العراق والموقف الحضاري من المبادئ والقيم الإنسانية! (الحلقة الخامسة والأخيرة) الحكم السياسي الطائفي ينتهك الدستور وحقوق الإنسان بتستره على المستبدين والفاسدين

العراق والموقف الحضاري من المبادئ والقيم الإنسانية!
(الحلقة الخامسة والأخيرة)
الحكم السياسي الطائفي ينتهك الدستور وحقوق الإنسان بتستره على المستبدين والفاسدين
ليس هناك ما يدل على قيام حكومة حيدر العبادي باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخراج ملفات التحقيق النيابية وغيرها، رغم قصورها، لمحاسبة ومحاكمة كل المسؤولين عما حصل بالموصل وبقية مناطق محافظة نينوى وكذلك بالفلوجة وعموم الأنبار وصلاح الدين، وعن تلويث سمعة وضرب مظاهرات 2011 ببغداد وغيرها من المدن العراقية واغتيال صحفيين وكتاب ونشطاء مدنيين ديمقراطيين، كما في حالة المغدور هادي مهدي والمستشار في وزارة الثقافة العراقية كامل شياع عبد الله، بغض النظر عن مواقع المتسببين في تلك الجرائم البشعة، جريمة اجتياح الموصل ومن ثم سنجار، وما أعقبهما من أحداث وجرائم جسام وصلت إلى حد الإبادة الجماعية بحق سكانها الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان، ومن ثم ما حصل من فتك وإذلال لكرامة أبناء الموصل الآخرين من السنة. لم يتخذ رئيس الوزراء، الذي ينتمي لحزب الدعوة و”التحالف الوطني للبيت الشيعي!” أي إجراء لمحاسبة رئيس حزبه، الذي كان رئيساً للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والمسؤول الأول عن اتخاذ قرار الانسحاب بهزيمة منكرة ودون أية مقاومة أمام عصابات داعش المجرمة، التي لم يتجاوز عدد أفرادها الـ 800 شخصاً في مواجهة عشرات الألوف من الجنود وضباط الصف والضباط والقادة العسكريين الكبار وأجهزة الأمن والشرطة، إضافة إلى تسليم المعسكرات وما فيها من أحدث الأسلحة والعتاد والأموال ودوائر الدولة ومؤسساتها إلى تلك العصابات. وبهذا، فهو لا يمتلك الحصانة لمحاسبة الآخرين أياً كانوا عرباً أم كرداً عن مسؤوليتهم في ذلك بسبب عدم محاسبته المسؤول الأول عن كل ما حصل بالعراق. وهكذا كان دور المدعي العام العراقي ورئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي حيث تسري عليهما مقولتنا نحن حين كنا أطفالاً نردد ” صاموت لاموت اليحچي يموت على التختة والتابوت”. إنها المأساة بعينها، إضافة على كونها مهزلة فعلية!
الجرائم التي ارتكبت بالموصل لا يمكن تجاوزها كما تجاوزتها حتى الآن الحكومة العراقية والقضاء والادعاء العراقيين، فلم يهرب الجيش العراقي فحسب، بل وهربت قوات الپيشمرگة من سنجار وزمار وغيرها، إذ لا يمكن أن يكون ذلك دون قرار من أعلى المستويات الكردستانية ايضاً. وهذا ما نشرناه في أكثر من مقال سابق وفي وقتها. لقد تمت مطاردة المسيحيين وتهجيرهم بالقوة وسلب أموالهم وما يملكون وقتل جمهرة منهم بالموصل، ثم تم اجتياح سنجار ومطاردة سكانها الإيزيديين وقتل الكثير من الرجال وسبي الآلاف من النساء والأطفال وقتل جمهرة منهم وتحويلهم إلى بضاعة بشرية في سوق النخاسة الإسلامي وفرضت عليهم عمليات اغتصاب لأخواتنا الإيزيديات، بمن فيهم الصبايا غير البالغات سن الرشد، والعمل على تحويل الأطفال الذكور إلى قتلة على أيدي الداعشيين، كما تمت مطاردة الشبك بالموصل وفي مناطق تواجدهم، وكذلك التركمان في تلعفر وقتل الكثير منهم وسلبت أموالهم وممتلكاتهم، ثم قتل في معسكر سپايكر، على وفق تصريحات داعش، 1700 جندي متدرب، وأشارت مفوضية حقوق الإنسان العراقية إلى أن هناك 1095 جندياً مفقوداً! (راجع: العراق.. 1095 جندياً ما زالوا مفقودين منذ “مجزرة سبايكر” على ايدي “داعش”، CNN بالعربي في 18 أيلول/سبتمبر 2014). إن الذين تسببوا في حصول هذه الجرائم البشعة لا يجوز ولا يمكن أن يفلتوا من العقاب أياً كانت القوى أو الدولة التي تقف خلفهم وتساندهم وتمنع مثولهم أمام القضاء العراقي حتى الآن أو في المستقبل، فالشعب يمهل ولا يهمل!! لقد اُنتهكت حقوق الإنسان وحقوق المواطنة وكل ما يمت إلى الكرامة الإنسانية بصلة في هذا الاجتياح المريع والاحتلال التدميري، حيث لم يخسر العراق البشر والأموال والكرامة فحسب، بل خسر تراث حضارته العريقة، تراث البشرية جمعاء بالموصل وعموم نينوى، إضافة إلى دور العبادة من كنائس وأديرة تاريخية ومساجد ودور عبادة للإيزيديين والشبك والتركمان ومكتبات زاخرة بالكتب التي أحرقت أو هربت لقيمتها التاريخية العالية وما تجلبه للمجرمين من أموال.
لقد مزق نوري المالكي ورهطه أثناء وجوده في السلطة لمدة تزيد عن ثماني سنوات عجاف وحدة المجتمع العراقي. فبسبب سلوكه الطائفي الجامح نتج عنه المزيد من انعدام الثقة بين الشيعة والسنة وعاش المجتمع معارك الفلوجة وعموم الأنبار وصلاح الدين وسقوط شهداء وجرحى واعتقالات بالجملة. ثم تدهورت العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بسبب ضعف مواد الدستور وعدم قيام الحكومة بسن القوانين الضرورية التي تنظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، إضافة إلى عدم تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بكركوك وبقية المناطق المتنازع عليها طيلة الفترة المنصرمة، رغم تأكيد الدستور على إنجاز هذه المهمة الدستورية حتى نهاية عام 2007. وإذ برزت محاولات جادة لتشديد المركزية في الحكم، برزت محاولات أكثر وضوحاً في ممارسة صلاحيات أكثر مما أقرها الدستور العراقي وبشكل خاص في مجال الاتفاقيات النفطية التي عقدها الإقليم مع الخارج، والتي هي من صلاحيات الحكومة الاتحادية على وفق الدستور الذي اعتبر النفط ملكاً لكل الشعب العراقي وليس لإقليم بذاته، كما هو حال نفط الجنوب. ورغم التغيير الذي حصل في رأس الحكومة الاتحادية، فأن العلاقات بين الحكومتين لم تتحسن، رغم مشاركتهما في محاربة داعش وتحقيقهما نجاحات وانتصارات مهمة. وقد عمدت رئاسة وحكومة الإقليم إلى اعتبار المناطق المتنازع عليها، والتي حررتها قوات الپيشمرگة، جزءاً من إقليم كردستان، في حين إنها تشكل جزءاً من المناطق المتنازع عليها والتي تعود إدارتها للحكومة الاتحادية. مما عمق الخلاف بين الحكومتين. ولا بد هنا من الإشارة إلى الكثير من أصدقاء الشعب الكردي، وأنا منهم، قد أكدوا، في أكثر من مناسبة ولقاء مع المسؤولين الكرد وفي مقالات عديدة، أربع مسائل جوهرية هي:
أولاً: إن اتفاقيات النفط التي تعقدها حكومة الإقليم في غير مصلحة الشعب العراقي عموماً وشعب كردستان خصوصاً، وإنها من صلاحيات الحكومة الاتحادية، وأن خسائر كبيرة تلحق بالاقتصاد العراقي كله من خلال تلك الاتفاقيات، لأنها ذات طابع سياسي، رغم إن الاتفاقيات النفطية للحكومة الاتحادية هي الأخرى ليست جيدة، إلا إنها أفضل من تلك التي عقدتها حكومة الإقليم، وإن الشركات الأجنبية تكسب أرباحاً من اتفاقيات كردستان النفطية أضعاف ما تكسبه من اتفاقيات الجولات النفطية لحسين الشهرستاني. وهذا عين ما قلته نصاً للسيد مسعود البارزاني، رئيس الإقليم حينذاك.
ثانياً: إن اعتبار المناطق المتنازع عليها ضمن جغرافية إقليم كردستان قرار غير صحيح من جانب رئيس وحكومة إقليم كردستان، إذ سيولد مشاكل إضافية بين الحكومتين لا مبرر لها، ولا بد من معالجة ذلك على وفق المادة 140 من الدستور. وهذا ما ذكرته في أكثر من مقال ومنها مقالي الموسوم “ما الموقف المطلوب من مشكلات المناطق المتنازع عليها بالعراق؟” الذي نشر على موقع الحوار المتمدن في العدد 5236 بتاريخ 23/8/2016، وكذلك نشر في مواقع صوت العراق والناس ومركز النور وغيرها).
ثالثاً: إن تأكيد القيادات الكردية على التحالف بين الشيعة والكرد، وهنا المقصود الأحزاب الشيعية والأحزاب الكردستانية، هو في غير صالح العراق وشعبه، لأنه يستبعد السنة أولاً، وهم جزء أساس من سكان العراق، إضافة إلى استبعاد بقية القوميات بالبلاد، ولأنها في ذلك تبتعد عن حليفها الطبيعي، وأعني به القوى الديمقراطية والتقدمية العراقية، التي ينتسب إليها من كل القوميات وأتباع الديانات والمذاهب، والتي كانت سنداً دائماً لنضال الشعب الكردي من أجل حقوقه العادلة والمشروعة. إذ أن عواقب التحالف “الكردي الشيعي!” ستكون له عواقب سلبية على الكرد. وهذا ما قلته بالنص للسيد رئيس إقليم كردستان في العام 2012 وكتبته في أكثر من مقال منشور في موقع الحوار المتمدن وجريدة العالم العراقية وصوت العراق والناس والنور وغيرها من المواقع. واليوم تشن الأحزاب الشيعية وميليشياتها بشكل خاص العداء الشديد للكرد وضد إقليم كردستان بتوجيه من إيران ومن ينسق معها، مثل حزب الله العراقي وبدر وعصائب الحق، على سبيل المثال لا الحصر.
رابعاً: إن وقوف التحالف الكردستاني، ومن وراءه الأحزاب الكردية الأعضاء في التحالف الكردستاني، إلى جانب القوانين الرجعية والسيئة التي كانت تقدم إلى البرلمان ويوافق عليها التحالف الكردستاني ليست في مصلحة شعب العراق كله، بما فيه شعب إقليم كردستان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قانون الانتخابات والأخذ بطريقة سانت ليغو 1,9 أو 1,7 السيء الصيت والمسيء لأصوات الناخبين وحقوقهم المشروعة، أو قانون الصحافة والصحفيين، أو قانون تشكيل مفوضية الانتخابات على أساس طائفي وأثني.
ومن المؤسف القول بأن لم تكن هناك أذاناً صاغية لما كنا نقوله. وأخيراً وبسبب تدهور العلاقة وعدم وضع حلول عملية للمشكلات القائمة، انبرى رئيس الإقليم بمقترح إجراء استفتاء بمحافظات الإقليم، ومعها المناطق المتنازع عليها! وقد وجهت لي الدعوة، مع مجموعة من العرب من أصدقاء الشعب الكردي من العراق ودول عربية، لمناقشة هذا الموضوع بالسليمانية. وقد أكد الحضور العربي الديمقراطي، وأنا منهم، على عدة مسائل جوهرية يمكن أن تقود إلى عواقب وخيمة أشير إليها باختصار:
** ليس لدى الدول الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ولا الدول الأخرى أي نية في إجراء أي تغيير حقيقي في الخارطة الجغرافية لدول الشرق الأوسط، وبالتالي فهي ضد هذا الإجراء وقد أعلنت موقفها بصراحة تامة، سواء بطلب إلغاء الاستفتاء أم تأجيله، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا الاتحادية والصين، وهي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى المانيا وإيطاليا واسبانيا وغيرها فيما عدا إسرائيل، التي كانت تعرف جيداً عواقب مثل هذا الاستفتاء! والتي حصلت فعلاً، والتي لم تكن بسياسات حكوماتها يوماً صديقاً للشعب الكردي!
** لقد وافقت الأحزاب الكردية المشاركة في وضع الدستور وإقراره وقبل طرحه للاستفتاء في العام 2005 على عدم النص على حق تقرير المصير، رغم إن البعض قد حذر الكرد من مغبة وعواقب غياب هذا النص لمستقبل الشعب الكردي، ومنهم النائب ضياء الشكرچي حينذاك، الذی کان في حينها عضواٌ في لجنة وضع الدستور عام 2005 ممثلاً عن حزب الدعوة الإسلامية، الذي تخلى عن هذا الحزب والوجهة الإسلامية لاحقاً. وقد وُضع نص يؤكد وحدة العراق كما جاء في المادة الأولى من الدستور التي تنص على “جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”، وفي المادة 109 التي تنص على ما يلي: ” تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي”، والذي صدر في حينها قرار المحكمة الاتحادية بعدم صواب الاستفتاء، ثم صدر الآن قرار من المحكمة بهذا الخصوص وبعدم الحق في انفصال أي إقليم من العراق عن الدولة العراقية على وفق هاتين المادتين. ومن الناحية المبدئية هذا لا يعني عدم امتلاك الشعب الكردي الحق المطلق في النضال من أجل تأمين حقه في تقرير مصيره، ولكن عليه أن يراعي جملة من الشروط ويوفر جملة من المستلزمات ويسعى إلى خلق تحالفات وأجواء تسمح بتغيير الدستور.
** كل نظم الحكم في الدول المجاورة، وهي ليست صديقة للشعب الكردي بأي حال إن لم نقل عدوة له، طلبت من القيادة الكردية عدم إجراء الاستفتاء وأكدت تدخلها المباشر بالتعاون والتنسيق مع العراق لمنع تنفيذ نتائج الاستفتاء بممارسة كل السبل المشروعة وغير المشروعة. ولم يكن في هذا أي التباس أو شك فيما ستفعله!
** قوى داخلية عراقية تحدثت ضد الاستفتاء، ولكنها كانت تتمنى أن يحصل ذلك، لكي تمارس ضربتها ضد الحكم بكردستان التي كانت تنتظرها منذ فترة غير قصيرة ولم تتح لها الفرصة، وهي قوى إسلامية سياسية شيعية وقوى سنية أيضاً، ولكن الأكثر اندفاعاً هو حليف الأحزاب الكردستانية السابقة، بعض الأحزاب الشيعية. وكان رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، واضحاً تماماً ومحذراً من مغبة ذلك.
** وقد بادر أصدقاء الشعب الكردي، ومنهم الحزب الشيوعي العراقي، إذ قدمت قيادته النصيحة الأخوية للحزب الديمقراطي الكردستاني وبلقاء خاص مع السيد رئيس الإقليم، ومع الأحزاب الكردية الأخرى في تأجيل هذا الاستفتاء بسبب غياب الظرف المناسب لمثل هذا الإجراء. كما مارس ذلك بعض القوى الديمقراطية والتقدمية، كالتيار الديمقراطي والحزب الوطني الديمقراطي بقيادة السيد نصير الجاردجي، والقائمة التقي يقودها الدكتور أياد علاوي، إضافة إلى التيار الصدري.
** لم يكن البيت الكردي موحداً، بل كان في أكثر فتراته تباعداً واختلافاً واستعداءً متبادلاً، لا بشأن الموقف من الاستفتاء فحسب، بل وبشأن قضايا داخلية منها الموقف من توزيع الموارد المالية المتأتية من النفط ومن الجمارك ومن ميزانية الإقليم، والموقف من رئاسة الإقليم ومن صلاحيات رئيس الإقليم وفترة رئاسته، وكذلك الموقف من البرلمان وطرد رئيس البرلمان ووزراء من حركة التغيير “گوران”، إضافة إلى الخلافات الجدية مع الاتحاد الوطني والانقسامات الكبيرة داخل هذا الاتحاد. ولم يوحد إجراء الاستفتاء هذه القوى السياسية حتى ولا شكلياً، بل وحد الكرد استجابة لمشاعرهم القومية وطموحهم بالاستقلال وعدم التهميش والإقصاء.
** ولا بد من تأكيد واقع أخر هو إن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الصحافة والصحفيين لم تكن في كل الأحوال بالمستوى المطلوب بالإقليم، بل تعرضت للكثير من الانتقاص والتراجع، وقد وجه الكثير من النقد لهذه المسالة على الصعد المحلية والدولية ومن قبل منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالعراق أيضاً.
إن هذه العوامل بشكل خاص هي التي جعلت مني ومن غيري طرح رأينا بصراحة ووضوح وبأخوة صادقة في لقاء السليمانية راجين، إن لم يكن الغاء الاستفتاء، فتأجيله لظرف آخر، واستبعاد المناطق المتنازع عليها من الاستفتاء. ولكن، والحق يقال سمعوا، ملاحظاتنا ورأينا، ولم يأخذوا بها، ولم تلق الصدى المنشود، رغم إن جمهرة من المثقفين الكرد كانت تخشى عواقب هذا الاستفتاء تماماً كما أشرنا نحن إلى ما يمكن أن يحصل، وهو مع الأسف الشديد حصل عين ما شخصناه حينذاك، ولم ينته بعد!! لقد استهان الجميع بكل العوامل التي تستوجب التوقف عن إجراء الاستفتاء، حتى الذين كانوا ضد الاستفتاء من الكرد لم يجرؤوا على التصريح برأيهم خشية اتهامهم بالتخلي عن حلم وهدف الأكراد بإقامة الدولة الكردية. لقد نشأ جو ضاغط لم يكن في مقدور المواطنة أو المواطن الكردي تجاوزه بأي حال.
ولكن ما جرى ويجرى بعراق اليوم، وكما أرى، بعيد كل البعد عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفيه تجاوز فظ على الدستور العراقي. نشير إلى بعض منها:
1. ابتعاد الحكومة الاتحادية عن البدء بحوار جاد ومسؤول مع حكومة الإقليم لمعالجة المشكلات القائمة على وفق الدستور الاتحادي وطرح شروط لم تعد مبررة بعد كل الذي حصل.
2. محاولة البعض من المسؤولين وفي التلفزة العراقية الرسمية تسمية إقليم كردستان بشمال العراق!
3. الابتعاد عن التنسيق مع حكومة الإقليم بشأن المناطق المتنازع عليها والتي يفترض أن يطبق بشأنها المادة 140 من الدستور، وليس ارتكاب الخطأ ذاته الذي ارتكبته حكومة الإقليم بشأنها.
4. تقليص حصة الإقليم من 17% من ميزانية الدولة إلى 12,67% وبدون البحث مع حكومة الإقليم وعدم وجود أعضاء البرلمان من التحالف الكردستاني في المجلس النيابي، إضافة إلى عدم وجود إحصاء فعلي دقيق لهذه المسألة. ويبدو لي بأن إجراء الإحصاء الرسمي يمكن أن يتم بعد التخلص من الحرب ضد داعش وإعادة النازحين بعد أحداث الاستفتاء إلى مناطق سكناهم بكركوك أو غيرها، إذ قدر عددهم بعشرات الآلاف من الكرد.
5. محاولة التعامل مع المحافظات الكردستانية كل على انفراد وليس على أساس الإقليم باعتباره وحدة واحدة ضمن الدولة العراقية.
6. غلق المطارات في كل من أربيل والسليمانية في محاولة لتطويق الإقليم ومنع السكان من حرية السفر أو القدوم إليها، وهو أمر لا يجوز قبوله، إذ يمكن أن ينظم بطريقة هادئة وبعيدة عن التشنج الراهن.
7. وكما تشير المعلومات المتوفرة، إضافة لما تنشره وسائل الإعلام الدولية إلى وجود تجاوزات فظة على السكان الكرد في المناطق المتنازع عليها “بعد الاستفتاء وما تبعه من عمليات عسكرية من قبل القوات المسلحة وبعض فصائل الحشد الشعبي حيث جرى الكثير من انتهاكات حقوق الانسان بحق المواطنين المدنيين والمسالمين والصحفيين والصحافة والقنوات الفضائية في العديد من تلك المناطق ، وجرى جراء ذلك استشهاد ما يقدر بـ (200) شخص واسر واختطاف العشرات ناهيك عن اعمال حرق وتخريب المساكن للمواطنين وحرق وسرقة العشرات من الدور والمتاجر وحرق بعض مقرات الاحزاب، وجراء الخوف والقلق وروح الانتقام والتعصب هاجر اكثر من 183000 مواطن كردي من مناطق عديدة في طوز خورماتو وكركوك وديالى ومخمور وزمار وسهل نينوى. حسب إحصائيات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان الدولية أضيفوا هؤلاء الى حوالي مليون و400 ألف نازح في اقليم كوردستان. كما تشير بعض أجهزة الإعلام إلى أن ما يحصل هو عملية انتقام لما قام به الكرد قبل ذاك إزاء العرب أو التركمان، إلا إن هذا ليس بالأسلوب السليم، إذ الصحيح هو إقامة الدعوى عل م اتركب التجاوزات وليس القيام بعمليات انتقامية.
8. تشير الصحف العراقية والتلفزة الرسمية إلى مظاهرات العائلات اللواتي يطالبن الحكومة الاتحادية بالإفراج عن ابنائهن المعتقلين لدى جهاز الأمن الكردستاني “الأسايش” والذي قدر عددهم بـ 5000 معتقل من العرب والتركمان والكرد. من المطلوب من حكومة الإقليم أن تعلن مدى صحة ذلك أولاً، وعن اسباب اعتقالهم ومصيرهم ثانياً، وأن تقدمهم للمحاكمة إن كانوا متهمين، أو تطلق سراحهم فوراً. وأرى مناسباً أن نذكر الحكومة الاتحادية بضرورة ممارسة هذا المبدأ أيضاً، إذ فيها من المعتقلين ما يفوق ذلك بكثير.
إن شعب العراق، بقواته المسلحة العراقية، وهو يحقق انتصارات مهمة على عصابات داعش في سائر المناطق التي احتلتها هذه القوى المجرمة، ما زال يعاني من التجاوزات الفظة على حقوق الإنسان وعلى القيم والمعايير الإنسانية الحضارية، سواء ما يجري من تجاوزات عبر المليشيات الطائفية المسلحة، وعبر قوى الإرهاب الدموية، أم في استمرار الفساد المالي والإداري وبقاء من خربوا العراق أحراراً يواصلون سعيهم من خلال الحكم وخارجه لتدمير العراق ورضوخه لمصالح وأجندات قوى إقليمية، كما هو الحال مع إيران. إلا إن الأكثر خطورة على حقوق الإنسان والحياة المدنية هو النظام السياسي الطائفي الذي ما يزال قائماً بالعراق. وأكبر دليل على ذلك ما حصل في تسمية أعضاء مفوضية الانتخابات التي تسمى مستقلة، وهي متكونة من تلك الأحزاب الحاكمة وعلى أساس التوزيع الطائفي المشين وضد مضمون ومواد الدستور العراقي، الذي يرفض في مواد أساسية فيه، الطائفية السياسية وقيام أحزاب على أساس ديني وطائفي. كما يمكن تأكيد هذه الحقيقة المرة بطرح قانون الأحوال الشخصية الجعفري السيء الصيت، الذي يبيح زواج البنت القاصر’ وهي مخالفة صريحة وفظة لحقوق الطفل على الصعيد العالمي والمتعارضة مع الدستور العراقي ومواده المدنية. إنه قانون وقح ويسجل بداية ارتكاب جريمة بصورة رسمية بحق طفولة الإناث بالعراق وينبغي ألّا يمر هذا القانون بأي حال من الأحوال، ويفترض الاستعانة الجادة والسريعة بالأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني الدولية والمنظمات النسوية الإقليمية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان لمنع المصادقة عليه. وعلينا أن نجد طريقة لطرح مثل هذه الجريمة وغيرها على محكمة حقوق الإنسان الدولية. إن إقرار هذا القانون البشع يؤكد بأن العراق يمارس في هذا المجال ذات السياسة التي مارسها ويمارسها تنظيم داعش الإجرامي المتطرف الذي انتهك وينتهك الطفولة بكل شراسة وعدوانية، وها هم نواب في مجلس النواب العراقي، الذين يريدون إمرار هذا القانون، لا ينتهكون حقوق وحرمة طفولة الإناث وبراءتهم فحسب، بل هم يشكلون جزءاً من مرضى الجنس الذين يجب احتجازهم لحماية طفولة الإناث منهم ومن جرائمهم المحتملة، وهم الذين يجب تقديمهم للتحقيق، إذ ربما بعضهم قد مارس هذه الجريمة بحق الأطفال الإناث، كما يفترض محاسبة المجلس الأعلى الإسلامي الذي ينظم احتفالات سنوية ليعلن تقديم عشرات الفتيات بعمر تسع سنوات وقاصرات إلى الزواج من رجال بأعمار عالية احياناً كثيرة وكأنهن نساء بالغات سن الرشد!!! (راجع الصورة في نهاية المقال).
ولا بد من الإشارة إلى أن هناك جمهرة من السياسيين في حزب السلطة الحاكم تعمل بجهود محمومة وكثيفة للإطاحة برئيس الوزراء حيدر العبادي وتستخدم كل الوسائل والأدوات المتوفرة لديها، وهي في الغالب غير مشروعة، للوصول إلى هذا الهدف، وإعادة نوري المالكي إلى السلطة أو من يرشحه المالكي ويكون ظلاً له في الحكم. إنها معضلة العبادي الحالية والتي وجدت تعبيرها في خطبته الأخيرة عن العقائديين الذين يحاربونه بأساليب يراها بنفسه ويعي عواقبها المدمرة! لقد قلنا لجميع الحكام المستبدين “ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع!” وخير شاهد على ذلك أغلب ملوك وأمراء وحكام العراق، وأخرهم صدام حسين ونوري المالكي! وهما من طينةٍ واحدة!
إن ما جرى ويجري بالعراق يؤكد بأن الحصيلة كانت معتمة. فحكام العراق صادروا حريات الشعب العراقي الطيب وحقوقه الأساسية خلال المراحل المنصرمة. وكل فترة مظلمة كانت تليها فترة أكثر عتمة وأكثر استبداداً وظلماً وقساوة على الشعب وتخريباً لوحدته وتفريطاً بأمواله وإساءة لتطوره الاقتصادي والاجتماعي ومستقبل أبنائه وبناته. ولم يهنأ هذا الشعب بحكامه، بل كان غصة لهم وغضباً عليهم، إذ حولوا الشعب إلى خدم مكبوتين للحكام، وعملوا بعكس القاعدة التي تقول بأن الحكام خدمُ الشعب!

كاظم حبيب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here