دعت مملكة البحرين رعاياها المقيمين في لبنان الى مغادرته فورا و»توخي الحذر»، كما دعت البحرينيين الى عدم السفر الى هذا البلد، بعد يوم من اعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض استقالته من منصبه.
وأوضحت وزارة الخارجية البحرينية في بيان الاحد ان دعوتها هذه جاءت «حرصاً على سلامتهم وتجنبا لأي مخاطر قد يتعرضون لها جراء (…) الظروف والتطورات» التي يمر بها لبنان.
ويثبت اعلان استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري المفاجئ من السعودية حدة الصراع المتنامي بين طهران والرياض، ويثير الخشية من تصاعد التوتر في الداخل اللبناني ومن مواجهة إقليمية على أراضي هذا البلد الصغير والهش. فيمااعتبر الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الاحد ان استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري المفاجئة «قرار سعودي أملي» عليه.
وقال نصرالله في خطاب نقلته وسائل الاعلام اللبنانية وخصص للحديث عن استقالة الحريري انه «استنتاج واضح وقطعي ان الاستقالة كانت قرارا سعوديا أملي على الرئيس الحريري واجبر عليه، والاستقالة لم تكن نيته او رغبته او قراره».
وكان في خطوة مفاجئة، أعلن الحريري في خطاب متلفز بثته قناة «العربية» السعودية السبت استقالته من منصبه الذي عين فيه بحكم تسوية سياسية بين الأفرقاء اللبنانيين، حاملاً على كل من إيران وحزب الله.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان لوكالة فرانس برس «هذا قرار خطير، وله تبعات أكبر من أن يتحملها لبنان».
وشهد لبنان منذ العام 2005 أزمات سياسية حادة ومتلاحقة خصوصاً بسبب الانقسام بين فريقي الحريري وحزب الله. وغالباً ما تفجر الاحتقان توترات أمنية تارة عبر اغتيالات وطورا عبر مواجهات مسلحة.
وأوضح خشان أن «الحريري بدأ الحرب الباردة اللبنانية، التي ممكن ان تتحول إلى حرب داخلية برغم أنه ليس هناك منافس لحزب الله على الصعيد العسكري في لبنان».
وفي تشرين الأول/نوفمبر 2016، كُلف الحريري، المولود في السعودية، رئاسة الحكومة بموجب تسوية سياسية أتت بحليف حزب الله الأبرز ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي.
ومنذ التسوية التي اوصلته إلى سدة رئاسة الوزراء وتشكيله الحكومة في أواخر 2016، شهد لبنان هدوءاً سياسياً نسبياً، وتراجعت حدة الخطاب السياسي اللاذع.
ومنذ أيام قليلة، زار الحريري السعودية مرتين والتقى مسؤولين بينهم ولي العهد محمد بن سلمان.
وبعد عودته من الزيارة الأولى، التقى الحريري في بيروت الجمعة مستشار المرشد الايراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي. وما هي إلا ساعات حتى توجه مجدداً إلى السعودية ليفاجأ الشارع اللبناني في اليوم التالي بإعلان استقالته.
وقال الحريري في خطاب الاستقالة أن إيران «تطاولت على سلطة الدولة وأنشأت دولة داخل الدولة (…) واصبح لها الكلمة العليا». واتهم حزب الله، المشارك في الحكومة، بـ»فرض أمر واقع بقوة سلاحه».
وردت وزارة الخارجية الإيرانية باعتبار الاستقالة بمثابة «سيناريو جديد لإثارة التوتر في لبنان والمنطقة».
- «معركة كسر عظم» -
وأتى خطاب الحريري وسط حالة من التوتر الشديد بين السعودية وإيران.
وتقول استاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف فاديا كيوان «الاستقالة توقيتها مفاجئ والمكان الذي أعلنت منه مفاجئ»، إلا أن القرار ليس مفاجئاً «لأن هناك جو مواجهة منذ فترة (…) وأحداثاً متلاحقة في المنطقة تظهر أن هناك منعطفاً مقبلاً».
وتضيف «هناك مواجهة كسر عظم بين السعودية وإيران» ستنعكس بالضرورة «مواجهة» بين الاطراف السياسية اللبنانية.
والحريري هو الوريث السياسي لوالده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري الذي قتل في تفجير استهدفه في العام 2005. واتهمت المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتياله خمسة عناصر من حزب الله بالتورط في العملية.
وخاض الحريري منذ دخوله معترك السياسة قبل 12 عاماً مواجهات سياسية عدة مع حزب الله، لكنه اضطر مراراً الى التنازل لهذا الخصم القوي، وربما الأقوى على الساحة اللبنانية سياسياً وعسكرياً.
وترى كيوان أن «وجود قوى سياسية لديها افكار متناقضة داخل الحكومة كان من شأنه أن يشل عملها، أو يفجر الوضع سياسياً»، محذرة أيضاً من فراغ سياسي «قاتل (…) كون حكومة تصريف أعمال تجعل البلد يهترئ على نار خفيفة».
ويتلقى حزب الله دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً من إيران، وهما يساندان النظام السوري في النزاع الجاري في هذا البلد. ورفض الحريري على الدوام مشاركة حزب الله عسكريا في النزاع في سوريا.
ولطالما كان الحريري حليفاً للرياض التي كانت تضخ أموالاً ومساعدات على نطاق واسع للبنان لدعم موقف حلفائها. وحصل فتور خلال الفترة الأخيرة بينها والحريري الذي أخذت عليه خضوعه لإرادة حزب الله.
ولكن خطاب الحريري من السعودية مؤشر على فتح فصل جديد من الحرب الباردة بين الرياض وطهران على الساحة اللبنانية.