الجاهلية الأولى تحيا بأوطاني!!

قرأنا وسمعنا عن الجاهلية وهي الكلمة الأكثر تداولا عبر الأجيال ومذكورة في القرآن والأحاديث والمرويات , ومن المعاني المترسخة في الأذهان أنها الأمية وعدم القرأة والكتابة , رغم أن الكثيرين وعبر العصور حاولوا تقريبها إلى الوعي الجمعي بمعانيها الحقيقية.
فالواقع أن العرب لم يكونوا أمة جاهلة بمعنى الجهل المعرفي والثقافي , وإنما الجاهلية المقصودة والتي توجه إليها الإسلام وتصدى لها النبي برسالته , هي الجاهلية التي نعيشها اليوم , فهذه هي الجاهلية الأولى الحقيقية التي عاشها العرب قبل الإسلام , وها نحن نعيشها اليوم بأساليب غيرمسبوقة , فالإسلام أخرج العرب من جاهليتهم الأولى لكنهم وبعد قرون أخرجوا أنفسهم من الدين وعادوا إليها , والإسلام أخرجهم من الظلمات إلى النور , وها هم يخرجون من النور إلى الظلمات.
فالعرب اليوم يستعملون الدين للتعبير الأقبح والأوحش عن جاهليتهم الأولى , ويبرهنون عليها بالأدلة والوقائع والتفاعلات المريرة , التي زعزعت هويتهم وما يدل عليهم من السمات والمواصفات الحضارية.
فالعرب بحاضرهم يعيشون زمن الجاهلية الأولى بقضيضه ونفيضه , وهم خير المترجمين لجوهره ,
وهذا ما تجنيه جاهلية العرب المعاصرة على العرب أجمعين , وبالدين يشيدون أعمدة الجاهلية الحمقى في زمن الأنوار المعرفية والحريات العلمية المطلقة.
هذه الجاهلية المعاصرة حوّلت البعض إلى قنابل بشرية موقوتة , فعبيد الأصنام بضائع وسلع وأرقام مسخرة لتنفيذ نوازع النفوس الأمار بالسوء والفحشاء والمنكر, ولهذا أستُهدفت أماكن العبادة بأنواعها وعقائدها , لأنها لا تحتوي اصناما تقرب زلفى للرب المتصور على الهوى.
والقتل من طقوس وشعائر جاهليتنا الفتاكة , وأصبح المجتمع كينونات متصاغرة خانعة تابعة تنفذ مشروعات وبرامج أعداء الدين والوطن , والحكام على كراسي التنفيذ الفوري لمشاريع الأسياد والحُماة , فأضحت الفرقة مشروعا إستثماريا , والدين تجارة مربحة , والبشر بضائع في مزادات الفتاوى وأسواق القتل بالجملة والمفرد.
ووفقا لمقتضيات الجاهلية المعاصرة الخلاقة , هدمت بيوت ومساجد وصوامع ومعابد , وإنمحقت مدن عن بكرة أبيها , وأزيلت شواهد حضارية ورموز وطنية , وتحرّف التأريخ وتحقق حشوه بالأضاليل والبهتان , وتم تعطيل العقل وإجتثاث الإنسان , فالكل عليه أن يكون خانعا راتعا يتبرك بلحية دجالٍ لئيم , ينزف السم الزعاف من فمه وعيونه , ويتظاهر للناس على أنه من أصحاب التقوى والمعرفة , والنزاهة والنبل والسمو , وما هو إلا فاسد لفاط رجيم.
وتلك حكاية الجاهلية العائدة إلى عصر العرب , وتسعى أن تبقى في ديارهم لقرن فتاك وتريدُ أن تقيم!!
فهل من عقل يا أمة إقرأ والصراط المستقيم؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here