أزمة كردستان التي فضحت محللي سياسة آخر زمان !!

احمد الحاج
“لا يوجد في الهند سياسي شجاع بما فيه الكفاية ليحاول شرح أن الأبقار يمكن أكلها” ، عبارة فجرتها مدوية رئيسة وزراء الهند ، انديرا غاندي ، ذات يوم لحث أصحاب القرار على قول الحقيقة مهما كانت صادمة ، وﻻيوجد في بلادنا اليوم ذاك الشجاع الذي ينذر نفسه لقول الحقيقة كما هي ومن غير رتوش بعيدا عن اﻷمنيات والإملاءات والخيالات ، واذا كانت النظم الدكتاتورية كما قال أحدهم تحجب الحقائق عن الناس فإن – النظم التي تتبنى أرباع الديمقراطية – تعمل على تدفق المعلومات كالطوفان بلا وازع ولا رادع وﻻ فلترة لننتهي الى ذات النتيجة = جمهور حائر ﻻ يعي ما يدور من حوله بالمرة !!
ولعل أزمة إنفصال كردستان اﻷخيرة كشفت زيف ثلاثة أرباع المحللين السياسيين العراقيين وركنت الربع الباقي على الرفوف ، اذ لم يوفق وﻻ محلل واحد منهم في استشراف المستقبل ومآلات الاحداث، بل وذهب بعضهم بعيدا جدا ليدعو الى التحالف مع البارزاني والإنضمام الى مملكته المرتقبة والسير الى فلسطين بقيادة الكرد لتحريرها كما فعل صلاح الدين الايوبي من قبل ،قالها وهو ذاهل عن العلم الاسرائيلي الذي رفع قبل واثناء وبعد الاستفتاء في الشوارع والطرقات مع بغضه الشديد للكيان الصهيوني !!
وإذا كنت محللا سياسيا فعليك بداية ان تحدد بوصلتك ، هل أنت منجم وقارئ كف وفنجان يصدق فيك قولهم ” كذب المنجمون ولو صدقوا ” أو ” ولو صدفوا ” بمعنى ان توافق اقوالك الحقيقة مصادفة على خطى الالوسي ، والازري ، وجاكلين عقيقي ، والمسمري، و ابو علي الشيباني وغيرهم من المخرفين ؟!
أم انك محلل سياسي تستحضر أحداث الماضي بعقلية علمية ناقدة ، تقرأ وتستقرئ وقائع الحاضر بعين فاحصة لتستشرف بهما المستقبل بما يحتمل الخطأ والصواب ؟
فإذا كنت من الصنف اﻷول فنصيحتي لك هي إعتزال – التحليل والتعليل – والخوض في الماورائيات ومساعدة – ام تماضر- ومثيلاتها وتخديرها بالعثور على زوجها المفقود منذ حرب الخليج اﻷولى ، وكذلك الثاني الذي فقد في حرب الخليج الثانية وصولا الى الثالث المفقود مذ خروجه بحثا عن دواء الضغط أيام الحرب الطائفية عام 2007 في شارع السعدون والى يومنا هذا ، ناهيك عن البحث في الخزائن والجيوب التي إنتهت اليها الـ 1000مليار دولار التي فقدت خلال 8 سنين وقبلها الـ 60 مليار دولار التي تبخرت في عهد الـ ” بول بريمر ” !!
اما اذا كنت من الصنف الثاني فعليك ان تتعامل مع اﻷحداث المستجدة الشائكة التي تحار فيها العقول وتتباين فيها اﻵراء – واحد يرفع والثاني يكبس – والتي تطفو على السطح فجأة كجبل الجليد ، ما خفي منه في عمق البحر أعظم من الظاهر فوق سطحه ، بستراتيجية السيناريوهات المتعددة ﻻ بنظرية السيناريو الواحد اﻷقرب الى اﻷماني منه الى الحقائق ، وحبذا لو ختمت كل سيناريو بـ” والله اعلم ” على ان تبدأه بـ ” أظن ..اعتقد ..أرى أن ، أتوقع حصول ، أخمن وقوع ” لجملة أسباب أولها لإثبات أنك محلل سياسي بالفعل ولست منجما وﻻ قارئ ابراج وحظ وطالع ، وطالعلك ياعدوي طالع ..من كل بيت وحارة وشارع !!
ثانيهما لتؤكد للجمهور بأنك ﻻتتعامل باﻷمنيات والاحلام الشخصية وإنما بالإستقراءات التحليلية والاستشرافات ..والثعلب فات فات ..وبذيلو سبع لفات !!
وثالثهما لتوسيع مدارك الجمهور وتنبيهه الى الزوايا المعتمة التي تحاول ان تضيئها له بتحليلك إياها ليكون على بينة من أمره ويحتاط لها كما ينبغي له أن يحتاط ولإفهام الخصوم بأنك وجمهورك على درجة من الوعي والإدراك ما يصعب قيادكم وان بإمكانكم إكتشاف مؤامراتهم وفضح مخططاتهم قبل وقوعها ووضع الخطط اللازمة لتجاوزها إن وقعت، أما ان تسارع بإبداء الرأي بطريقة الجزم المطلق وكأن وحيا من السماء يتنزل عليك وأن ﻻ تقبل النقاش فيه وﻻ التنازل عنه ومن ثم وبعد أن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن – ويطلع رأيك فشنك – تبدأ بتناول الكوكا كولا والميراندا وووو السفن لتتجشأ تبريرات – أقبح من التحليلات – تحاول من خلالها عبثا إقناع الجمهور بأن رأيك اﻷول هو الصواب وما زال وأن -مايجري بخلافه – مجرد خدعة من أصحاب القرار، فتضيف غشاوة أخرى وتصحح الخطأ بما هو أفدح منه وتضع عصابة على أعين الجماهير أنكى من سابقتها فهذا لعمري أمر غير مقبول بالمرة وقد يثير حولك الكثير من الشبهات بأنك ربما تكون قاصدا لهذا التعتيم ولهذا التجهيل ﻷمر ما قد يكون مقابل ثمن أو منصب – كريم لوز – وعلى أعلى المستويات مستقبلا أو كجزء من منظومة غسيل العقول وإعادة برمجتها على وفق ما يهواه المبرمجون !!
اﻷقبح من كل ذلك هو ضحك الخصوم علينا وعلى تحليلاتنا و محليلنا و جماهيرنا وصحفنا ووكالاتنا وقادتنا مايفت في عضد اﻷمة جمعاء ويحيل أبناءها الى مزيد من المخيمات والعشوائيات ودول المهجر ، فضلا عن وﻻدة جيل جديد من المحللين السياسيين المنجمين ممن – يتفلسون – على التمن البرياني واللحم بعجين !! . اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here