لماذا اتخذت القيادة الكوردية قرار اجراء الاستفتاء برغم كل المواقف السلبية؟

جواد ملكشاهي
اجراء الاستفتاء العام في اقليم كوردستان على تقرير المصير وتصويت اكثر من92% من الشعب الكوردستاني في الاقليم لصالح الاستقلال وتشكيل دولة كوردستان ، ما رافقه تداعيات خطيرة انتهت بخيانة مجموعة متنفذة في قيادة الاتحاد الوطني والاتفاق مع بغداد وطهران لتسليم كركوك والمناطق المتنازع عليها الاخرى للحكومة الاتحادية.
لسنا في مقالنا هذا بصدد ذكر تفاصيل ماحصل بعد الاستفتاء وفرض واقع جديد في تلك المناطق والذي سينتج عنه مرحلة جديدة من العلاقات بين اربيل وبغداد وسينعكس الواقع الجديد سلبا وايجابا على مجمل العملية السياسية العراقية في المرحلة المقبلة وبالاخص سيكون له تأثير مباشر على الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق واقليم كوردستان.
لكن مانريد توضيحه هنا هو الجواب على السؤال الذي يُطرح في الاروقة السياسية والشعبية على مستوى العراق والمنطقة والعالم بعد الاستفتاء وهو ، لماذا لم تستجب القيادة الكوردستانية لجميع الدعوات والنداءات من الحكومة الاتحادية والاطراف الاقليمية و الدولية وبالاخص الولايات المتحدة فضلا على المنظمة الدولية وجامعة الدول العربية لتأجيل او لغو الاستفتاء ؟
تحليلات القيادة الكوردستانية التي بنيت على التجارب السابقة مع الحكومات المتعاقبة في العراق كانت تشير الى ان تجارب الماضي ستتكرر، اي كلما كانت بغداد ضعيفة تسايس الكورد حتى يحين الوقت المناسب لاستخدام القوة وفرض هيمنتها.
كما بني تحليل القيادة الكوردية على سياسة المماطلة والتسويف التي مارستها بغداد والقوى السياسية الشوفينية المتنفذة في الحكومة والبرلمان، التي عملت على وفق اجندات اقليمية بعدم تنفيذ المادة 140 الدستورية الخاصة بحل مشكلة المناطق المتنازع عليها والتي دونت في الدستور على ثلاث مراحل ، الاحصاء، التطبيع ، والاستفتاء والتي حدد الدستور بنهاية عام 2007.
اي ان القيادة الكوردستانية كانت متيقنة ان بغداد ستلجأ للقوة بعد دحر داعش لحل مشكلة المناطق المتنازع عليها وفرض واقع جديد عليها، واعدت خطة عسكرية وسياسية متكاملة للحفاظ على تلك المناطق ولكنها لم تضع في الحسبان امرين اساسيين اللذين كانا السبب الرئيس لما حصل في المناطق المتنازع عليها وهما :
اولا : حصول اتفاق سري بين مجموعة متنفذة في قيادة الاتحاد الوطني مع طهران وبغداد بغية تسليم تلك المناطق من دون قتال مقابل مكاسب عائلية خاصة.
ثانيا: القيادة في كوردستان كانت تتوقع ان تقوم ايران وتركيا بتعرضات عسكرية بعد الاستفتاء على الحدود مع الاقليم كورقة ضغط لالغاء او تجميد نتيجة الاستفتاء ، الا انها لم تتوقع ان تقف واشنطن ودول التحالف الدولي الاخرى مكتوفة الايدي ازاء التكالب الايراني العراقي التركي وبدعم سياسي عربي وصمت دولي مطبق على كركوك والمناطق الاخرى باسلحة سلمتها الولايات المتحدة لبغداد لمقاتلة تنظيم داعش الارهابي.
اما لماذا رفضت القيادة الكوردية جميع الوساطات والنداءات المحلية والاقليمية والدولية ؟
اعتقد ان القيادة في كوردستان كانت متيقنة من التصادم العسكري مع القوات الاتحادية بعد دحر داعش سواء اجري الاستفتاء ام لم يجر ، في ظل عدم وجود ارادة لدى بغداد لتنفيذ المادة 140 من الدستور لذلك رأت بان طالما التصادم العسكري تحصيل حاصل ، لا اقل ليجري شعب اقليم كوردستان استفتاء على تقرير المصير، ليكون ورقة بيده لتقرير المصير آجلا ام عاجلا او استثماره على الاقل كبديل لتنفيذ المادة 140 لذلك مخطئ من يتصور ان ماحصل في كركوك والمناطق الاخرى كان انتكاسة من تداعيات الاستفتاء ، بل الانتكاسة الحقيقية هي عندما كان يفقد الكورد المناطق المتنازع عليها من دون قتال ومن دون اي مكسب.
الحقيقة التي لايمكن القفز عليها هي ان نتيجة الاستفتاء باقية ولايمكن لأي طرف الغائها حتى وان وقعت القيادة الكوردية عليه لانه ليس قرار سياسي ليلغى بقرار ، بل ان تصويت 92% من الشعب الكوردي لصالح الاستقلال يعد قراراً شعبياً وفي ذات الوقت يمثل ارادة شعب يسعى ليعيش حرا مستقلا الى جانب الشعوب المجاورة على وفق المبادئ الانسانية السامية و المواثيق الدولية ولايمكن لكائن من كان ان يعدها باطلة ويسلب ارادته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here