عالم المعرفة : لغتنا، والنزعة الأنفرادية

(*) د. رضا العطار

في ديسمبر من عام 1954 جاء في مجلة الثورة المصرية للاديب احمد لطفي السيد:
( ارى ان يكون نشر كتب الادب القديمة في نطاق محدود، فكثير منها لا يخلو من اسفاف يترك اثرا في اخلاق شبابنا .. ودواوين الشعراء مليئة بالمدح الكاذب والتضليل المكشوف .. والادب غير الرفيع .. ولا احب لشبابنا ان يقتفوا اثر هؤلاء الشعراء ذوي الاسماء الطنانة عل حين ان الواحد منهم لا يساوي عشرة قروش )

( ان ادب العصر العباسي مثلا تشيع فيه كلمة – انا – على حين الروح السائدة الان او التي يجب ان تسود الشباب هي كلمة – الامّة – بدلا من – انا – )
وضرب الاستاذ احمد مثلا على سوء الرأي المتفشي في بعض هذه الكتب بما ذكره
– القلقشندي – في صبح الاعشى من الشروط التي يجب ان تتوافر في الوزير اذ قال
( يجب ان يكون الوزير دقيق الحس بحيث يسبق الامير الى غايته )
وعلق اديبنا قائلا: اتريدون دليلا ابلغ من هذا على فساد هذه الآراء ودعوتها السافرة الى النفاق والوصولية ؟ وقليل من هذا قاله ابن رشد في زمانه.

ان نزعة – انا – الغالبة في الشعر العربي هي نزعة انفرادية وهي تبرز واضحة كما في شعر المتنبي. وكذلك في شعر المجون في نظم ابي نؤاس، فانه من صميم الانفرادية.
اذن ما هو الرجل الانفرادي ؟
هو بلا شك ذلك الذي يجعل شعاره في الدنيا (انا وحدي لا ابالي بالمجتمع ولا افكر الاّ في لذاتي وشهواتي واستمتاعاتي) وهو حين ينتهي الى ذلك يجد ان اتجاهه الذاتي لا يخرج عن منطق حياته ونزعته واتجاهه وليس شئ في الدنيا هو امعن في الانفرادية مثل الاشتهاء الجنسي الشاذ – ذلك ان هذا العمل هو عدوان. وهو قريب في معناه ويكاد يكون قريبا من احساسه من السادية التي تنسب الى الفرنسي مركيز دوساد. هذا الرجل عاش في اواخر القرن الثامن عشر وكان يعذب المرأة التي يتصل بها ويجد في هذا التعذيب لذته. وهذا التعذيب للمرأة هو في صميمه اسراف في النزعة الانفرادية اذ معناه : انا وحدي لا شريك لي في اللذة الجنسية. انه مسرف بالطبع بعيد عن الاعتدال الى حد الاجرام في نزعته الانفرادية.

والذي احب ان اصل اليه هو ان هناك ذهنا اجتماعيا وذهنا انفراديا وانه تغلب على المجتمع العربي في السياسة والادب تلك النزعة الانفرادية دون النزعة الاجتماعية.
كما احب ان انبه هنا ان كل انسان يحتاج الى قسط من النزعة الانفرادية اذ هي الحافز الشخصي الذي يحمل صاحبه على الارتقاء والتوسع والتعمق في الحياة وهذه النزعة ضرورية ايضا اذ هي التي ترتفع بالفرد الى الوعي الشعبي او الانساني.
النزعة الانفرادية هي نظام المبارات في الاقتصاد، هذا النظام الذي انتهى في اسرافه بالاستعمار وعذاب الامم الخاضعة له.

والنزعة الاجتماعية هي نظام التضامن الذي ينتهي بالاشتراكية وقد راينا من آثاره قوانين الكفاءة الاجتماعية في انجلترا او في غيرها حيث يعوض المعطل عن عطله ويعاون المريض بالعلاج المجاني ويغذي الصغار في المدرسة وتعطي الحامل قبل ولادتها وبعد ولادتها بشهر اجرتها كاملة ألخ
وداعية النزعة الانفرادية في انكلترا هو – هربرت سبنسر – الذي كان يقول ان الدولة يجب الا تكلف تعليم الشعب وقصارى واجباتها تعميم الامن اما الشعب فعليه ان يعلم نفسه.

وداعية النزعة الاجتماعية هو – روبرت اوين – مؤسس جمعيات التعاون التي عمت اقطار العالم المتمدن وهو واضع مصطلح الاشتراكية الاوربية.
والنزعتان واضحتان في السياسة والادب فان تشرشل زعيم اليمينيين من المحافظين يمثل النزعة الانفرادية في السياسة الانكليزية في حين ان بيفان زعيم اليساريين في حزب العمال يمثل الى حد ما النزعة الاجتماعية.

وهاتان النزعتان تتضحان في الادب العربي المعاصر فان مما لا شك فيه ان الانفراديين يحبون ابا نؤاس ويكرهون الاتجاه الاشتراكي للارتقاء بالعمال ولكن هناك ايضا اولئك الذين ينزعون النزعة الاجتماعية وهم لا يطيقون ابا نؤاس وهم في الغالب اشتراكيون.
نحن ندعو في ايامنا الى ان يكون الادب للحياة اي للشعب اي للمجتمع والانسانية جمعاء وان تكون للاديب رسالة يؤديها كما يؤدي النبي رسالته. وكل هذه المعاني بعيدة عن شعراء العرب مع اشتثناء ابو العلاء المعري. ولهذا لا يمكن الادب العربي الحديث ان يستلهم الادب العربي القديم.

مقتبس من كتاب ( الادب للشعب ) لسلامه موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here