صوت العراق

البحرينيون‭ ‬يتصدرون‭ ‬الخليجيين في‭ ‬المغادرة‭ ‬الفورية‭ ‬من‭ ‬لبنان

دعت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬رعاياها‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬الى‭ ‬مغادرته‭ ‬فورا‭ ‬و»توخي‭ ‬الحذر‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬دعت‭ ‬البحرينيين‭ ‬الى‭ ‬عدم‭ ‬السفر‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬اعلان‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬اللبناني‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬من‭ ‬الرياض‭ ‬استقالته‭ ‬من‭ ‬منصبه‭.‬

وأوضحت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬الاحد‭ ‬ان‭ ‬دعوتها‭ ‬هذه‭ ‬جاءت‭ ‬‮«‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬سلامتهم‭ ‬وتجنبا‭ ‬لأي‭ ‬مخاطر‭ ‬قد‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها‭ ‬جراء‭ (…) ‬الظروف‭ ‬والتطورات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬لبنان‭.‬

ويثبت‭ ‬اعلان‭ ‬استقالة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬المفاجئ‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬حدة‭ ‬الصراع‭ ‬المتنامي‭ ‬بين‭ ‬طهران‭ ‬والرياض،‭ ‬ويثير‭ ‬الخشية‭ ‬من‭ ‬تصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬اللبناني‭ ‬ومن‭ ‬مواجهة‭ ‬إقليمية‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الصغير‭ ‬والهش‭. ‬فيمااعتبر‭ ‬الامين‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬الاحد‭ ‬ان‭ ‬استقالة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬المفاجئة‭ ‬‮«‬قرار‭ ‬سعودي‭ ‬أملي‮»‬‭ ‬عليه‭.‬

وقال‭ ‬نصرالله‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬نقلته‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬اللبنانية‭ ‬وخصص‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬استقالة‭ ‬الحريري‭ ‬انه‭ ‬‮«‬استنتاج‭ ‬واضح‭ ‬وقطعي‭ ‬ان‭ ‬الاستقالة‭ ‬كانت‭ ‬قرارا‭ ‬سعوديا‭ ‬أملي‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الحريري‭ ‬واجبر‭ ‬عليه،‭ ‬والاستقالة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬نيته‭ ‬او‭ ‬رغبته‭ ‬او‭ ‬قراره‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬مفاجئة،‭ ‬أعلن‭ ‬الحريري‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬متلفز‭ ‬بثته‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬السعودية‭ ‬السبت‭ ‬استقالته‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬الذي‭ ‬عين‭ ‬فيه‭ ‬بحكم‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬الأفرقاء‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬حاملاً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭.‬

ويقول‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الاميركية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬هلال‭ ‬خشان‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬قرار‭ ‬خطير،‭ ‬وله‭ ‬تبعات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتحملها‭ ‬لبنان‮»‬‭.‬

وشهد‭ ‬لبنان‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2005‭ ‬أزمات‭ ‬سياسية‭ ‬حادة‭ ‬ومتلاحقة‭ ‬خصوصاً‭ ‬بسبب‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬فريقي‭ ‬الحريري‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تفجر‭ ‬الاحتقان‭ ‬توترات‭ ‬أمنية‭ ‬تارة‭ ‬عبر‭ ‬اغتيالات‭ ‬وطورا‭ ‬عبر‭ ‬مواجهات‭ ‬مسلحة‭.‬

وأوضح‭ ‬خشان‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحريري‭ ‬بدأ‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬التي‭ ‬ممكن‭ ‬ان‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬داخلية‭ ‬برغم‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬منافس‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬لبنان‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬نوفمبر‭ ‬2016،‭ ‬كُلف‭ ‬الحريري،‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬بموجب‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬أتت‭ ‬بحليف‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الأبرز‭ ‬ميشال‭ ‬عون‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬ونصف‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬الرئاسي‭.‬

ومنذ‭ ‬التسوية‭ ‬التي‭ ‬اوصلته‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬وتشكيله‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬2016،‭ ‬شهد‭ ‬لبنان‭ ‬هدوءاً‭ ‬سياسياً‭ ‬نسبياً،‭ ‬وتراجعت‭ ‬حدة‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬اللاذع‭.‬

ومنذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬زار‭ ‬الحريري‭ ‬السعودية‭ ‬مرتين‭ ‬والتقى‭ ‬مسؤولين‭ ‬بينهم‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭.‬

وبعد‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬الزيارة‭ ‬الأولى،‭ ‬التقى‭ ‬الحريري‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬الجمعة‭ ‬مستشار‭ ‬المرشد‭ ‬الايراني‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬علي‭ ‬أكبر‭ ‬ولايتي‭. ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬ساعات‭ ‬حتى‭ ‬توجه‭ ‬مجدداً‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬ليفاجأ‭ ‬الشارع‭ ‬اللبناني‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬بإعلان‭ ‬استقالته‭.‬

وقال‭ ‬الحريري‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الاستقالة‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬‮«‬تطاولت‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬وأنشأت‭ ‬دولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ (…) ‬واصبح‭ ‬لها‭ ‬الكلمة‭ ‬العليا‮»‬‭. ‬واتهم‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬المشارك‭ ‬في‭ ‬الحكومة،‭ ‬بـ»فرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬بقوة‭ ‬سلاحه‮»‬‭.‬

وردت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيرانية‭ ‬باعتبار‭ ‬الاستقالة‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬سيناريو‭ ‬جديد‭ ‬لإثارة‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والمنطقة‮»‬‭.‬

‭- ‬‮«‬معركة‭ ‬كسر‭ ‬عظم‮»‬‭ -‬

وأتى‭ ‬خطاب‭ ‬الحريري‭ ‬وسط‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬الشديد‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران‭.‬

وتقول‭ ‬استاذة‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬فاديا‭ ‬كيوان‭ ‬‮«‬الاستقالة‭ ‬توقيتها‭ ‬مفاجئ‭ ‬والمكان‭ ‬الذي‭ ‬أعلنت‭ ‬منه‭ ‬مفاجئ‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬ليس‭ ‬مفاجئاً‭ ‬‮«‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬جو‭ ‬مواجهة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ (…) ‬وأحداثاً‭ ‬متلاحقة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تظهر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬منعطفاً‭ ‬مقبلاً‮»‬‭.‬

وتضيف‭ ‬‮«‬هناك‭ ‬مواجهة‭ ‬كسر‭ ‬عظم‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران‮»‬‭ ‬ستنعكس‭ ‬بالضرورة‭ ‬‮«‬مواجهة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الاطراف‭ ‬السياسية‭ ‬اللبنانية‭.‬

والحريري‭ ‬هو‭ ‬الوريث‭ ‬السياسي‭ ‬لوالده‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الأسبق‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬استهدفه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2005‭. ‬واتهمت‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬المكلفة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬اغتياله‭ ‬خمسة‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬بالتورط‭ ‬في‭ ‬العملية‭.‬

وخاض‭ ‬الحريري‭ ‬منذ‭ ‬دخوله‭ ‬معترك‭ ‬السياسة‭ ‬قبل‭ ‬12‭ ‬عاماً‭ ‬مواجهات‭ ‬سياسية‭ ‬عدة‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬لكنه‭ ‬اضطر‭ ‬مراراً‭ ‬الى‭ ‬التنازل‭ ‬لهذا‭ ‬الخصم‭ ‬القوي،‭ ‬وربما‭ ‬الأقوى‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬سياسياً‭ ‬وعسكرياً‭.‬

وترى‭ ‬كيوان‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وجود‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭ ‬لديها‭ ‬افكار‭ ‬متناقضة‭ ‬داخل‭ ‬الحكومة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يشل‭ ‬عملها،‭ ‬أو‭ ‬يفجر‭ ‬الوضع‭ ‬سياسياً‮»‬،‭ ‬محذرة‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬سياسي‭ ‬‮«‬قاتل‭ (…) ‬كون‭ ‬حكومة‭ ‬تصريف‭ ‬أعمال‭ ‬تجعل‭ ‬البلد‭ ‬يهترئ‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬خفيفة‮»‬‭.‬

ويتلقى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬دعماً‭ ‬سياسياً‭ ‬وعسكرياً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬وهما‭ ‬يساندان‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭. ‬ورفض‭ ‬الحريري‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬مشاركة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬عسكريا‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

ولطالما‭ ‬كان‭ ‬الحريري‭ ‬حليفاً‭ ‬للرياض‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تضخ‭ ‬أموالاً‭ ‬ومساعدات‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬للبنان‭ ‬لدعم‭ ‬موقف‭ ‬حلفائها‭. ‬وحصل‭ ‬فتور‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بينها‭ ‬والحريري‭ ‬الذي‭ ‬أخذت‭ ‬عليه‭ ‬خضوعه‭ ‬لإرادة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭.‬

ولكن‭ ‬خطاب‭ ‬الحريري‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بين‭ ‬الرياض‭ ‬وطهران‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬اللبنانية‭.‬