صحيفة أميركية: بارزاني سيظل مسيطراً على الساحة الكردية.. رغم تنحيه

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن إعلان مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان الذي يحكم منذ فترةٍ طويلة، التنحي عن منصبه، يمثِّل آخر تداعيات استفتاء الاستقلال الذي يراه الكثيرون من قادة كردستان العراق الآن خطأً كارثياً سيُكلِّفهم اعتمادهم على الذات اقتصادياً وسياسياً.

وذكرت الصحيفة، في تقرير نشرته اليوم (30 تشرين الأول 2017)، أن الإعلان أثار نزاعاً فصائلياً في البرلمان حول الكيفية التي يجب بها توزيع سلطاته الأمر الذي تسبَّب في زيادة حدة التوتُّرات في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي.

وأضافت، أن “الخطوة تمثّل آخر تداعيات استفتاء الاستقلال الذي يراه الكثيرون من قادة كردستان العراق الآن خطأً كارثياً سيُكلِّفهم اعتمادهم على الذات اقتصادياً وسياسياً”.

كما أشارت إلى أن بارزاني “لم يعتذر عن الاستفتاء، في رسالته التي تُليَت أمام برلمان إقليم كردستان، أمس الأحد، بل ألقى باللائمة على ما وصفه بخيانة رفاقه الكرد وتحوُّل حلفائه الأميركيين الذين ساعدوا في تدريب وتجهيز قوات الأمن الكردية بعد التراجع الاقتصادي في الإقليم”.

ووفقا لـ “نيويورك تايمز”، فإن الاستفتاء، الذي ندَّدت به بغداد ورفض دولياً، كان قد ارتد بنتائج عكسية على حكومة الإقليم، وذلك حينما أثار صدامات مع الحكومة المركزية في بغداد وتسبّب في خسارةٍ كبيرة للإقليم أمام القوات العراقية.

وتابعت الصحيفة بأن “خطاب بارزاني يؤشر على سقوطٍ متسارع. فقبل أسابيع مضت فقط، كان هو بطل حلم شعبه الطويل بإقامة دولة. لكن تبين أن الخطوة كانت مقامرة خسرها بارزاني بطريقةٍ مذهلة، وذلك بعد مواجهته غضب بغداد وإثر انشقاق مفاجئ من جانب الحزب الرئيسي المنافس في الإقليم، والذي اصطف إلى جانب الحكومة المركزية بعد الاستفتاء”.

وبعد التمتُّع بمستوى غير مسبوق من الحكم الذاتي لعدة سنوات، تواجه حكومة إقليم كردستان أزمتين سياسيتين خطيرتين: الأولى في علاقاتها مع بغداد، العازِمة الآن على الحد من استقلالية الإقليم؛ والثانية من داخل الإقليم نفسه، وذلك مع تنازع الفصائل السياسية المختلفة حول الكيفية التي ينبغي التعامل بها مع التداعيات، ومَن ينبغي أن يتولى قيادة حكومة الإقليم الآن، حسب الصحيفة.

ووفقاً لما ذكرته وسائل إعلام محلية، وقع خِلافٌ داخل برلمان الإقليم على الفور تقريباً بعد قراءة بيان بارزاني، وتوقَّفت الإجراءات لأكثر من ساعة بسبب الخلافات بين الفصائل السياسية المختلفة حول الكيفية التي يجب بها توزيع الصلاحيات الرئاسية.

ووافق البرلمان في نهاية المطاف على مشروع قانون يقسّم الصلاحيات على النحو الذي أوصى به بارزاني، وذلك وسط اعتراضات نواب المعارضة، الذين طالب بعضهم بتسليم الصلاحيات الرئاسية لرئيس البرلمان عوضاً عن ذلك.

وامتد الخلاف بين فصائل الأحزاب المتنافِسة مساء الأحد، إذ اقتحم حشدٌ من المحتجين مقر البرلمان. وضرب بعض المتظاهرين نائباً في البرلمان انتقد بارزاني في أثناء مؤتمرٍ صحفي، بينما هاجم آخرون طاقم إحدى قنوات التلفزة. وبحلول وقتٍ متأخر من المساء، أفاد سكان بأنّ عدداً أكبر من الأشخاص، بعضهم يحمل عصياً، قد توجهوا إلى مقر البرلمان.

وبحسب “نيويورك تايمز”، فإن الحشود أصرت على اعتذار نواب حركة التغيير الكردستانية عما أسموه عدم الاحترام الذي أظهروه لبارزاني.

وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أجَّلت حكومة إقليم كردستان كلاً من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان من المُقرَّر لها أن تجري في الأول تشرين الثاني 2017 بسبب الأزمة مع بغداد. ومد البرلمان ولايته، لكن مصير رئاسة الإقليم الآن أصبح غامضاً.

وكان بارزاني قد تولى منصب رئيس كردستان في عام 2005. وانتهت ولايته رسمياً في عام 2013، لكنها مُددت مرتين، بمساعدة مسؤولين أميركيين ضغطوا على الأحزاب المنافِسة لقبول الصفقة.

لكن منذ ذلك الحين، تحدى بارزاني حليفه طويل الأمد، الولايات المتحدة، متجاهِلاً اعتراضاتها على استفتاء الاستقلال المُزمَع، وقاد حملةً مُتَّقِدة للتصويت بـ “نعم” للانفصال عن العراق، وهو الخيار الذي حصل على معظم الأصوات الشهر الماضي.

وانتقمت بغداد سريعاً من الاستفتاء الذي اعتبرته غير شرعي، فأغلقت المجال الجوي الدولي للإقليم، وسيطرت على مساحاتٍ واسعة من الأراضي التي كانت البيشمركة تسيطر عليها منذ عام 2014، بما في ذلك محافظة كركوك الغنية بالنفط. وأثارت تلك التقدُّمات صداماتٍ الأسبوع الماضي، بعدما بدأت القوات العراقية، مدعومةً من المجموعات شبه العسكرية المدعومة إيرانياً، الاقتراب من إقليم كردستان ذاته.

وذكرت “نيويورك تايمز”، أنَّ تلك التطورات أدَّت إلى فقدان حكومة كردستان أصولها الاقتصادية الرئيسية والكثير من حقول النفط، وواجهت عزلةً دولية شبه كاملة، مبينة أن “تلك الإخفاقات أضعفت كثيراً موقف الكرد في المفاوضات بين القادة العراقيين ونظرائهم الكرد من أجل تنظيم توازن القوى الذي تغيَّر بشدة بين الجانبين”.

وعُقِدَت المباحثات، التي توسَّط فيها مسؤولون بالجيش الأميركي، بعدما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقفاً مؤقتاً للعمليات العسكرية الهادفة للسيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا، وسوريا، وإيران، وفقاً لنيويورك تايمز.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص مقرَّبين من المفاوِضين قولهم إنَّ “بغداد تقترب من عقد اتفاقٍ مع القادة الكرد سيُمكن القوات الاتحادية من السيطرة على المعابر الحدودية، ووضع معايير تنظّم الكيفية التي يصدّر بها إقليم كردستان نفطه، وهو الذي يُعَد مصدر دخلٍ ضروري بالنسبة لأحلام الإقليم في الاعتماد على الذات. ومن شأن هذا الاتفاق أن يمثّل أكبر تراجع للمكاسب السياسية الكردية منذ حصل الإقليم على الحكم الذاتي من بغداد بعد حرب الخليج 1991”.

لكنَّ استقالة بارزاني، الذي لم يُسمِّ له خلفاً، تترك سؤالاً مفتوحاً عمَّن يمتلك السلطة للموافقة على اتفاقٍ كهذا، سواء داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم أو عائلته، كما أفادت به “نيويورك تايمز” التي لفتت أيضا إلى أن بارزاني ركَّز منذ تولِّيه الرئاسة في 2005، سلطاتٍ كبيرة في منصب الرئيس، ووضع أفراد أسرته المُقرَّبين في مراكز قيادية مهمة. فابن أخيه، نيجيرفان البارزاني، هو رئيس وزراء الإقليم، وابنه، مسرور البارزاني، هو المسؤول عن أجهزة الأمن في الإقليم.

ولذا، قد تظل الكثير من صلاحيات بارزاني الحكومية في يد أسرة البارزاني. إذ يتوقّع محلِّلو الإقليم أنَّ يُخصَّص لابن أخيه على الأرجح بعض الصلاحيات الرئاسية. ويُرجَّح كذلك أن تؤول بعض صلاحيات البارزاني الكبير إلى نجله مسرور، حسب الصحيفة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here