هل يتحمّل الدستور مسؤولية الأزمة في كركوك؟

مصطفى حبيب

على مدار الأزمة الأخيرة بين بغداد وإقليم كردستان كانت مفردة الدستور حاضرة إلى جانب السلاح والوعيد والتهديد، وكل طرف يؤيد موقفه في الدستور الذي يتحمل مسؤولية الأزمة ومشكلات اخرى على مدى الاعوام الماضية.

بعد ساعات على اقتحام قوات الجيش العراقي مدينة كركوك والمناطق المختلطة سكانيا من العرب والكرد والتركمان في صلاح الدين وديالى ونينوى، ابلغ رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال مكالمات هاتفية وردته من مسؤولين غربيين وعرب ان ما قامت به حكومته جاء تطبيقا للدستور.

وبعد سيطرة الجيش العراقي على هذه المناطق ووصوله الى ضواحي مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان، أعلنت حكومة الإقليم انها ترحب بالحوار مع الحكومة العراقية وفق الدستور ودون شروط مسبقة.

ولكن على ما يبدو تناسى السياسيون العراقيون ان الدستور الذي اقر عام 2005 وكتب على عجالة خلال ستة أشهر يحتاج الى تعديلات اقرها الدستور نفسه، وفشلت دورتان للبرلمان من انجازه، والمفارقة ان المواد التي تحتاج الى تعديلات هي نفسها المتعلقة بالأزمة الأخيرة بين بغداد وأربيل، كركوك وتقاسم النفط والسلطة.

وبات في حكم المؤكد أن البرلمان الحالي لن يتمكن من إجراء التعديلات على الدستور، وستؤجل إلى البرلمان الجديد، والمشكلة بهذا الخصوص ضيق الفترة الزمنية المتبقية من عمله والتي لا تزيد عن ستة اشهر، كما إن عنصر التوافق بين المكونات العراقية اصبح معدوما بعدما تشظت الكتل الى احزاب صغيرة وانقسم اعضاء الحزب الواحد بينهم.

وعلى الرغم من أن البرلمان الحالي قرر في تموز (يوليو) العام الماضي تشكيل لجنة خاصة من بين أعضائه لإجراء التعديلات، الا ان الكتل السياسية فشلت في تسمية اعضاء اللجنة التي يجب ان تكون من نواب البرلمان حصرا، وغابت هذه القضية عن جلسات البرلمان.

وتقول المادة (142) من الدستور: “يشكّل البرلمان في بداية عمله لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقرير الى البرلمان، خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها”.

وتطبيقا لهذه المادة، شكّل البرلمان بين عامي 2005 و2009 لجنة لدراسة التعديلات الدستورية برئاسة السياسي الشيعي همام حمودي وعضوية جميع المكونات العراقية، وقدمت في 22 أيار (مايو) 2009 قائمة بالتعديلات المقترحة وكان ينبغي ان تكمل عملها خلال أربعة أشهر لكنها لم تتمكن من اكمال مهمتها ورفعت تقريرا للبرلمان حول بقاء النقاط الخلافية دون تعديل آنذاك.

ابتسام الهلالي عضو اللجنة القانونية في البرلمان تقول لـ “نقاش” إن “الكتل السياسية فشلت في تشكيل اللجنة المخصصة لتعديل الدستور ولهذا من الصعب على البرلمان الحالي ان يكمل هذه المهمة الضرورية لوقف الخلافات بين الكتل السياسية، فالدستور يتضمن مواد مرتبطة بالأزمات السياسية الحالية وبحاجة الى تعديل بعد التطورات السياسية على مدى السنوات العشر الماضية”.

والمفارقة إن الكتل السياسية المتصارعة حول قضية ما غالباً ما تتحجج ببنود دستورية لتبرير آرائها بخصوص القضايا الخلافية وتتهم الطرف المقابل بخرق الدستور، فيما أثبتت السنوات الماضية فشل السياسيين في احترام التوقيتات الدستورية في إجراء العمليات الانتخابية مثلا أو تنفيذ المادة (140) من الدستور الخاصة بكركوك التي من المفترض أن تكون منتهية قبل سنوات، لكنها ما زالت قائمة حتى اليوم.

وتقول الهلالي ايضا إن “هناك حقيقة يجب ان نعترف بها وهي أن الدستور كتب بشكل مستعجل خلال ستة اشهر، لهذا هناك فقرات قانونية متناقضة مع بعضها البعض وتحتاج إلى توضيح”.

وبحسب التقرير الموجود في أرشيف وثائق البرلمان العراقي منذ ثمان سنوات واطلعت عليه “نقاش”، فان ابرز النقاط الخلافية التي تعرقل إتمام التعديلات الدستورية هي المادة الخاصة بالوضع في كركوك والمناطق المتنازع عليها وهي السبب الرئيسي للازمة السياسية والأمنية الحالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان.

وأيضاً المادة (115) الخاصة بصلاحيات الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات والأقاليم، وصلاحيات رئيس الجمهورية، وتوزيع النفط، فضلاً عن المادة (41) التي تخص قوانين الأحوال الشخصية.

وتتلخص الخلافات على هذه القضايا بين الكتل السنية والشيعية والكردية، في رفض الكرد إجراء أي تعديلات على المادتين (140) و (115) الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها في صلاح الدين وديالى ونينوى.

ويتمسك الشيعة بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء لان المنصب من حصتهم، ويعارضون توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية لأنه من حصة الكرد، فيما يصر العرب الشيعة والسنة على عدم تغيير المادة (41) الخاصة بالأحوال الشخصية، فيما يطالب السنّة بإجراء تعديلات جوهرية على معظم هذه المواد، وبعض السنّة المعارضون للحكومة يطالبون بإلغاء الدستور وكتابة دستور جديد.

ويقول عضو ائتلاف “العربية” طلال الزوبعي لـ “نقاش” إن “الالتزامات القانونية لتعديل الدستور في المادتين (142) و(126) مستحيلة، إذ يجب تشكيل لجنة برلمانية من جميع المكونات تقوم بتقديم المقترحات للتصويت، ويجب ان تنال الأغلبية المطلقة (ثلثي عدد نواب البرلمان البالغ عددهم 328)، وبعدها تطرح التعديلات للاستفتاء الشعبي خلال شهرين من موافقة البرلمان، وتصبح التعديلات قانونية إذا لم يرفضها ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات”.

ويضيف الزوبعي ان “من الصعب تلبية هذه الشروط في الوضع السياسي المتأزم، والتعديلات قضية مصيرية بحاجة إلى أجواء سياسية هادئة ولكن الخلافات هي السمة البارزة في المشهد السياسي، وغالبا ما تحتاج الكتل لتشريع قانون أشهرا عدة، فكيف الحال اذا كان تعديل مواد دستورية”.

ومثلا فان البرلمان الحالي انشغل شهورا لاختيار مفوضية للانتخابات قبل ان يختار أعضاء في الأحزاب الحاكمة مرة أخرى رغم الاعتراضات الشعبية وتعديل قانون الانتخابات المحلية والتشريعية، اضافة الى عشرات القوانين المؤجلة، والحديث عن توافق سياسي على تعديلات دستورية تمس جوهر المشكلات الأساسية في البلاد وتتناول قضايا تقاسم الثروات النفطية والمال والسلطة خلال الفترة المتبقية من عمل البرلمان الحالي مستحيل.

ملاحظات اخرى يسجلها خبراء قانون حول الدستور بينها افتقاره للوضوح واحتوائه مواد متناقضة مع بعضها، وغالبا ما يتناول قضايا خلافية بشكل عمومي ويضاف في نهايتها عبارة “وينظم ذلك بقانون”، والمشكلة إن هذه القوانين الفرعية التي من المفترض أن توضح المواد الدستورية غير موجودة حتى الان.

ومثلا لم يضع الدستور العراقي توصيفا دقيقا لمصطلح المناطق المتنازع عليها بين العرب والكرد باستثناء الإشارة إلى مدينة كركوك، ولكن هناك مناطق أخرى متنازع عليها في الموصل وديالى وصلاح الدين، ولو حسمت هذه القوانين لما شهد العراق اليوم أزمة خطيرة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here