الاركيلة موضــة تدخين العصـــر وسيلة للتسلية أم مصدر للسموم

الكاتب: نصير كاظم خليل

أول مشاهدتي لها كانت في الستينيات عندما كنت طفلا في السادس الابتدائي وكانت عبارة عن تحفة خشبية مصغرة عن الأصلية موضوعة في إحدى أركان غرفة استقبال الضيوف في بيتنا أهديت لوالدي رحمه الله من شمال العراق ثم اعتدت على مشاهدتها بشكلها الحقيقي بيد كبار السن من الرجال في المقاهي أو البيوت ، الاركيلة أو الشيشة كما تسمى في بعض البلدان العربية موطنها الأصلي أواسط الهند والبعض يرى إن موطنها بلاد فارس ثم انتشرت في تركيا بشكل واسع وانتقلت إلى الدول العربية بعد إن سيطر الأتراك على هذه الدول فترة أكثر من 400 سنة وبعدها انتشرت عالمياً إما في العراق فقد انتشرت بين طبقات المجتمع المختلفة بعد عام ( 2003 ) بشكل واسع في بغداد والمحافظات الشمالية خلال الأعوام من (2009 ) صعوداً لتشمل الفتيات أيضا وبمختلف الأعمار ثم امتدت إلى محافظات الوسط والجنوب ، يعتقد الكثير من الناس وخاصة الشباب والمراهقين بأن الاركيلة غير مضرة وهي بديلة عن السيكارة وهذا فهم خاطئ حيث أثبتت الدراسات والبحوث ان تدخين الاركيلة لنصف ساعة أو أكثر يسبب ارتفاع ضغط الدم وازدياد نبضات القلب وضيق في الرئتين بسبب نقص الأوكسجين بالدم وأثبتت هذه الأبحاث أيضا إن تدخين اركيلة لمرة واحدة تعادل نسبة القطران فيها ( 10 ) سكائر بينما تعادل نسبة السموم نحو ( 100 ) سيكارة زيادة على ذلك إن تدخين الاركيلة أكثر خطورة من السيكارة كون الدخان لا يمر بمصفاة أو فلتر بعكس السكائر ما يسبب ارتفاع السموم بنسبة 26 % إضافة إلى الإمراض الأخرى كالنوبات القلبية نتيجة تصلب الشرايين وسرطان الفم والحنجرة والصداع وعسر الهضم وغيرها ، انتشرت ظاهرة استخدام الاركيلة ألان وبشكل غريب خصوصاً بين الشباب المراهقين بل وحتى الأطفال وحتى النساء ( فتيات وأمهات )بدأن ينافسن الذكور وأصبحت المقاهي والكازينوهات والحدائق العامة والبيوت وحتى الطرقات العامة والأرصفة أماكن خصبة ومناسبة لتدخين الاركيلة وكعادتي في أمسيات شهر رمضان المبارك لهذا العام وبعد الإفطار ، أقوم بجولة على كورنيش نهر دجلة في مدينتي العمارة ولفت نظري العدد الكبير من مدخني الاركيلة على طول الكورنيش معظمهم شباب ومراهقين وأطفال بعمر من ( 8 – 11 )سنة وأصبح لدي فضول واندفاع كي اعرف سر قدوم هؤلاء الشباب وغيرهم على تدخين الاركيلة والأسباب التي دفعتهم إلى ذلك وفي إحدى الجولات قمت باستطلاع بسيط التقيت خلاله بعدد من المدخنين وبمختلف الأعمار للاستفسار منهم عن أسباب قدومهم على ذلك وكانت الاجوبة كما يلي (( البعض يشعر انه يحقق لنفسه دور الرجولة وكمال النمو وانه يشـعر بالاســــتقلال )) (( التحرير من ســــلطة الأهل )) (( الإدمان عليها بســــــبب مادة النيكوتين )) (( أداة للتسلية والترويح عن النفس )) ((اعتبرها البعض بديل عن السكائر واقل ضرر منها )) (( البعض الأخر اعتبرها وجبة يومية لابد منها )) (( ونيس في السـهرات والجلسـات الليلية خصوصاً في شهر رمضان ))

(( الارتياح النفســــــــــــي لها بســـــبب النكهات الطيبة للتبغ المسـتخدم واغلبها نكهة الفواكه )) وغيرها من المبررات التي يحاول المدخنون إضفاء شرعية أو أعذار مقبولة لاستخدامها ولا اخفي عليكم فقد استغربت من إجابة احد الشباب حين قال (( والدي لا يهتم أو يغض النظر عندما يراني أدخن الاركيلة لكنه يتعصب ويجن جنونه إذا رآني أدخن الســـيكارة )) قلت له لماذا ؟ قال (( لا اعلم بالضبط لكن اعتقد إن والدي يعتبر السيكارة إهانة له أو تقليل من هيبته كأب لأني في اعتقاده خرجت عن تربيته )) فهل يعقل ذلك ؟! وهل يا ترى بأن هذا الأب يفكر بنفس التفكير ؟ وان كان كذلك فهو لا يهتم لصحة ولده بقدر ما يهتم لشخصيته وكبريائه وهيبته ( الله اعلم ) من خلال ما تقدم استنتجت بأن هناك نوعين من الأسباب الرئيسية جعلت الشباب يقدم على تدخين الاركيلة ووقوعهم فريسة للإدمان وهما : أسباب خارجية ( خارج البيئة العائلية للمدخن ) وهذه مسئولة عنها الدولة ومؤسساتها كونها الراعي الأول للشعب ومنها ( البطالة ) التي ارتفعت نسبتها في العراق إلى أكثر من 40 % والتي تعتبر السبب الرئيسي في لجوء الشباب ( الشريحة الأكبر في المجتمع ) إلى تدخين الاركيلة وان إيجاد فرصة عمل لهم من مسؤولية الدولة وأوليات نهوضها بالمجتمع نحو مستقبل أفضل إضافة إلى عدم قيامها بتوفير وسائل أو أماكن بديلة للتسلية والترفية كالمنتديات الاجتماعية (الأدبية والثقافية ) والبرامج الرياضية وتوفير ملاعب لكرة القدم وكرة السلة وغيرها وأماكن للسباحة ولبقية الألعاب الرياضية التي تستقطب اكبر عدد منهم إما الأسباب الأخرى فهي داخلية ( داخل البيئة العائلية للمدخن ) ومنها ضعف الرقابة الأسرية والتربوية للشباب وخصوصاً في سن المراهقة وإهمال أو عدم محاولة الأهل إيجاد حلول أو معالجات للأسباب النفسية أو الضغوط الاجتماعية التي يعيشها بعض الشباب كالإحباط والتوتر أو بعض المشاكل العائلية التي تدفعهم إلى استخدام الاركيلة نتيجة لوجود فراغ نفسي يشجعهم على ذلك كما إن للأهل دور كبير في متابعة أولادهم وأماكن تواجدهم ومعرفة مع من يجلسون أو يعاشرون وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتقهم حفاظاً على صحة وأمان أولادهم وإبعادهم عن الانحراف في ضل ظروف الإرهاب الداعشي كما إن ضعف سيطرة الأهل ساهم بشكل أو بآخر على تغيير القيم الاجتماعية فهل كانت قيمنا وأخلاقنا تسمح بجلوس البنت في المقهى أو المنتدى أو على الرصيف وبمشاركة الرجل ؟! كما لا ننسى إن هناك بعض وسائل الإعلام وبعض القنوات التلفزيونية ذات البرامج الملغمة دور ( بشكل أو بآخر ) في ترويج استخدام الاركيلة من خلال ظهور شخصيات في بعض المسلسلات وهم يدخنون الاركيلة وبنشوة ، وفي ضوء هذه الحقائق وهذه الأسباب أرى ومع الأسفإن المجتمع العراقي ماض بالازدياد في استخدام الاركيلة في ضل ظهور تجار يتعاملون ويروجون لهذه السلعة هدفهم الأول كسب المال دون اكتراث أو مراعاة للصحة العامة وبالتالي فان شبابنا وأولادنا يسيرون نحو الهاوية إذا ما انتبهت الدولة على ذلك في إن تكون جادة في الحد من هذه الظاهرة إذا تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها ذات العلاقة كوزارات البيئة والصحة والتربية والشباب والرياضة وغيرها مسؤولية كبيرة في الحفاظ على أولادنا من هذه الآفة الخطيرة لتسجل وتتابع وترصد مثل هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل حالة سلبية عليهم من خلال قيامها بنشر التوعية الصحية ونشر الملصقات و اللافتات و المنشورات أو البرامج التلفزيونية ذات الصلة وغيرها من وسائل التحذير والتوعية علماً أنني لم أشاهد أو اقرأ أو أجد إن وزارة الصحة قد قامت بوضع ملصقات أو منشورات تحذيرية للاركيلة وخطورتها أسوة بوسائل التحذير من تدخين السكائر وحتى لو وجدت فهي محدودة جداً .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here