من راقب الناس مات همًا

الجارة تشتكي:
أعتقد أن جارنا «خليل»، ذلك الرجل المسنّ المتقاعد كان يعمل مخبرًا أو ضابطًا محققًا، مع أنه يصرّ على أنه كان مدرسًا للمرحلة الابتدائية! أشك بكلامه؛ لأنه يفاجئنا دائمًا، أنا وزوجي حسام، بأسئلته وملاحظاته.
ذات يوم عدنا للبيت في ساعة متأخرة من الليل، بعد أن قضينا يومًا كاملاً في رحلة مع الأطفال، يفاجئنا خليل في الصباح بسؤاله: «عسى ما شر، الأمس رجعتوا متأخرين!».
إن لعب الأطفال وتشاجروا فيما بينهم وعلت أصواتهم، لا يتردد «خليل» بأن يستقبل زوجي على عتبة الباب، عندما يعود من عمله في المساء؛ ليستفسر عن الضوضاء التي كانت في المنزل! أما في العطلة الصيفية؛ فهو بالتأكيد يسأل أين ومتى ومع من سنصيّف هذه المرّة!
فضوله أصبح لا يطاق، وفي حقيقة الأمر ليس فقط الفضول، بل الأكثر إزعاجًا من ذلك هو المراقبة.. فهل يعقل عندما تزورني قريباتي وصديقاتي في المنزل؛ أجده يعلّق في اليوم الثاني على حياتي الاجتماعية، وكم هو جميل أن يكون للإنسان أقرباء وأصدقاء يزورهم ويزورونه! حركاتنا وخطواتنا باتت تحت المراقبة بسببه، حتى الأطفال لم ينجوا من مراقبته، فابني الكبير عادل أخبرني بأن «خليل» يسأله: أين يذهب ومن أين أتى ومن هم أصحابه؟! ما شأنه بنا؟! وماذا يريد؟ لماذا لا يلتفت لنفسه وحياته؟ ولماذا الناس شغله الشاغل؟
نحن لا نتدخل فيه، ولا نسأله أي سؤال خاص، ألا ينتبه لذلك، ويحاسب نفسه على فضوله وتدخله الدائم في حياة الغير؟! هل الخطأ منّا؛ لأننا نتعامل مع الآخرين بودّ وطيبة وعدم تكلّف، مما قد يفسح المجال لهم للتدخل بحياتنا؟ هل هذا هو الخلل؟ كنت أنتقد الجيران الذين يلقون التحية ويهرعون في طريقهم، وأحيانًا يكتفون فقط بالابتسامة، كنت أظن أن هذا التصرف منافٍ لحسن الجيرة والعلاقات الإنسانية، لكنني الآن اكتشفت أن هذا هو الأفضل؛ لكي لا يدخل الإنسان في حوارات خاصة وتدخلات ومراقبة.
أتصدقون إن قلت إنني أتمنى أن أنتقل إلى منزل آخر في مدينة أخرى؛ لأبدأ علاقات جديدة مع الجيران، تقتصر على كلمة «السلام عليكم» فقط! «حسام» يقول إن بإمكاني أن أتصرف من الآن بهذه الطريقة، وأضع حدًا لأحاديث جارنا «خليل» وتدخلاته، لكني لا أريد أن أتصرف بجفاء، بعد جيرة دامت أكثر من ثلاث سنوات. «حسام» أكثر جرأة مني، وأصبح يقتصر حديثه مع «خليل» بالسلام والاعتذار؛ لأنه على عجلة من أمره. هل بإمكاني أن أتصرف مثله؟ وهل هذا سيضع حدًا لأحاديث «خليل» ومراقبته؟

نهلة (36 عامًا – ربّة منزل)
على الفيسبوك كتبت: «من راقب الناس مات همًا!!».

رجل وامرأة
إذا كنت زوجًا أو أبًا أو أخًا أو زميلاً، وتواجه مشكلة في التعامل مع أقرب النساء في حياتك، فهذه الصفحة لك. قل كلمتك لها، فالذكية من الإشارة تفهم… ولعلها تكون ذكية!

الجار يرد:

أين ذهب ذلك الزمن الجميل وتلك الأيام؛ التي كان باب البيت لا يغلق أبدًا، البيوت تستقبل الجيران الذين هم بمقام الأهل والأسرة الواحدة، فقد تعرف عن جارك ما لا تعرفه عن أهلك! اللقاءات اليومية وتبادل أطباق الطعام، المساندة وقت المحن والمشاركة عند الفرح، أين ذهب ذلك الزمن الذي كان السؤال فيه محبة؟! كان جرمًا ألا تعرف شيئًا عن جارك، فقد أوصانا رسولنا عليه الصلاة والسلام بسابع جار، فما بالك بجارك الذي يلتصق بابك ببابه؟!
قد تكون مشاغل الحياة والالتزامات الكثيرة والضغوطات هي التي تجعل الناس يتصرفون بعدم اكتراث للعلاقات الإنسانية ويسرعون للقمة العيش، حتى سلامهم يلقونه وهم يسيرون. حاولت مع جيراني أن أحافظ على ما نشأت عليه؛ أن أشاركهم، وأتقرّب منهم، وأودهم، لكن يبدو أن عليَّ الاعتراف بأن العلاقات الإنسانية الطيبة في عصر السرعة والمصالح لم يعد لها وجود.
جاري الشاب «حسام» وزوجته «نهلة» مثالان للأسرة الشابة العصرية؛ فهو يركض للقمة العيش، وزوجته ترعى الأطفال وتحيا حياتها الاجتماعية. كم حاولت أن أتقرب منهما أنا وزوجتي؛ كي يشعرا بأننا معهما إن احتاجا شيئًا، لكني أشعر بضيق «نهلة» منا، وكأننا نفرض أنفسنا عليها، ولا تحاول أن تفكر أنه من الودّ والألفة أن تكون علاقتنا قريبة وطيبة.
حتى «حسام» تغيّر في معاملته، بعد أن كان يقف ليحدثني عن يومه وهمومه اليومية البسيطة، ويسخر من أحلامه صعبة المنال، بات الآن يلقي السلام مهرولاً نحو باب منزله؛ كى يتفادى أحاديثَ أخرى!
أنا أشعر بالبشر، ولا أفرض نفسي، لكني أتحسّر على حياة هذا الجيل واقتصارهم في علاقاتهم على أنفسهم، وأتحسر أكثر على الجيل القادم من أولادهم، فهم لم يربوا كما ربينا.
لا أريد أن أضع نفسي في خانة «الجار المزعج»، لكني تصرفت بودّ، وسعيت للقرب؛ فالحياة قصيرة، والجار للجار، وإن اختار جيراني أن يغلقوا بابهم، فلن أكون مثلهم، فبابي مفتوح للجميع دائمًا، كما كان في السابق، وسيظل.

خليل (74 عامًا – متقاعد)
ليس لديّ حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here