المجزرة الجديدة للتحالف العربي في اليمن: عودة حديث “الحسم”

جاءت المجزرة التي ارتكبتها مقاتلات التحالف العربي، في صعدة، شمال اليمن، أمس الأربعاء، وكأنها ترجمة فورية لمقررات اجتماع الرياض الذي جمع القيادات السياسية والعسكرية للتحالف، والقاضية بتجديد دماء الحرب والتمسك بحسم عسكري أظهرت سنتا الحرب حتى الآن أنه مستحيل التحقق بالنسبة لطرفي الحرب. وخلال أقل من 24 ساعة، سقط ما يزيد عن 60 يمنياً مدنياً بين قتيل وجريح بغارات جوية للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، بالتزامن مع تصعيد عسكري يشمل أكثر من جبهة مواجهات، في ظل عودة الحديث عن “الحسم العسكري”، عقب الاجتماع الذي عُقد أخيراً في العاصمة السعودية الرياض لوزراء خارجية ورؤساء أركان دول التحالف. وكانت محافظة صعدة، شمالي البلاد، الساحة الأبرز لأحداث القصف الدامية، حيث أعلن مصدر أمني موالٍ لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، سقوط 29 قتيلاً وإصابة 28 آخرين بحسب قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين، جراء غارة جوية ضربت فندقاً في أحد أسواق مديرية سحار، في صعدة.

وكالعادة، جاء التعليق الأولي لقيادة قوات التحالف العربي بصيغة أنها “تتابع باهتمام ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام بادعاء استهداف سوق في مدينة صحار”.

ووفقاً لمصادر من صعدة، كان الفندق الواقع في سوق الليل في المديرية مكتظاً بالعمّال وأصحاب “البسطات” والمحال التجارية، قبل أن تضربه غارة جوية، أسفرت عن وقوع القتلى والجرحى، في الوقت الذي لم يصدر فيه
تعليق فوري من قبل التحالف حول القصف.

وأعرب منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، جيمي ماكغولدريك، من جهته، عن قلقه البالغ من التقارير التي تحدثت عن استهداف مدنيين في صعدة. وعبّر في تعليق مقتضب على حسابه على موقع “تويتر” عن سخطه من الإهمال التام والمستمر لخسائر أرواح المدنيين، مشيراً إلى سقوط 17 قتيلاً والعديد من المصابين. وأظهرت صور التقطها مصوّر “فرانس برس” جثثاً على الأرض فوق أكياس بلاستيكية بيضاء خارج مسجد في منطقة الغارة، وجثة طفل غطت الدماء وجهه. كذلك، أظهرت صور أخرى محاولات انتشال أشخاص من بين أنقاض مبنى، وفجوة كبيرة في أرض رملية بدت وكأنها موقع الضربة وإلى جانبها بقايا أثاث.

وجاء القصف الذي خلف ضحايا مدنيين في محافظة صعدة، بعد ساعات من قصف طاول أمس الأول منازل في مديرية بلاد الروس جنوبي صنعاء. وأعلن الحوثيون أن القصف الذي شمل ست غارات جوية، خلّف ثمانية قتلى و25 جريحاً، وسقط كذلك ثلاثة قتلى وجرحى بغارة منفصلة للتحالف في مديرية الظاهر الحدودية في محافظة صعدة.

وتأتي الغارات على الرغم من تزايد الانتقادات الدولية الموجّهة إلى التحالف على خلفية الضربات التي أوقعت ضحايا مدنيين. ويُتهم التحالف بتنفيذ عشرات الضربات، بما في ذلك استهداف أسواق أو منازل، ومنها استهداف “فندق” في مديرية “أرحب” شمالي صنعاء، في أغسطس/آب الماضي، وهو القصف الذي راح ضحيته العشرات بين قتيل وجريح.

من جهة أخرى، جاء تصعيد الضربات الجوية، بالتزامن مع تصعيد ميداني لافت خلال الأيام الماضية، إذ تجدّدت المعارك الميدانية بين قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية المدعومة من التحالف من جهة، والمسحلين الحوثيين وحلفائهم من الموالين لعلي عبدالله صالح من جهة أخرى، شرقي العاصمة صنعاء بعد جمود لشهور.

وأعلن الناطق الرسمي باسم قوات الشرعية، العميد عبده مجلي، في تصريح لموقع الجيش أن الشرعية تمكّنت الثلاثاء الماضي من تحقيق تقدّم ميداني على جبهات عدة، وأن الجيش (التابع للشرعية)، تمكّن من “تحرير”، ما يقارب 20 موقعاً كانت تحت سيطرة الحوثيين وحلفائهم في مديرية نِهم، وأنه تمت السيطرة على “جبال وقرية ضبوعة وسد بني بارق وأجزاء من قرية بني بارق ومواقع النعيلة والتباب المطلة على بني حاتم”.

وفيما كان التصعيد قد بدأ في تعز منذ يومين، أعلن الناطق باسم الجيش أن قوات الشرعية استطاعت الحفاظ على جبل هان غرب محافظة تعز، على الرغم من القوة التي حشدها الحوثيون والمعدات العسكرية الثقيلة والقصف العنيف، فيما شهدت جبهات أخرى في محافظة الجوف شمالي البلاد، مواجهات على أكثر من جبهة. وتحدثت مصادر تابعة للحوثيين عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى من قوات الشرعية خلال عمليات عسكرية لـ”الجيش واللجان الشعبية” (الموالين للجماعة)، والتصدي لزحف (الشرعية) خلال اليومين الماضيين.

وبدا لافتاً أن التصعيد جاء عقب الاجتماع الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض، لوزراء خارجية ورؤساء أركان دول التحالف الـ13 بقيادة السعودية، يوم الأحد الماضي، وهو الاجتماع، الذي أعلن خلاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن “تحالفنا يزداد إصراراً على إنقاذ اليمن وتجفيف منابع الإرهاب”، فيما أعلن رئيس الأركان السعودي، عبدالرحمن البنيان، عن أن قيادة التحالف “مصممة على تمكين الحكومة الشرعية من كامل الأراضي اليمنية”.

في السياق، عاد الحديث عن “الحسم العسكري” مجدداً، إذ كتبت صحيفة “عكاظ” السعودية تحت عنوان “واقترب الحسم في اليمن” أنه “بقدر ثقتنا بأن الحسم العسكري في اليمن بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها قوات الجيش الوطني اليمني والتحالف العربي، وهو ما تجلّى في عودة الاستقرار إلى عدد من المدن وبدء النشاطات الاقتصادية والتنموية، فإن الأمل يحدونا في أن تسارع القوى السياسية والحزبية اليمنية إلى إعادة توحيد صفوفها ونبذ الخلافات الجانبية بعيداً، وأن تضع المصلحة الوطنية العليا لليمن على رأس أولوياتها، تاركةً خلفها المصالح الحزبية والولاءات الشخصية”.

يشار إلى أن منطقة نِهم شرق صنعاء، وجبهات أخرى في البلاد، تشهد منذ أكثر من عامين، حرباً ترتفع وتيرتها من حين إلى آخر، غير أن جبهات المواجهات شهدت في الأشهر الأخيرة جموداً نسبياً، مع استمرارها في مناطق محافظة صعدة الحدودية وإلى جوارها محافظة حجة، حيث تقع ميدي وحرض، اللتان تشهدان مواجهات متقطعة منذ ما يقرب من عامين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here