سبل عرقنة العراق والحد من تفريسه أيها السيد تيلرسون

“أنتم عرب ولستم فرسا”، جملة ليست بعابرة خصوصا وأنها قيلت من وزير خارجية دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية بحق حكومة العراق، أو بالأحرى بحق الأحزاب الشيعية الحاكمة والمهيمنة على المشهد السياسي بالبلد. كونها الوحيدة التي لها ولاء كامل لإيران على حساب ” شعبها ووطنها”، وهذا لا يعني مطلقا أنّ ضلعي المحاصصة الآخرين ” السنّة والكورد” لهم ولاء تجاه قضايا شعبنا ووطننا ويعملان من أجل إسعاده وإستقراره.

جملة السيد “تيلرسون” هذه علينا الوقوف عندها مليّا، ليست كونها سرّا أفشاه السيد الوزير، بل كونها حقيقة يعرفها العالم بأكمله وشعبنا ولا تنكره الأحزاب الشيعية من خلال علاقاتها مع إيران والتي لا تخرج عن علاقة القائد بالجندي، وهذه ما أكّده ميليشياوي كـ ” ابو مهدي المهندس” حينما صرّح يوما من أنّ علاقته بـ “قاسم سليماني” هي كعلاقة الجندي بالقائد.

لم يقدّم بلدا المساعدة لإيران منذ نجاح ثورتها كما الولايات المتحدة الأمريكية، فإيران التي كانت بين فكي كماشة طالبان في أفغانستان والبعث في العراق. تحررّت من هذا الضغط لتحلق عاليا في سماء المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وإعلان الولايات المتحدة “حربها على الإرهاب” الذي توجته بتغيير نظامي طالبان والبعث في أفغانستان والعراق. ولكن التغيير الأهم والذي صبّ في مصلحة إيران كان بالعراق والذي تُوجّ بوصول الأحزاب الشيعية الموالية لها الى السلطة من خلال نظام محاصصة طائفية قومية. هذا التتويج جعل العراق حديقة خلفية لإيران وطريق معبّد لهلال شيعي يمتد الى سواحل المتوسط، ليؤمن مصالحها ونفوذها وليعزز من دورها الإقليمي وصولا الى الحدود الإسرائيلية عن طريق ” حزب الله” اللبناني.

التغيير بالعراق والحد من تفريسه أو سعودته او عثمنته، محكوم بطريقة حكم البلد والقوى التي تحكم البلد والقوى التي تريد تغيير أحوال البلد، مع الأخذ بنظر الإعتبار تأثير القوى الإقليمية والدولية وتشابك مصالحها على الضد من مصلحة شعبنا ووطننا طبعا. لذا فأن شكل التغيير “أي تغيير ” يعتمد بالدرجة الأولى على القوى السياسية بالداخل ومدى إستعدادها وأمكانياتها في إجراء تغيير سياسي جذري لإنقاذ البلد من أزماته الطاحنة.

من خلال تكريس نظام المحاصصة الطائفية القومية التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية كطريقة للحكم بالعراق، فأنّ الحياة السياسية بالبلد تحوّلت الى صراع طائفي أثني وليس صراع برامج سياسية بين أحزاب تتنافس لتقديم الأفضل للمواطن. هذا الصراع تحولّ بالنهاية الى معارك بالنيابة بين كتل ” سياسية” تمثل أجندة إقليمية ودولية، وهذه الكتل هي ” الشيعة والسنّة والكورد”. فيما أفرز الشارع العراقي حراكا جماهيريا أدى الى نشوء ” كتلة” تحت مسمى التيار المدني والتي تريد أن تغيّر نظام الحكم عن طريق إصلاحه! فهل الكتل هذه هي كتل وطنية، أي هل ولائها للعراق وشعبه؟ وما هي إمكانياتها بتغيير شكل الخارطة السياسية بالبلد إن كان من الممكن وصفها بقوى وطنية؟

لم تنكر أية كتلة من كتل البرلمان الثلاث من خلال سياساتها وعلاقاتها فيما بينها ولائها لأجندات خارجية ولم تخجل منه، ففي ذروة الحرب الطائفية سنوات 2006 – 2008 كانت طهران والرياض وأنقرة محطّات لساسة هذه الكتل بأحزابها المختلفة ولازالت. وفي تلك العواصم كانت تُرسَم سياسة البلد وتوجهاته المستقبلية، وفيها كان العراق وشعبه بضاعة للبيع. فالأحزاب السنّية فتحت أبواب المدن السنيّة الهوية أمام المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وبأوامر واضحة من الرياض وأنقرة والدوحة، والأحزاب الكوردية تركت كل العراق حيث عمقها الوطني لتتحصن في مناطقها ومحافظاتها وكأن إستقلال كوردستان كان قاب قوسين أو أدنى علاوة على رهانها الخاسر على الولايات المتحدة وغيرها من البلدان. أما الأحزاب الشيعية التي هي صاحبة اليد الطولى في رسم السياسة الداخلية والخارجية نتيجة نظام المحاصصة الذي منحها هذا ” الحق” لقصر نظر ساسة غريمتيها، فأنّها كانت تحل ” مشاكلها” ولا زالت في طهران التي أصبحت اليوم هي من تتحكم بالقرار السياسي وهذا ما أكّده الرئيس الإيراني مؤخرا.

أنّ الكتل الثلاث بهيمنتها على البرلمان وإستئثارها بالمال العام وفسادها وإرتباطها بالأجنبي لا تمتلك مفاتيح حل معضلات البلد، بل هي أساس المشاكل التي تعصف به. والقوى المدنية بضعف إمكانياتها وبالقوانين التي يسنّها برلمان المحاصصة للحد من نشاطها على فقره والتي ليس لها تأثير حقيقي فيه، غير قادرة على التغيير ولا الإصلاح ولا التأثير النوعي والكمّي في الجماهير. فجماهير شعبنا غائبة عن الوعي ومتخلفة وجاهلة وأمّية ولا تخرج للتظاهر والتغيير حتى عندما يتعلق الأمر بسرقة حياتها وليس وطنها فقط وهذا ما لا حظناه من صمتها وهي ترى البرلمان يشرّع بيع فتياته القاصرات، قد يبدو الإستنتاج هذا قاسيا ولكنه حقيقي ونعرفه جميعا.

إنّ الولايات المتحدّة الأمريكية هي المسؤولة الأولى عن جعل العراق ساحة مفتوحة لدولة ولي الفقيه، وهي المسؤولة عن جعلنا نتنفس هواءا فارسيا بعد أن دخل الإيرانيون حتّى من خلال مسامات أجسادنا. أنّ وزارة الداخلية العراقية والمسؤولة عن إستتباب الأمن بالبلد وزارة إيرانية أيها السيد تيلرسون، وجميع ملفاتنا الأمنية لديها نسخ في وزارة الداخلية الإيرانية. فوزير داخليتنا كان ميليشياوي في ميليشيا يديرها الإيرانيون ولازالوا، فهل من المنطق أن يفكّر مقاتل إيراني بالعراق وشعبه، وهل من الممكن أن يكون العراق عراقا وهو لا يمتلك مفاتيح أمنه!!؟؟

فصل الدين عن الدولة، الحد من تدخل رجال الدين بالشأن السياسي، إعادة كتابة الدستور، نبذ المحاصصة ، إعلان الحرب بلا هوادة على الفساد، إعادة الحياة للتعليم، إنهاء عسكرة المجتمع، والشروع ببناء دولة المواطنة، هي من سبل عرقنة العراق على الصعيد الداخلي والأمر هذا دونه خرط القتاد كما تقول العرب. أمّا على الصعيد الخارجي فإننا بحاجة الى قرارات دولية ملزمة ومن أعلى المستويات للضغط على حكومة بغداد للعمل على إستقرار البلد ومحاربة الفساد وحل الميليشيات، وتبقى مطالبة الساسة الشيعة في أن يكونوا عربا وليس فرسا حديث يضحك الثكلى كون حبل سرّتهم مع طهران لم يقطع بعد. أخيرا هل الوصاية على العراق لحين إعادة الحياة إليه بعد أن قتله الطائفيون هو الحل الأخير، لفساد حكامه وضعف معارضيهم؟ أنّه مجرد سؤال لاغير.

بالغد ستتكلم أرضنا اللغة الفارسية وليس شعبنا فقط.

زكي رضا
الدنمارك
3/11/2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here