فلاديمير يعلن عصيانه على صموئيل بيكيت : قصة قصيرة

فلاديمير يعلن عصيانه على صموئيل بيكيت : قصة قصيرة

فجأة وجدت نفسي في صحبة فلاديمير و صموئيل بيكيت في أرض قاحلة ومقفرة و مهجورة تماما و خالية حتى من دبيب حشرات ، يلفهما صمت سميك أشبه بتأمل عميق لتمثال عتيق ومتشقق تجسد إلهة بدائية ما ..
ربما كان مسرحا أو شيئا من هذا القبيل تلك الأرض المقفرة ..
مزدانة بامتدادات من تشققات و رمال و هضاب ورياح صافرة ..
ثمة شجرة مقطوعة الرأس يحط عليه متأرجحا غراب محنط لا يني ينعق طوال الوقت ..
و فجأة نطّ فلاديمير من مكانه و بحركة حاسمة وهو يقول بنبرة قاطعة ولكن بمرارة شديدة موجها كلامه لصموئيل بيكيت :
ــ خلاص يا بيكيت ! .. أنا لم أعد أتحمل هذا الانتظار المقيت .. حيث الوقت يستحيل إلى سلحفاة متحجر في خطوه المشلول .. سوف لن انتظر غودو بعد الآن .. فهذا الأنتظار أخذ ينهشني من الداخل مؤججا لاسعا أعصابي بشكل فظيع ..و بالتالي فلا يهمني قطعا أن جاء غودو أو لم .. ليذهب إلى الجحيم في نهاية المطاف .. فها أنا خارج إلى رصيف الحياة العريض حيث ستكون في انتظاري أنغام جاز مع أضواء خافتة و فتيات جميلات و تآلقات كؤوس نبيذ قرمزي معتق ونداء محيط وامتداد غابة وشمس غروب و أحلام بهيجة .. فضلا عن كتبي الكثيرة في انتظاري ..
مطّ بيكيت شفتيه بازدراء تعبيرا عن لامبالاته ثم قال بدمدمة مبهمة :
ــ يالها من رغبات مبتذلة ورخيصة تخص عامة الناس عادة !.. أما أنت !.. فعلى أية حال أنت حر في أن تفعل ما تشاء يا فلاديمير .. ولكن عليك أن تدرك بأن غودو ليس الوقت المتجسد انتظارا فقط إنما هو ظلك المرافق أيضا ، حيث يرافقك أينما حللتَ و ارتحلتَ ! .. فهذا قدرك و قدري و قدر غيرنا أيضا .. فليس في اليد من مهرب أو حيلة ..
ولكن فلاديمير كان قد غاب عن الأنظار حتى دون أن يستمع لبيكيت نهاية جملته الاعتراضية ..
نهضتُ أنا بدوري لالتحق بفلاديمير وقد عجبتني فكرته وخططه المستقبلية والغامضة ، ولكنني لم استطع الحركة ، إذ كنت شبه مشلول ، وعندما أردت طلب العون من بيكيت هز كتفيه رافضا تقديم أي عون لي وهو يقول :
ــ كل واحد منا مسئول عن مصيره وعليه بالتالي تحمل مسئولية خيارات و تبعات ذلك المصير..
وعندما حاولت النهوض مجددا تيقنتُ بأنني أصبحتُ أشبه بخشبة عتيقة لا حول لي ولا قوة ..
و ربما كنتُ أنا تلك الشجرة مقطوعة الرأس يحط فوقي ذلك الغراب المحنط و المتأرجح على الدوام بفعل رياح الجنوب العاصفة ..
و فجأة و بينما أنا أضطرب في وسط عجزي ومرارتي و قهرتي الساحق ، فتحت عيني ملتفتا يمينا و يسارا فبدا لي إن كل شيء قد اختفى فجأة .
دون أن أعلم ماذا حل بفلادمير و بيكيت وهما ينحدران غائصين في ظلال كثيفة من عتمة و ضباب أسود . وفيما إذا حسما أمرهما ولن يرجعا ..
فكان ظلي العريض والطويل وحده يملأ المسرح كشجرة سراب وحيدة في وسط صحراء شاسعة الأطراف ..
هل كنت غافيا أم حالما أم يقظا مشوشا في ذلك المسرح المهجور أو مايشبه ذلك ، أم ذلك كله دفعة واحدة ؟.
أنا الذي غالبا ما أنتظر نفسي فقط بدلا عن غودو أو غيره .
إذن .. قلتُ مع نفسي بأسى :
ـــ فحتى بيكيت نفسه قد اختفى أو غادر مستاء من عصيان فلاديمير و كأنه من عامة الناس ؟..

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here