طوزخورماتو لم تخرج من أهوال الحرب بعد

شالاو محمد

أبنية ومحال تجارية مدمرة ومحترقة، أزقة وطرقات مغلقة، مدينة شبه مهجورة، أعداد كبيرة من الرايات الخضر والحمر، كل هذا يشكل مشهد طوزخورماتو آخر ضحايا النزاعات.

دمّرت النزاعات المسلحة في العراق خلال الأعوام الثلاثة الماضية العديد من المدن والمناطق، ولكن تدمير طوزخورماتو ونزوح أهلها يختلف عن باقي المناطق، لان حدوثه جاء بسبب نزاع مسلح بين طرفين كانا يحاربان داعش في جبهة واحدة.

وشهد قضاء طوزخورماتو جنوبي كركوك اشتباكات بين البيشمركة والحشد الشعبي لأكثر من مرة، ويتعايش سكان المدينة من الكرد والعرب والتركمان من السنة والشيعة منذ سنين، إلا أن الخلافات الاخيرة بين القوى السياسية جرتهم هذه المرة الى الصراع.

عند ظهور بوادر المواجهة بين القوات العراقية والكردية في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، بدأت الشرارة الأولى من القضاء ليلة الرابع عشر من ذلك الشهر، وشهد القضاء معارك متقطعة على مدى يومين، ثم اخلت البيشمركة مواقعها ودخلت قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي القضاء ما أدى الى نزوح أعداد كبيرة من سكانها وإحراق ونهب العشرات من المنازل والمحال التجارية دون معرفة الفاعلين.

وقال كاوه حمه كريم هو احد سكان طوزخورماتو احرق منزله بعد فراره ويقيم الآن في قضاء كلار: “ادى تقصير المسؤولين الإداريين وعدم معالجة الوضع في طوزخورماتو من قبل الحكومة المركزية وحكومة الاقليم في عام 2009 بأهالي القضاء الى خوض الحرب او النزوح الى محافظات اقليم كردستان خوفا من التهديدات”.

ونزح كاوه مع المئات من العائلات الأخرى بعد أن تعرض بعضهم الى تهديد مباشر على حياتهم فيما فر البعض الآخر خوفا من ان يلقوا مصير مواطنيهم نفسه، وعن ذلك قال كاوه لـ”نقاش”: “عندما انسحبت القوات التابعة لوزارة البيشمركة في كردستان، بقي عناصر البيشمركة المتطوعون في المدينة فقط ونزح الأهالي إلى مدن كردستان من دون أن يأخذوا معهم شيئا”.

ويقع قضاء طوزخورماتو على بعد (74 كلم) جنوبي محافظة كركوك وقد تم استقطاعه ثم إلحاقه بمحافظة صلاح الدين في عام 1972 بقرار من الحكومة العراقية، وتفيد أرقام دائرة الإحصاء في محافظة صلاح الدين بان (180) ألف شخص يعيشون في القضاء غالبيتهم من المكونين الكردي والتركماني، ويعيش القضاء بعد معارك تشرين الاول (اكتوبر) في حالة من اللاحرب واللاسلم ولا يعلم الاهالي متى سيتمكنون من العودة الى ديارهم.

وقال شلال عبدول الذي أقيل بقرار من الحكومة العراقية من منصب القائممقام مع مسؤولين آخرين بعد اجراء الاستفتاء، قال لـ”نقاش”: “لقد تم تدمير طوزخورماتو، ليس هناك في المدينة سوى آثار الحرب في حين كان التعايش بين سكان طوزخورماتو يشغل جميع العراقيين ومواطني كردستان لسنوات، نحن نعمل على اعادة طوزخورماتو بعيدا عن الحرب لان الجميع أصبحوا ضحايا ولاسيما الكرد”.

وأضاف قائممقام طوزخورماتو الذي لم تسمح له القوات العراقية حتى السبت الماضي بالعودة الى مزاولة عمله: انه يشترط وجود قوات كردية للعودة الى المدينة ويقترح قوات تابعة لرئاسة الجمهورية الاتحادية لانها ستكون محايدة في التعامل مع الجميع.

ويفيد إحصاء غير رسمي حصلت عليه “نقاش” من مصدر كردي في إدارة قضاء طوزخورماتو بان (225) منزلا للمواطنين و(150) محلا تجاريا و(53) منزلا لمسؤولين كبار في البيشمركة والشرطة والمدراء الكرد في إدارة القضاء في أحياء كوماري والعسكري وبرايتي وجميلة أحرقت او فجرت بعد نهب محتوياتها فضلا عن نزوح أكثر من (50) ألف شخص.

أحداث طوزخورماتو دفعت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى رفع صوتها وتحدثت في عدة بيانات عن حالات القتل والنزوح وحرق المنازل والممتلكات ونهبها.

وتتهم التقارير الدولية القوات المسلحة بارتكاب تلك الأعمال دون ذكر أسمائها، إلا أن الجانب الكردي يوجه أصابع الاتهام صراحة الى الحشد الشعبي الذي ينفي ذلك بدوره.

السيد علي الهاشمي المتحدث باسم قيادة قوات الحشد الشعبي في طوزخورماتو قال لـ”نقاش” ان “الإحصاءات التي يتم ذكرها ليست رسمية ولم يجر حتى الآن متابعة أضرار معارك شهر تشرين الاول (اكتوبر) من هذا العام، ورغم ذلك نحن ننفي قيام قواتنا بحرق المنازل او تفجيرها بل إنها دمرت بسبب المواجهات”.

الهاشمي قال أيضاً “كان لدينا (18) اسيرا من البيشمركة سلمناهم الى المسؤول الأول للاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك بعد يومين من أحداث السادس عشر من أكتوبر دون أن يتعرضوا لأذى، اذا كان هدفنا التدمير فلم نقوم بخطوة كهذه، لذلك يجب على القيادة الكردية ان لا تستمع الى الذين لا يخدمون مصلحة القضاء”.

وبالرغم من الاستعدادات تجري الان بالتنسيق بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحشد الشعبي من اجل تطبيع الاوضاع في طوزخورماتو تمهيدا لعودة المواطنين ومزاولة أعمالهم، الا ان المواطنين وبعض المسؤولين الحزبيين في المدينة فقدوا الأمل في تحقيق اتفاق يفضي الى نتائج قريبا لاسيما وأنها ليست المرة الاولى التي تحدث فيها نزاعات مسلحة في القضاء.

فخلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2015 حدثت معارك متقطعة بين البيشمركة وفصائل تركمانية من الحشد الشعبي على مدى (17) يوما قتل فيها (21) شخصا واصيب (135) آخرين، حينها اجتمع وفد من عصائب أهل الحق والمكتب السياسي للاتحاد الوطني في السليمانية من اجل اعلان وقف اطلاق النار لتهدئة الوضع الامني في المدينة، وقف إطلاق النار استمر ستة أشهر فقط وفي بداية حزيران (يونيو) من عام 2016 بدأت الاشتباكات من جديد بين البيشمركة ومسلحي الحشد التركماني واستمرت أربعة أيام قبل أن تتوقف من دون اتفاق.

النقيب كوران كوهر قائد قوات متطوعي البيشمركة قال لـ”نقاش”: “ما قام به مسلحو الحشد الشعبي والتركماني ضد طوزخورماتو كان لابد ان تذكره المنظمات الدولية كالابادة في حملات الانفال والقصف الكيمياوي وليس أن تتعرض المدينة للابادة الجماعية دون ان يكترث احد”.

واضاف: “لم نعد نؤمن بالاتفاقات بين المسؤولين الكرد والحشد الشعبي ولاسيما بعد خرق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه عام 2015 لذلك سنستمر في النضال والاستعداد لتحديد خطة لإعادة الامن للمدينة اذ لا يمكننا ان نقبل بنزوح مواطنينا الى محافظات ومدن إقليم كردستان فيما يتم نهب وحرق منازلهم ومحلاتهم من قبل القوات المسلحة”.

النقيب كوران يقيم الآن خارج القضاء وهو احد الذين تم تفجير منازلهم ويقول حول ذلك: “ابلغني أهالي طوزخورماتو انه تم تفجير منزلي من قبل مسلحي الحشد الشعبي عن طريق مادة الـ(تي ان تي)”.

وكما يعاني المواطنون الكرد الآن من طردهم من المدينة وحرق منازلهم وممتلكاتهم كان بعض السكان من التركمان يشتكون في السابق من معاناتهم بسبب القوات الكردية لذلك هناك من يفسر ما يحدث على انه عملية انتقام.

الاتحاد الوطني الكردستاني كقوة متنفذة في المنطقة ناشد المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني التدخل من اجل تهدئة الأوضاع في طوزخورماتو.

وقالت آلا طالباني القيادية في الاتحاد وممثل كركوك في البرلمان العراقي لـ”نقاش”: لقد “طالبنا بتدخل المرجع الديني الاعلى للشيعة في العراق من اجل تهدئة الأوضاع في طوزخورماتو لان النازحين ومن بقوا في المدينة يعيشون حياة صعبة ولا يمكن ان يستمر الوضع على ما هو عليه”.

والى ان يتم معالجة الوضع لابد لأهالي طوزخورماتو النازحين ان يبقوا في مدن وبلدات اقليم كردستان، فهم يتطلعون الى العودة ولكنهم يخشون من ان يكون الصراع السياسي قد شوه مدينتهم بحيث لا يمكنهم العيش مع جيرانهم القدماء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here