبل عامين “31 / 10 / 2015” الا قليلا ، حينما ركب الصدريون موجة تظاهرات قوى التيار المدني لإفراغها من محتواها الّا عنوانها. تلك المشاركة الصدرية التي آمن بها البعض من قادة التظاهرات ونسّقوا مع الصدريين ببعض من تظاهرات ساحة التحرير علاوة على لقاءات بعضهم مع الصدر شخصيا أو مع أقرب مساعديه. أعيد نشر المقالة التي لم ترى النور لأسباب معينة اليوم والصدريّون الذين أخرجوا خرم صغير من أنفهم الغارق مع جسدهم في مستنقع الطائفية العفن حينها ولليوم ذرّا للرماد في عيون البعض، وهم يعودون ليغرقوا في المياه الآسنة للمستنقع الذي يعشقون العيش فيه كون دورتهم الحياتية كما كامل البيت الشيعي تجري في أجواء لا يصلها الأوكسجين النقي. فالصدريون ومعهم هبلهم الذي يعبدون والمتاجرين بالإصلاح ضربوا الإصلاح بمقتل كما قتل أسلافهم “إمامهم” الذي جاء العراق للإصلاح، حينما وقفوا اليوم على الضد من إصلاح مفوضّية الإنتخابات، ليعيدوا ترتيب أوراق المحاصصة من جديد وليصّوت خمسة وعشرون نائبا برلمانيا من تيارهم مع البقاء على المحاصصة! أنّ الصدر كما غيره من قادة المحاصصة دون إستثناء جزء من واقع فاسد وآسن وأشبه بمستنقع نتن دمّر بلدنا وشعبنا، بل هو مستنقع بكل تفاصيله القبيحة.

“خبز .. حرية .. دولة مدنية” هذا هو الشعار الذي تبنته الجماهير التي خرجت بشكل عفوي بعد إندلاع تظاهرات البصرة وإستشهاد أحد المتظاهرين فيها قبل أن تنتقل شرارة التظاهرات والإحتجاجات الى بقية مدن العراق ومنها العاصمة بغداد. هذا الشعار كان بحاجة الى هتاف يكشف عن الذين صادروا الخبز والحرية من الناس، وصادروا كذلك مفهوم الديموقراطية ليكرّسوا نظاما دينيا بسماته العامّة لا يمت للدولة المدنية بصلة، فكان الهتاف المدوّي الذي أرعب القوى الدينية ما جعل المرجعية تسرع الى “تبني” مطالب الجماهير أو الجزء الكبير منها ظاهريا أمّا الحقيقة فكانت خطّة مدروسة لإمتصاص زخم التظاهرات المدنية الطابع بإقحام تيار ديني له قواعد جماهيرية بين فقراء شعبنا لإستغلالهم في ضرب الأهداف التي خرج المدنيون للتظاهر وتحقيقها. هذا الهتاف المدوّي كان “بإسم الدين باگونه الحرامية” والذي بدأت تهتز من إثره العمائم، ما جعل العديد منها يخرج مكّفرا من يتبنى هذا الهتاف الذي توصّلت اليها الجماهير بقريحتها.

لقد دخلت القوى السياسية ومنها التيار الديموقراطي وبعض الأحزاب الأخرى معترك التظاهرات متبنية هي الاخرى شعار الجماهير الذي هو شعارها أساسا كونها تناضل من أجل بناء الدولة المدنية والذي تعتبره وعن حق طوق النجاة الأخير لعراق يغرق في بحر الطائفية المتلاطم. وشكّلت تنسيقيات لقيادة التظاهرات في كل يوم جمعة بمختلف المدن كما وكانت هناك إجتماعات بين هذه التنسيقيات لتوحيد الخطاب السياسي والعمل الميداني قدر الإمكان وتبعا لظروف كل مدينة. وإستطاعت هذه التظاهرات بأعدادها التي كانت بين مدِّ وجزر أن تفرض واقعا سياسيا جديدا خصوصا بعد أن وقفت مرجعية النجف الأشرف الى جانب بعض مطالبها، هذا الواقع دفع حكومة السيد العبادي أو بالأحرى شخص السيد العبادي الذي لا يملك كسلفه ظهيرا حزبيا قويا من رفاق الأمس في حزبه ولا ظهيرا سياسيا من قبل الكتل السياسية المختلفة بالبرلمان العراقي، الى تبني بعضا من مطالب الجماهير و “البدء” بما يسمى حزمة إصلاحات لم يتحقق منها شيئا على أرض الواقع، فالفساد وهو الوجه الآخر للإرهاب لا زال ينخر بجسد البلاد ولم نرى إقدام العبادي على تقديم رؤوس كبيرة متهمة بالفساد الى القضاء رغم معرفته ومعرفة الشارع العراقي بهم.

لو قرأنا بتأني الخارطة السياسية قبل إندلاع التظاهرات وبعدها للاحظنا حضورا واضحا ومقبولا من قبل قطاعات “ليست واسعة” من الجماهير لمفهوم الدولة المدنية، وكان حضور الجماهير يزداد ويقل في ساحات التظاهر تبعا للظروف السياسية والأمنية التي يمر بها البلد، أو نتيجة التهديدات التي تطلقها عصابات معروفة للرأي العام ضد الناشطين عن طريق تهديدهم وخطفهم وقتلهم. هذا الحضور الجماهيري وبهذه النسب يعتبر حضورا جيدا في مجتمع تنخره الطائفية والخوف من الآخر، وهذا الحضور على رغم محدوديته كون الجماهير المتضررة من العملية السياسية الجارية بالبلد هي بالملايين يعتبر نصرا للقوى المدنية كان عليها إستغلاله على الوجه الأكمل وتعزيز الطابع السلمي للتظاهرات والضغط في مختلف الاتجاهات من أجل جرّ أكبر عد ممكن من الجماهير الى ساحات التظاهر، عن طريق توحيد صفوفها من جهة وإبتعادها عن التنسيق مع الصدريين والذي أبعد الكثير من الجماهير عن التظاهرات، لعدم ثقة الجماهير بالصدريين ولا بغيرهم من الإسلاميين وأقطاب المحاصصة. ويبدو أنّ حدس الجماهير وقراءتها للشارع هي أعمق من قراءة قادة التظاهرات الذين إعتقدوا لوهلة من أنّ الصدريين تيار من الممكن أن ينتقلوا وإياه لبناء الدولة المدنية! فهل فعلت القوى المدنية والديموقراطية هذا؟

إن من يتوقع بإمكانية قبول قوى الإسلام السياسي أو البعض منها ومرجعياتها الدينية بمشروع الدولة المدنية يبتعد بنظري عن الحقيقة التي نعرفها جميعا بشكل كبير، كون هدف الدولة المدنية الأول ولبناء نظام سياسي جديد يأخذ حق المواطنة كركن أساس من أركان بناء مجتمع منسجم أجتماعيا هو فصل الدين عن الدولة، فأي سياسي يتوقع أن ينحني قادة الطوائف هؤلاء أمام رياح التغيير بهذه السهولة؟ وأي سياسي يثق ببناء دولة مدنية مع قوى تملك ميليشيات مسلحة وسجون ومافيات مالية؟

أليس من المؤسف إفراغ التظاهرات من محتواها وعنفوانها خصوصا وإن العديد من الظروف الموضوعية التي تمر بالدولة والمجتمع هي الى جانب قوى التغيير التي لم تستطع لليوم أن تلعب دورها التاريخي الذي يتحتّم عليها لعبه؟ أليس من المؤسف الثقة بمراهقين سياسيين ليكونوا حلفاء ولو تكتيكيين لانصار الدولة المدنية كمقتدى الصدر؟ ألم يدرس من ألتقوا به، تصرفاته غير المحسوبة والبعيدة عن السياسة منذ أن أبتلي وطننا به وبأمثاله من سياسيي الصدفة وتراجعه عن قراراته وتصريحاته بسرعة قياسية؟

لقد برزت الى السطح قبل أيام وبعد لقاء الصدر مع عدد من الناشطين آراء تشير الى إمكانية الإعتماد على الصدريين وزجّهم في معترك النضال المطلبي كون القاعدة الجماهيرية لهم هي كما القاعدة الجماهيرية لانصار التيار المدني، مهمشّة ولا تملك الحد الأدنى مما يمكن أن نسميه بالحياة الآدمية في بلد سرقه لصوص المحاصصة ومنهم الصدريون بالتأكيد كونهم جزءا فاعلا من المشهد السياسي منذ الإحتلال لليوم. هذه الآراء أعتمدت كما تقول على مطالبة الصدر من أتباعه عدم رفع الصور ولا الأعلام غير العلم العراقي وتوحيد الشعارات والهتافات، ولأن الصدر وتياره هم جزء من البيت الشيعي الذي لا يستطيعون الفكاك منه لاسباب عدّة فأن عشم المدنيين بالجنة مع الصدريين هو كعشم أبليس بها كما يقول المثل. وها هو الصدر يعود الى حظيرته الدينية ليقول اليوم في رده على رسالة من أحد أتباعه نقلته السومرية نيوز أن “الكثير لديه صورة شفافة عن التيارات المدنية، وانهم يريدون التفرد، وما يحدث الان من ردود تبين العكس ـ عند البعض ـ”، مشيرا الى أن “المناداة (بالمدنية) في المظاهرات فيه إقصاء للجانب الاسلامي الصادق، فتمنيت ان تكون تحت عنوان الوطنية فهو عنوان أشمل”!!!

أعتقد إن الصدر هنا على بينّة من الفروق بين الدولة المدنية التي من مبادئها عدم معاداة الدين مع فصله عن الدولة وبين الدولة الوطنية التي قد تكون مدنية او دينية او ليبرالية او اشتراكية او غيرها، فهل قادة التيار المدني على دراية بمباديء الدولة المدنية الذي لا يريد الصدر أن يصل العراق اليها!؟ وهل لازال الصدر حليفا من الممكن الاعتماد عليه لبناء دولة مدنية الذي هو الشعار الأرأس في مطالب الجماهير والهدف الذي علينا النضال لتحقيقه!؟

الصدريون لن يغادروا البيت الشيعي مطلقا، فليفهم من يدعو الى الدولة المدنية ذلك.

زكي رضا
الدنمارك

31/10/2015

اعادة النشر 27/10/2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here