الجاذبية الشخصية وفن الالقاء

أ.د عبودي جواد حسن

ما القاسم المشترك بين بيل كلنتون وستيف جوب وتوني بلير؟ انها الجاذبية التي تنساب من شخصياتهم سواء اكرهتهم ام احببنهم. ان القادة من ذوي الشخصيات الجذابة قادرون على الهام اتباعهم والمثل الاعلى لهم وجعل هؤلاء يخلصون في اعمالهم ويبذلون المزيد من الجهد . ولكن هل توجد طرق مختلفة يستطيع من خلالها القادة تكوين شخصياتهم جذابة؟
فقد اظهرت البحوث ان الجاذبية سواء كانت عن طريق الكلام او الكتابة تنطوي على توظيف مهارات الاتصال في تكوين الشخصية الجذابة وذلك باستخدام الاستعارات القوية والحكايات والتعبيرات الجسدية التي توصل بشكل ناجح العواطف والمشاعر التي تدعم رسالة المرسل كما انها في هذه الاثناء تظهر الثقة بالنفس لدى القائد من بين اشياء اخرى.
ينطوي السحر وكذلك الجاذبية على التواصل عن طريق النظر والشد بين المرسل والمتلقي وعن طريق ارسال ابتسامة من المرسل و السماح للمتلقي للحديث عن نفسه وطرح اسئلة شخصية والكلام العاطفي بينما لا حاجة للشخصيات الجذابة ان تتفاعل بشكل مباشر مع المتلقي على الاطلاق ويمكن جذب المتلقي عن بعد. ولذلك يجب ان يكون للسحرة شعبية بينما لا يتوجب ان يكون ذلك في الشخصية الجذابة
ويمكن للمرء ان يكون جذاب ولكن في نفس الوقت غير محبوب هذا ما قالته الباحثة اوليفيا فوكس كابين وهي مدربة تنفيذية ومؤلفة لكتاب اسطورة الجاذبية وتتخذ في كتابتها من شخصية ستيف جوب مثالا وهو شخص لا يحبه بعض العاملين معه ولكن لايزال يعتبر جذاب بشكل لا يصدق
وتحدد فوكس كابين انواع من الجاذبية : اولها جاذبية النجومية القوية التي من الصعب اكتسابها مثل جاذبية الممثلة مارلين مونرو التي تمارس العمل امام الكاميرا وثانيها جاذبية التواصل عن طريق النظر والتي تسترعي عناية الناس وثالثها الجاذبية التي تفوح رأفة وشفقة مثل جاذبية الدالاي لاما التي يمكن تعلمها.

تأثير الجاذبية
وهناك الكثير من المنافع و الفوائد الكمية لاستخدام السلوك الجذاب
فعلى سبيل المثال عندما تتداخل او تتماهى القيم التي يتبنها القائد مع تلك التي يتبنها الناس الذين يحاول القائد التأثير عليهم يمكن ان يحصل التأثير الجاذبي. حيث يقول جون انتوناكس برفسور السلوك التنظمي في جامعة لوزان ” في هذه الحالة سيتعاطف معك الناس اكثر ويريدون ان يصبحوا مثلك ويكونوا راغبين باتباعك
في احدى الدراسات في 2015 توصل انتوناكس وزملاؤه الى ان العمال المؤقتين في حملة جمع التبرعات قد رفعوا انتاجهم بمقدار17% بعد مشاهدة خطاب تحفيزي ذي جاذبية مسجل قياسا بما حدث عندما مشاهدتهم خطاب عادي
ويذكر انتوناكس ان اكثر الاحتمالات ان يحصل المرء على دعم لتجميع راس المال لمشروع ما
اذا كان ذو جاذبية اكثر بغض النظر عن كيفية لفت للأنظار. ويضيف اما بالنسبة للناس الذي يلقون
كلمات في مؤتمرات (تيد) للافكار الجديدة (TED) فان المرء سيعطي احاديث اكثر وسيعتبر ملهما اكثر اذا القى كلمة بسلوك اكثر جاذبية

وحتى يمكن لجاذبية المرء ان تزيد من رغبة الناس في التعاون. فقد اجرى انتوناكس تجربة
تم فيها عرض شريط فيديو على المساهمين في التجربة لممثل يحاول ان يقنعهم بطريقة جذابة
للتعاون في لعبة يتم فيها اتخاذ القرارات المالية . وكان اكثر الاحتمالات ان يقوم المساهمون
بالتعاون من اجل الفائدة الجماعية بدل التمتع بلذة اللعبة . حيث يقول انتوناكس ان الجاذبية
يمكن ان تساعد الناس ليس فقط على ما يفضلون وانما على عقائدهم حول ما يعتقدون ما سيقوم به الاخرون
ما سبب حدوث هذه التأثيرات ؟ يقول الباحثون يمكن ارجاع ذلك الى عامل الثقة. فقد اكتشفت دراسة بدأت 2016 ان القادة من ذوي الشخصيات الجذابة كان اكثر ما يحتمل الثقة فيهم من طرف العاملين بإمرتهم والذين بدورهم راغبون لمساعدة زملاؤهم واظهار الاهتمام حول مستقبل الفريق و ابداء التزامهم بأمور تهم الشركة مع العلم تقع خارج التزاماتهم التعاقدية
ويقول بجورن مايكلس برفسور الادارة والتنظيم في احدى الجامعات الالمانية واحد القائمين على الدراسة ان القادة من ذوي الشخصيات الجذابة يبينون الى من يعملون بإمرتهم ان لهم القدرة الكبيرة على توليد ا فكار جديدة ويظهرون النزاهة والقناعة من اجل مصلحة المؤسسة من خلال تحمل المخاطر شخصيا . لنأخذ مثلا لذلك احد المدراء التنفيذين وهو مارك تسوكبيرغ الذي جعل راتبه دولارا واحد او اليون مسك الذي لم يقبل ابدا تقاضى أي راتب من شركة تسلا
هل يستطيع المرء ان يدرب نفسه لزيادة جاذبيته
لأولئك الراغبين بزيادة جاذبيتهم تشير الدلائل انه ليس شيء سحري او مستحيل كما يبدو لاول وهلة
معظم ذلك ياتي من الطريقة التي نستخدم فيها كلماتنا وكيف نوصل الرسالة حيث قام انتوناكس بتدريب بعض صغار المدراء في شركة المانية وطلبة الماستر في ادارة الاعمال كيف يمكن ان يكونوا اكثر جاذبية باستخدام ما اسماه تكتيكات القيادة الجذابة
واليكم تسعة تكتيكات شفوية وهي : الاستعارة وسرد القص والحكايات والنقائض والقوائم والاسئلة المعروفة اجاباتها ويجب ان يظهر المتحدث قناعة اخلاقية ويشاطر الناس المتلقين في مشاعرهم ويحدد توقعات عالية لهم وان تكون الثقة هي السائدة بينه وبينهم
والمدراء المدربون على هذا الاساس برزت كفاءتهم وازدادت الثقة بأنفسهم واصبحوا قادرين على التأثير في الاخرين . فمثلا طلبة الماستر في ادارة الاعلام الذين حللوا تسجيلات دراسة خطاباتهم التي القوها باستخدام هذه التكتيكات في النهاية تبين للمحكمين انهم القوا خطبا اظهرت جاذبية اكثر في شخصياتهم
يقول انتوناكس ان ا لسيدة مارغريت تاتشر كانت ذات شخصية جذابة بشكل لا يصدق بسبب اسلوبها الانشائي واستخدامها لهذه التكتيكات. ففي تحليل لخطاب تاتشر امام حزب المحافظين كرئيس وزراء لبريطانيا عام 1980 وهذا الخطاب معروف ” ان السيدة( أي تاتشر) ثابتة لا تتغير” في هذا التحليل نرى تاتشر قد سلطت الضوء على استخدام هذه الخدع الشفوية : الاستعارة والقصص والنقائض والقوائم والاشارات الى الاهداف الطموحة
ولكن ليس المهم كيف يستخدم المرء كلماته. فلغة الجسد والاشارات وتعابير الوجه والنبرة والصوت كل هذه الامو ر ايضا تساهم في التعبير عن المشاعر ويجب ان تتناغم مع الرسالة المراد ايصالها. ويقول انتوناكس ان ما يحتاجه المرء هو المشاعر والعواطف المناسبة لما يقوله.. المطلوب منه ان يبدو فيه مصداقية كي يثق به الناس
واضاف انتوناكس هذا هو واحد من العوامل التي جعلت هيليري كلنتون اقل جاذبية من زوجها بيل كلنتون. بمقارنتها ب(بيل كلنتون) ظهرت كلنتون اقل جاذبية خلال المنافسة للانتخابات الرئاسية فلم تبدي الدفء والشعبية اللتين ابدهما زوجها وكانت اشاراتها وتعابير الوجه عندها ونبراتها لم تعزز عاطفيا ما تريد ايصاله من رسائل حيث يبدو كان جامد و مكتوب لها
وتقول فوكس كابين التي تدرب المدراء التنفيذيين ليكونوا من اصحاب الشخصيات الجذابة وخاصة من خلال الخطب والمقابلات ان الاستراتيجية التي يستخدمها المرء لزيادة هذه الصفة تعتمد على نوع الجاذبية التي يريد ان تحظى بها
تقول فوكس تعتبر الجاذبية السلطوية مفيدة عندما تحدث الحرائق والتي يتطلب فيها من الجميع المساهمة في جهد الاطفاء. وصاحب الجاذبية السلطوية لا يبالي بمقدار المحبة التي يظهرها الناس له وما يهمه هنا فقط هو ان يطاع في ما يقول ويأمر .
وتقول الباحثة ان افضل الطرق لتحسين الجاذبية السلطوية هو تحسين الثقة بالنفس . وكانت غالبا ما ترسل الزبائن الى دروس الفنون العسكرية و توكد على فوائد البناء البدني
حيث يقف المرء وكأنه مخلوق ضخم يرعب خصمه من الاقتراب اليه ويعمل خصمه بما يأمر. هذه الاستراتيجية هي الاستراتيجية الناجحة
وتصف فوكس كبين ستيف جوب كمثال جوهري لشخص تعلم كيف ان يكون جاذبية مرئية خلال مسار مشواره. فقد قامت بتحليل لقطات من خطبه خلال السنين
ففي اول عرض تقديمي له في سنة 1984 يمكن مشاهدته وكانه غبي وغير جذاب كما تقول . ” كان يعتمد على المنتج كي يبيع نفسه ولم يبدي أي سلطة او أي حضور ومما لا شك فيه كلامه لا دفء فيه . ولكن ما يراه المرء تدريجيا خلال سنة 2000 وما تبعها ن جوب بدا يكتسب عناصر الجاذبية. اولا اخذ يبين حضور لشخصيته اولا كان ينظر الى جمهوره ويركز عليهم وليس على المنتج . وبدا يتعلم السلطة ثانيا. وتدريجيا بدا يهمين على ما حوله ويبرز الصوت بشكل ماهر
وهناك طريقة اخرى ومختبرة\مجربة من خلالها استطاعت شخصيات مهمة من زيادة جاذبيتها في نهاية مشوارها أي بعد رحليها . ويقول الباحثون ان البشر يتذكرون براعة الاشخاص المهمين بعد رحليهم ويدركون مدى جاذبيتهم . ففي دراسة في سنة 2016 قام المشاركون بقراءة قصة حول مشوار عالم امريكي اخترع لقاح ضد نوع من انواع البكتيريا . وعندما اكدت القصة ان العالم الامريكي قد مات من مرض نتج من نفس البكتيريا ادرك الناس مدى وطينته وحبه لأمريكا واعتبروه من الشخصيات الاكثر جاذبية بعد رحيله

كما تعاملت الدراسة اعلاه مع اشارات الجرائد الى رؤساء الدول الذين رحلوا ما بين
2000و 2013 ووجدوا ان من اكثر الاحتمالات ان يحظى هؤلاء الراحلون بالجاذبية في نهاية مشويرهم
ولا توصي الدراسة الاشخاص الذين يرغبون في تكوين شخصيات جذابة ان يسلكوا الطريقة الاخيرة
ترجمة بتصرف عن أل بي بي سي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here