ستبدأ اخطر الحروب في العراق

حسن الخفاجي

أحاط أهلنا مرحلة طفولتنا بجملة من المفاهيم التي تنمي فينا قيم العدل ومساعدة الآخر ورفض ومحاربة الظلم، بعض هذه المفاهيم تخفف عنا وطأة ما يؤثر سلبا على طفولتنا . من كان يموت ممن نعرفهم ونلح بالسؤال عنه, كان أهلنا يقولون: ان من نسأل عنه ذهب الى الله وهو مرتاح عندة . حذرونا من الخصال السيئة, لوحوا لنا بقوة وقدرة الخالق على معاقبة المخالفين لأوامره. قالوا عن تنوع عقوبات الله، البعض يعاقبهم الله بالدنيا والاخرة والبعض الاخر يكون حسابه في الآخرة فقط. قالوا ان من يكذب يدخل النار ويقطع لسانه فيها، ومن يسرق تُـقطع يده ويدخل النار. قالوا ان الفاسدين هم من يبحثون عن لذتهم خارج بيوتهم بين أفخاذ النساء، وهؤلاء عقوبتهم الكبرى الفضيحة بالدنيا ونار جهنم. قالوا حبل الكذب قصير وان للظالم جولة، وان أكثر الخاسرين هم المتاجرين بالدِّين والشعارات، وان أكبر الكبائر خيانة الوطن وقالوا وقالوا وقالوا وووو.

أضاف أهلنا لنا جرعة مؤثرة من المخاوف الممتدة والتي لا أفق لها، تتمثل بكلمتين رادعتين هما العيب والخجل. الخجل انواع، علمونا ان نخجل من أنفسنا اولا ، ومن اهلنا، ومن المحيطين بِنَا، من الجيران، وأبناء المنطقة وحتى الغرباء. صدقنا اهلنا وتكونت بدواخلنا روداع اخلاقية قبل ان تكون دينية. بعدما كبرنا اصطدمنا بواقع معاكس لما قاله لنا اهلنا. وجدنا ان حبل كذب الحكومات طويل، والادلة على ذلك كثيرة. لقد كان حبل كذب سلطة صدام طويلا، طرف ا لحبل الاخير كان بيد الصحاف الذي أنهى مهمة الكذب وذهب ليعيش في الإمارات معززاً مكرماً ولم يقطع أحد لسانه. اكتشفنا ان جولة الباطل التي قال لنا اهلنا انها قصيرة امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً من حكم البعث وصدام وانتهت بكارثة أكبر. عرفنا ان العيب والخجل لم يمرا على بيوت ومكاتب ودوائر أهل السلطة، منذ الغدر بزعيم الوطنية والنزاهة عبد الكريم قاسم الى يومنا هذا باستثناءات محدودة. شاهدنا السراق يملكون الأموال الطائلة والعقارات والنفائس ويسافرون الى أغلى الأماكن والمنتجعات ويتطببون بأرقى المستشفيات، ولم نر احداً منهم دخل جهنم الدنيا (السجن)، علينا ان ننتظر الى يوم طويل هو يوم القيامة عسى ان يدخلوا جهنم هناك .

أكبر خديعة او سوء فهم تعرضنا له عندما صدقنا أهلنا الذين قالوا: ان أخسر الخاسرين هم المتاجرين بالدِّين والشعارات، لقد اصبح الدين عندنا انفس واربح تجارة وأصبحت المتاجرة به وبالشعارات القومية تجارة مربحة تنافس تجارة الالماس.

أين أهلنا ماذا جرى لتعاليمهم وأين الخلل هل بالسلطة ام باهلها ام بالمجتمع ؟.

لقد أصبحت خيانة الوطن موضة عند البعض من الساسة وشاهدنا وسمعنا من يفاخرون بخيانتهم لاوطانهم وهم من ساسة الصف الاول !. ادانتهم وثائق وكليلكس التي اعتمدتها كل الأنظمة القضائية في العالم دليلا جرميا، ما عدى القضاء العراقي الذي (طنشها وغلس). والمدعي العام العراقي الذي تنطبق عليه أغنية: ( نايم المدلول حلوة نومته).

لقد كان فهم أهلنا قاصراً حينما حصروا الفاسدين بفئة الباحثين عن الجماع المحرم، لان الواقع الذي نعيشه اثبت: ان اخف انواع الفساد هو فساد الباحثين عن اللذة الجنسية المحرمة، وان الفساد هو أكبر وأعم وأشمل من مضاجعة حرام.

الفساد يشمل المحاصصة وخونة وسماسرة بيع الاوطان والمناصب واللصوص والمرتشين وسماسرة نشطوا بكل مفاصل الدولة وخيراتها، وبائعي شرف العراقيات مقابل كسب سياسي، الفاسدون الذين رهنوا ويرهنون مستقبل العراق والعراقيين بصفقات خاسرة من اجل المناصب، ومن يسنون قوانينا تراعي مصالحهم – رواتب ومخصصات وإيفادات – ولا تراعي العراقيين، ومن شرعوا قانونا اجرم بحق الطفولة وشرعوا لاغتصاب القاصرات- اكثر النواب الحاحا وحماسة على تشريع قانون زواج القاصرات لديه ابنة قاصرة هل يقبل النائب تزويجها من رجل بالغ-؟. ربما لا تكفي مجلدات لسرد تفاصيل الفساد في العراق وبيع الذمم ، لذلك اكتفي بما ذكرت.

الفساد آفة الآفات وهو علة علل عراق ما بعد صدام، بعد انتصارنا بحربنا على داعش الابن الشرعي للفساد, على السيد رئيس الوزراء ان يستعد جيداً قبل ان يشرع برفع شعار محاربة الفساد مجدداً، لأن زمناً طويلاً مر على رفعه للشعار للمرة الاولى، عندما كان أعزلاً ولم يحظ بتأييد قوي مثل التأيد والمساندة التي منحها له معظم العراقيين مؤخراً، لا تجرأ كل الاحزاب الكبيرة على معارضة علنية لخطواته بمحاربة الفساد الآن . حظيت المعارك التي قادها السيد العبادي على الإرهابيين والانفصاليين بغطاء سياسي، ربما من الصعب ان يحصل عليه وهو ينوي محاربة الفساد، لان الفاسدين لا يمنحوا إذنا لمن يريد محاسبتهم والتعجيل بنهايتهم.

على السيد العبادي قبل شروعه بالمعركة ان يستحضر سيرة كل العظماء الذين حاربوا الفساد والباطل وكانوا فرادى والتفت حولهم أقوامهم وشعوبهم . أرجل أخطبوط الفساد كثيرة وطويلة ان لم تكن قادرة على الالتفاف حول السيد العبادي وخنق مشروع محاربة الفساد، فانها ستتمكن حتما من عرقلة مسيرته. قبل ان يبدأ السيد العبادي معركته الاشرس والاخطر على الفساد عليه تهيأة وتنظيف أدوات حربه ضد الفساد ، وهذا يتطلب منه التخلص ممن حوله من الفاسدين والمطبلين والانتهازيين الذين سمعناهم يمدحون ويلتفون حول من سبقه من قبل، وهم حوله ومن عصبته الان .

على السيد العبادي اللجوء الى البرلمان لتنظيف القضاء من الفاسدين لان القضاء بوضعه الحالي عاجز تماما عن الاشتراك بمعركة حقيقية ضد الفساد .

مهمة محاربة فساد أربعة عشر عاما ليس بالأمر السهل، لكن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة وأتمنى ان تكون الخطوة الاولى من مزاد العملة في البنك المركزي، لانه اداة فساد تستنزف ثرواتنا، ولابأس ان تكون خطوته التالية هي الإطاحة برؤوس فساد كبيرة من كل الأطراف بمرة واحدة، لكن ليس على غرار خطوة محاربة الفساد في السعودية التي قادها محمد بن سلمان وقام بتصفية خصومه السياسيين وترك الفاسدين المطبلين له ولحكمه .

على السيد العبادي وهو ينوي محاربة الفساد تذكر ما قاله الامام علي ع

(رحم الله امرءاً أحيا حقّاً وأمات باطلاً ودحض الجور وأقام العدل)

حسن الخفاجي

11/11/2017

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here