من ملفات الشرطة : صفقة الخيانة

كنت أعاتب ضابط التحقيق في أحد مراكز بغداد عتابا أخويا وحسب الميانة.. لماذا كلما شاهدتني تسكت ولا تفتح فمك لي.. لماذا لا تتكلم وتروي قصص وحوادث هذه الأيام.. ان نشرها أحيانا يكون عبرة وموعظة ورادعا، قال الضابط: ليست كل القضايا صالحة للنشر ولو حتى من أجل العبرة والموعظة، فالانسان كائن غريب لا يمكن التنبؤ برد فعله، قد يعلم ان هذا الشيء خطأ، ورغم ذلك يقدم عليه وهو واع تماما، واذا كشفت له الخطأ غمّض عينيه، ووضع رأسه في الرمال وأحيانا في الوحل، واذا لم تصدقني فاسمع هذه القصة:
قال ضابط التحقيق: ذات يوم فوجئت بمن يدخل غرفتي في مركز الشرطة، ودعوته للجلوس، رجل في الخمسينات، ملابسه تنمّ عن ثراء فاحش أكثر مما تعكس ذوقا أصيلا، الخواتم الذهبية والفضية تزين أصابعه، شعره مصبوغ، ورغم كبر سنه الا انه ممتلئ بالحيوية والنشاط.
بدأ حديثه بقنبلة، قال زوجتي تخونني!
حاولت ان أهدئ من روعه، وطلبت منه ان يروي لي القصة، من البداية.
قال الرجل: أنا (فلان) المقاول وصاحب شركة للاستيراد والتصدير المعروفة، لعلك سمعت عن اسمي وعن المشروعات والمباني والمقاولات التي أقوم بتنفيذها، أنا يا حضرة الضابط رجل عصامي، بدأت حياتي من تحت الصفر، جئت من قرية قريبة من بغداد وأنا شاب فقير ولم يكن معي فلس واحد، ولكن معي قوة جسدي فعملت في مهنة (العمالة) أحمل الطابوق والسمنت وأكياس الجص على كتفي وأصعد بها عشرات المرات الى سطوح الدور الحديثة، مقابل دنانير قليلة، ولكن كنت دائما أدخر من هذه الدنانير القليلة حتى لو حرمت نفسي من وجبة طعام في اليوم، فقد قررت رغم جهلي وقلة خبرتي الا أستمر طوال عمري أحمل الطابوق على كتفي، وان يأتي اليوم الذي يعمل فيه الآخرون لحسابي، سنوات وسنوات مرت وتدرجت في العمل، من عامل بسيط الى (خلفة) ثم مقاول صغير، ثم اصبحت مقاولا كبيرا اتسعت أعمالي وكبرت ثروتي، وعندما أصبح رصيدي في البنك يقدر بملايين الدنانير والدولارات تنفست الصعداء ولحظتها اكتشفت انني دفعت ثمنا غاليا لكي أصل الى ما أنا فيه، دفعت عمري، تعديت الخامسة والخمسين، وأصبحت رجلا كبيراً في السن، واكتشفت انني حرمت نفسي من كل شيء، حتى النساء، وقررت ان أعيش بقية حياتي مستمتعا وأتزوج، وسرعان ما عثرت على الفتاة التي أعجبتني، التقيت بها في منزل مدير احدى الشركات التي كنت أتعامل معها، كانت ابنته، فتاة صغيرة تعدت العشرين من عمرها، لكنها كانت تحمل جمالا كبيراً وأنوثة ناضجة، وتقدمت لطلب يدها من والدها وأنا أضع يدي على قلبي خوفا من الرفض، ولكن لدهشتي وافق على الفور وبترحاب شديد، وكان شرطي الوحيد ان أسمع موافقتها من لسانها شخصيا، ودبروا لنا لقاء منفردا وما ان صارحتها برغبتي في الزواج منها، حتى تهلل وجهها وامتلأت عيناها بالسعادة، قالت أنا موافقة من أول يوم عندما سمعت بذلك، وقالت انها كانت تحلم بفارس أحلام ناضح في مثل عمري وليس شابا طائشا بلا خبرة او تجربة، وأحسست ان الحياة تبتسم لي وأنا على مشارف نهاية حياتي.
ملخص قصتي يا أستاذ: أنني تزوجتها وانتقلنا الى داري التي شيدتها حديثا وسجّلتها باسمها، وعشت معها أحلى ايام عمري، وعرفت طعم الشهد بعد ان كانت حياتي السابقة ألماً ومرارة.. وكلما شعرت بحنانها أغدقت عليها الهدايا الثمينة، اشتريت لها سيارة حديثة، سجلت عمارة كنت أملكها باسمها، بالاضافة الى مجموعة كبيرة من الحلي الذهبية والمجوهرات والملابس، كنت أود ان أعطيها أكثر وأكثر، لكن سعادتي يا أستاذ لم تدم طويلا، ذات يوم كنت أتوقف في شارع المنصور، فجأة تسمرت في مكاني، وجدت سيارة زوجتي تقف أمام باب إحدى العمارات هناك ولم يكن لي أصدقاء او أقارب يسكنون تلك العمارة، ولم تخبرني بأنها ذهبت الى هناك، تواريت بعيدا وهبطت زوجتي بعد ساعة وخلفها شاب يرتدي نظارة سوداء، صحيح انهما لم يتكلما، لكنها عندما ركبت سيارتها، أشارت بيدها ملوحة له، وعندما خلع نظارته عرفت ملامح وجهه، أطبقت الحقيقة المرة على حياتي، وقمت بتحرياتي الخاصة واكتشفت ان زوجتي الحبيبة تخونني مع طبيب أسنان يسكن في نفس العمارة التي خرجت معه في المرة الأولى، كيف، ومتى التقيا ولماذا فعلت حتى تخونني؟
سأله ضابط التحقيق: ثم ماذا تريد؟
قال الرجال الثري: لا شيء، هما الآن في شقته الملحقة بالعيادة، وأريد القبض عليهما متلبسين بالخيانة..
سألت ضابط التحقيق: ومذا حدث بعد ذلك؟
قال لي: أخذت موافقة قاضي التحقيق بتفتيش وتحري الشقة والعيادة العائدة لطبيب الأسنان وذهبت مع الرجل الثري الى شقة الطبيب الذي فوجئ بنا ندخل عليه، أما العروس الشابة الجميلة، فقد انهارت تماما وجلست تبكي دموعه التماسيح، لكني فوجئت بالزوج يقول، أنا مستعد للتنازل عن دعواي ضدها وضد عشيقها اذا تنازلت زوجتي عن القصر والعمارة والحلي الذهبية والمجوهرات والسيارة التي تملكها، وفي هذه الحالة سوف يطلقها من دون فضيحة!
وافقت الزوجة خوفا من أبيها في الحال، وكتبت ورقة التنازل أمامنا، وقدمتها لزوجها الذي طلقها مباشرة، وأصبحت أنا شاهدا على الطلاق، وانصرف كل من الثلاثة يجتر أفكاره ومشاعره، الشابة العروس، طبيب الأسنان، والزوج الثري، كل واحد ذهب الى سبيله.
ومضت شهور ونسيت الحكاية، حتى ذهبت يوما الى احدى الحفلات في نادي الصيد، وفجأة شاهدت الزوج الثري، لكني فوجئت به يتجاهلني تماما، بل حاول الهرب وسط المدعوين الذين ضاقت بهم القاعة، وقلت لنفسي، سأنصرف من الحفلة حتى لا أسبب حرجا له، ربما يكون قد تذكر الحكاية المريرةعندما رآني، وخرجت من الحفلة بهدوء، لكن المفاجأة المذهلة انني وجدت الرجل الثري قد سبقني وكان يتأبط ذراع فتاة جميلة للغاية، يسرع بها نحو سيارته وكأنه يهرب من شيء، ومن مكاني استطعت ان ألقي نظرة على الفتاة، وعندما شاهدتها فهمت وأصبت بالذهول..
سألت الضابط: لماذا.. ومن كانت الفتاة؟
قال: عروسته السابقة.. او مطلقته، أعادها اليه كزوجة مرة أخرى!!

د. محيي عبد الحميد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here