قانون يبيح زواج القاصرات يثير غضب العراقيين

مصطفى حبيب

«انتكاسة للمرأة العراقية» عنوان بارز استحوذ على الأوساط السياسية والشعبية في العراق بعدما قرر البرلمان تعديل قانون الأحوال الشخصية، ليضاف إلى تراجع المرأة في المشاركة السياسية على مدى السنوات العشرة الماضية.

أثار تصويت البرلمان العراقي على قرار بتعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد في 30 كانون الأول (أكتوبر) الماضي موجة غضب عارمة بين العراقيين الذين يفتخرون بهذا القانون أمام جميع الدول العربية باعتباره الأفضل لمنحه المرأة حقوقا كثيرة في قضايا الزواج والميراث وحضانة الأولاد.

صدر أول قانون للأحوال الشخصية المدني في العراق العام 1959 ويحمل الرقم 188، ومازال نافذا حتى اليوم ويستند الى أحكام مأخوذة من تشريعات دينية وقوانين مدنية، مازجا بين المذاهب والأديان دون تحيز.

وبعد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين أصدر مجلس الحكم الذي تولى جانبا من إدارة العراق بعد دخول القوات الأميركية البلاد القرار رقم (137) والذي يقضي بإلغاء هذا القانون ويعيد العمل بالقضاء المذهبي، إلا أن القرار ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في عام 2004 بعد تظاهرات حاشدة طالبت بذلك.

ولكن الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية حاولت عشرات المرات لاحقا إلغاء القانون وفشلت جميعها بسبب ضغط منظمات المجتمع المدني عبر تظاهرات شعبية واسعة، وهذه المرة يبدو أنها نجحت في الخطوة الاولى لإلغاء القانون ولكن تعديله قد يستغرق أشهراً طويلة.

وتقول النائب عن “التيار المدني” شروق العبايجي لـ “نقاش” ان “رغبة الاحزاب الاسلامية في تعديل القانون يتضمن مخالفات دستورية وقانونية خطيرة، اذ ان تعديل قانون الأحوال الشخصية الوارد في الدستور هو ضمن البنود التي اتفقت الكتل السياسية عليها منذ سنوات، وينبغي حسم التعديلات قبل تشريع القانون الجديد”.

وتنص المادة (41) من الدستور على ان “العراقيين احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”، ولكن عندما قررت الكتل السياسية عام 2005 تعديل الدستور كانت هذه المادة احد التعديلات التي يفترض على البرلمان حسمها الى جانب قضايا خلافية كبيرة بينها طريقة ادارة محافظة كركوك وتوزيع النفط والسلطة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات.

العبايجي تشير الى مخالفة قانونية اخرى وهي ان “القانون الجديد المقترح يحيل قضايا الزواج والطلاق والحضانة والميراث الى هيئة الاوقاف الدينية التابعة الى الحكومة وليس الى المحاكم المدنية التابعة الى القضاء وهو يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات اضافة الى مبادئ حقوق الانسان والقوانين الدولية المعنية بحماية حقوق المرأة، اذ أن تنظيم مثل هذه القضايا يجب ان يكون من صلاحية المحاكم وليس السلطة التنفيذية عبر دوائر الاوقاف الدينية السنية والشيعية وباقي الأديان”.

في مقارنة بسيطة فان القانون الساري المفعول الذي أُقر في زمن أول رئيس للنظام الجمهوري في البلاد عبد الكريم قاسم، يمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات إلا بشروط معينة، ويمنح الأم الحق في حضانة صغارها، ويعطي الحق للزوجة بأخذ إرث زوجها في حال الوفاة على عكس بعض الآراء الفقهية الدينية التي لا تورث الزوجة في العقارات والأراضي وتميل إلى منح الحضانة للأب.

ولكن ابرز الفقرات استفزازا واثارت غضب المجتمع المدني في العراق تلك المتعلقة بالسن القانوني للزواج، فالقانون المدني يشترط بلوغ الزوجين سن الرشد (18 عاما)، بينما هناك مذاهب إسلامية تعتبر سن البلوغ 9 سنوات، وبعضها 12 سنة، وهو ما يثير مخاوف من تنامي ظاهرة زواج النساء القاصرات.

عضو لجنة المرأة والأسرة في البرلمان النائبة ريزان شيخ دلير، تعتبر تعديل قانون الاحوال الشخصية انتكاسة لحقوق المرأة في العراق”، وتقول لـ “نقاش” إن “مقترح القانون الجديد يشجع على زواج النساء القاصرات ويذكرنا بتصرفات تنظيم داعش مع الفتيات عندما أجبر صغيرات السن على الزواج من عناصره أثناء وجوده في الموصل والرقة”.

العشرات من منظمات المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق المرأة يحشدون أصواتهم منذ ايام لمنع اقرار القانون الجديد، وأطلق عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #لا_لزواج_القاصرات، وانشات صفحات عديدة على فيسبوك للوقوف بوجه القانون الذي يعتبرونه جائرا بحق المرأة.

الكثير من العراقيين يتحدثون هذه الايام عن تراجع دور المرأة في المجتمع والسياسة، اذ ان الحروب والمعارك والازمات على مدى السنوات العشر الماضية اثرت سلبا على المشاركة السياسية للنساء في الحكومة والبرلمان والمؤسسات الرسمية، وفقا للناشطة المدنية هناء ادور رئيسة جمعية “الامل”.

تقول ادور لـ “نقاش” إن “مساعي الأحزاب الاسلامية لتشريع قانون جديد للأحوال الشخصية تأتي بالتزامن مع تراجع دور المرأة في الحياة السياسية، اذ كانت هناك نساء في مناصب حكومية واسعة عام 2004 ولكنها تقلصت بشكل مخيف بعد عشر سنوات، وهو مؤشر خطير الى تكرس المجتمع الذكوري في البلاد”.

ومثلا فان نسبة النساء في وزارات المالية والتربية والصحة كانت قبل سنوات اكثر من خمسين في المئة من اعداد كوادرها، ولكن هذه النسبة تراجعت كثيرا، كما ان البرلمان رفض التصويت على مجلس الخدمة الاتحادي قبل ثلاثة اشهر لان رئيس المجلس والنائب هم نساء مستقلات لا ينتمين الى الأحزاب، ويرفض النواب تشريع قانون مكافحة العنف الاسري منذ سنوات، كما تقول ادور.

في اول حكومة عراقية تشكلت بعد سقوط نظام صدام حسين، وكانت برئاسة اياد علاوي العام 2004 كان عدد الوزيرات النساء ستة، وانخفض العدد الى اربعة في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي عام 2006، وانخفض العدد الى وزيرة واحدة في الولاية الثانية للمالكي عام 2010 ، اما في الحكومة الحالية فهناك وزيرتان هما عديلة حمود وزيرة الصحة، وآن نافع أوسي وزيرة الإسكان والاعمار.

اما على مستوى المناصب العليا تسنمت ثمان نساء منصب نائب وزير عام 2005، وتراجع العدد عام 2013 الى امرأة واحدة، وهناك اليوم سفيرتان فقط من النساء هما صفية السهيل السفيرة في الأردن، وآمال موسى السفيرة في دولة عُمان.

الشهر الماضي اختار البرلمان أعضاء مجلس مفوضية الانتخابات الجديد للبلاد المكون من تسعة أشخاص، وللمرة الاولى لم يضم المجلس أي امرأة، ففي أول مجلس مفوضية انتخابات تأسس عام 2005 كانت هناك امرأتان، وفي مفوضية عام 2009 كان هناك امرأة واحدة.

الناشطة المدنية ادور تقول ان هذه الأرقام تمثل ناقوس خطر لدور المرأة في المجتمع العراقي، اذ يستحوذ الرجال على المناصب ويرفضون القوانين التي تدعم النساء، وتضيف “لولا وجود مادة دستورية تفرض على ان تكون نسبة النساء في البرلمان ومجالس المحافظات 25 في المئة لكانت هناك كارثة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here