الحمّالون يربطون الطرق الضيقة بين إيران وكردستان

سامان عمر

يعرّض المئات من الأشخاص كل يوم حياتهم لخطر حقيقي على الحدود بين إقليم كردستان وإيران ويصبحون مع أحمالهم الثقيلة عرضة لمخاطر الألغام وإطلاق النار.

الحمّالون (العتالون) هم الذين ينقلون الأحمال المهربة بين إيران وإقليم كردستان منذ سنوات طويلة، ومع كونهم حتى الآن عاملا مهما في تخفيف الحصار الدولي على إيران ولكن يبدو أن ما يقومون به سيصبح بعد الآن ضرورة حتمية لإقليم كردستان أيضاً، فإذا استمرت إيران في إغلاق حدودها بوجه الإقليم بسبب الاستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر) الماضي فان المصدر الوحيد للاتصال سيبقى هؤلاء الحمالون.

وتربط إيران وكردستان معابر حدودية رسمية أبرزها تقع في مناطق بينجوين وبشدر شرقي مدينة السليمانية وبلدة سوران شرقي مدينة اربيل، ولكن بعيدا عن هذه المعابر هناك أشخاص ينقلون الأحمال عبر طرق التهريب الضيقة بين جانبي الحدود، ومع ان عمر هذا النوع من الحركة أكثر من 25 عاماً، إلا أن إيران خلقت خلال الفترة الماضية صعوبات للحمالين بسبب تشديد ضبط حدودها.

مراسل “نقاش” زار خلال اليومين الماضيين قريتي “زلي” و”قاسمه رش” التابعتين لقضاء بشدر شمال شرقي السليمانية المتاخمة لمدينة سردشت في كردستان إيران، كما زار آخر نقطة حدودية في معبر حاج عمران شمال شرقي أربيل للتعرف على تحركات الحمالين عن كثب.

وتبدأ التعاملات حين يجمع أصحاب المخازن من الكرد في المدن والقرى المحيطة بقضاءي بشدر وسوران ضمن حدود اقليم كردستان الكثير من البضائع مثل “مواد التجميل، العطور، الاقمشة، السكائر، الهواتف المحمولة، التلفزيونات، الحاسبات، أنواع اخرى من الأجهزة الالكترونية، المواد الكهربائية والمشروبات الكحولية” في مخازنهم.

ولا تسمح إيران بدخول تلك البضائع الى أراضيها عبر الحدود بشكل رسمي لذلك يقوم بعض التجار الإيرانيين بشراء تلك البضائع من البلدان الأخرى وإرسالها الى كردستان لتهرب من هناك إلى بلدهم إيران.

وقال هاوكار احمد صاحب احد المخازن في حاج عمران وهي آخر نقطة حدودية تقع على بعد 150 كم شمال شرقي اربيل وهي متاخمة لمدينة خاني الإيرانية، قال لـ”نقاش”: “اتفقنا مع التجار الإيرانيين على أن يرسلوا البضائع الينا ثم نقوم نحن حسب طلبهم بنقلها بالسيارات والأحصنة الى الحمالين المنتظرين في آخر نقطة على الحدود لإيصالها إلى إيران.

وهنا لا تبقى طريق سالكة للسيارات كما يصعب تنقل الأحصنة أيضاً لذلك يحمل أولئك الأشخاص الحمولة وينقلونها عبر الجبال والوديان إلى إيران.

وتبدأ الخطورة على حياة الحمالين عندما يتجاوزون بأحمالهم الثقيلة النقاط الحدودية تحت مراقبة القوات النظامية الايرانية الدائمة ولدى ملاحظتهم من قبل قوات الحرس الثوري الايراني “باسدران” سيفتحون عليهم وابلا من الرصاص.

ولا يواجه الحمالون أية مشكلات من قبل حرس الحدود التابعين لإقليم كردستان لان كافة البضائع التي يحملونها دخلت كردستان بشكل قانوني وخضعت للكمارك.

أوميد هو حمال كردي آخر قال حول المخاطر التي تتعرض لها حياته “نقطع خمسة كيلومترات سيرا في الليل وفي ظل خشية رصاص قوات باسدران الإيرانية ونوصل الأحمال الى الجانب الايراني من الحدود ونسلمها الى حمالين آخرين من المدن الإيرانية المتاخمة لحدود كردستان العراق والذين ينتظروننا هناك”.

ويقبض كل حمال مقابل نقل ثمانين كيلوغراما مبلغ (150) الف تومان إيراني اي حوالي (30) دولارا هذا ان لم يقتل أثناء نقل الأحمال.

ولا يعلم أوميد متى يأتي الدور عليه ليصبح في مرمى إطلاق النار اذ قتل أصدقاء مقربون له في الطريق نفسه.

وعند وصول مراسل “نقاش” الى مكان تواجد الحمالين كانوا منشغلين بجمع أحمالهم، معظمهم لم يكونوا مستعدين للحديث، بضعة أفراد منهم فقط أعربوا عن استعدادهم للحديث شريطة عدم نشر أسمائهم الحقيقية.

سربست هو الاسم المستعار لأحد الحمالين المقيم في مدينة بيرانشهر الإيرانية والذي يعمل يوميا كحمال في آخر نقطة حدودية في مناطق “كانيه خوا وشاخه روخاو” الإيرانية المتاخمة لآخر نقطة حدودية في مناطق “سوران وحاج عمران” في كردستان العراق.

وكشف عن إصابته برصاص قوات باسدارن قبل شهرين فيما لقي صديقه مصرعه، وذكر انه نقل للعلاج الى احد مستشفيات أربيل، ولكنه عاد الى ممارسة العمل نفسه لعدم توفر عمل غيره حسب قوله.

وتشكل الالغام المزروعة خلال الحرب العراقية الايرانية التي دامت ثماني سنوات، خطرا آخر على حياة الحمالين يضاف إلى رصاص قوات باسدران.

ويفيد تقرير لجمعية حقوق الإنسان الكردية وهي هيئة معارضة في كردستان إيران، بمقتل سبعة حمالين منذ بداية هذا العام وحتى شهر آب (اغسطس) على حدود مدينة ماكو بين العراق وايران بسبب انفجار الألغام كما أصيب 27 آخرين.

کوژران و بریندار بوونی چوار کۆڵبەری کورد بە دەستی هێزە چەکدارەکانی کۆماری ئیسلامی ئێران 

وقد كثر الحديث عن الحمالين في الآونة الأخيرة بسبب تشديد إيران لإجراءاتها على الحدود، الى ذلك شهدت مدن بانه وسنه ومريوان وسردشت في كردستان إيران تظاهرات واحتجاجات على مدى ايام دعما للحمالين.

وتحدث عبد السلام قادري وهو رجل ستيني يقيم في مدينة بانه في كردستان إيران وقد قتل ابنه الحمال واحد قادري في شهر تموز (يوليو) من هذا العام اثر إطلاق النار عليه من قبل قوات باسداران، تحدث في اتصال هاتفي وهو يجهش بالبكاء قائلا: “كان ابني يحمل على ظهره حملا يزن (80) كيلوغراما حين أطلقت عليه قوات باسداران وابلا من النيران واردته قتيلا”.

ياسين سعيدي (30 سنة) هو احد الحمالين الآخرين الذين تحدثوا لـ”نقاش”، وهو من اهالي مدينة مريوان الإيرانية ولكنه يعيش في اقليم كردستان بسبب عمله.

وبدأ ياسين مزاولة عمله هذا منذ ان كان عمره (12) سنة ولا يزال مستمرا على حد قوله، واضاف: “أبلغتني الأجهزة الأمنية الإيرانية بأنه يجب علي ترك الحمالة او مغادرة إيران، لذلك انتقلت للعيش في إقليم كردستان خوفا على حياتي”.

وتمثل المشروبات الكحولية احدى البضائع التي يصعب نقلها كونها ممنوعة في ايران نهائيا، ويقال انه صادف ان نقل الحمالون مواد مخدرة من ايران الى اقليم كردستان وان كان الحمالون ينفون ذلك بشكل قاطع.

وقال محمد فاضل المتحدث باسم مديرية الآسايش في ادارة رابرين في محافظة السليمانية لـ”نقاش”: “يتم ادخال المواد المخدرة من ايران الى كردستان عن طريق التجار ويجرب المتاجرون بهذه المواد كل السبل، لذلك لا نستبعد ان تتم تلك التعاملات عن طريق الحمالين او دس المواد المخدرة في البضائع التي يحملونها دون علمهم”.

ويقتصر العمل الرئيس للحمالين على نقل الأحمال إلى الجانب الإيراني ونقل بعض الحاجيات الصغيرة الى كردستان، ولكن من المتوقع ان تنعكس مهمتهم خلال الأسابيع القليلة القادمة.

هناك تهديدات جدية حول إمكانية غلق إيران حدودها بوجه كردستان بسبب الاستفتاء، واذا ما تحقق هذا الاحتمال فان ثقل تأمين البضائع لكردستان سيقع على عاتق الحمالين ولاسيما أن جزءا كبيرا من اسواق اقليم كردستان تملأ عن طريق إيران.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here