أمراء داعش يظهرون في الموصل بعد 5 أشهر من التحرير

بغداد/ وائل نعمة

بعد أشهر على تحرير الموصل من قبضة داعش، بات أمراً مألوفاً مشاهدة أحد أمراء التنظيم السابقين وهو يتجول بمفرده في أحد شوارع المدينة من دون أن يعترضه أحد.
وتتطلب عملية الإبلاغ عن هذا الإرهابي سلسلة من الإجراءات الطويلة كإحضار الشهود، وقد يتعرّض “المُبلّغ” للتهديد بالقتل من الخلايا النائمة قبل صدور أمر الاعتقال.
وعادة ما يتجنب السكان الخوض في مثل هكذا مغامرة خطيرة، مكتفين بنقل صور المشتبه بهم عبر الموبايلات او ضمن أحاديث المقاهي ،إذ ما زالت اغلب الاعمال في المدينة المدمرة متوقفة.
وخلال الاشهر الخمسة التي أعقبت استعادة الموصل من قبضة التنظيم، بعد معارك ضارية استمرت 90 يومياً، مازال مسؤولون يرجحون وجود آلاف الجثث المدفونة تحت الانقاض.
وتخيم على المدينة القديمة روائح كريهة يعتقد انها تعود الى جثث متفسخة، رغم انتشال فرق الانقاذ، خلال الفترة الماضية، نحو 4 آلاف جثة.يأتي ذلك فيما تنشغل القوات الامنية، منذ أسابيع بعملية الانتشار في مناطق شمال الموصل، وبحث الاطراف السياسية عن محافظ جديد بعد إقالة نوفل العاكوب.وأعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، في تموز الماضي، تحرير المدينة بالكامل من قبضة داعش. وقال العبادي، في كلمة متلفزة، إن “النصر في الموصل تم بتخطيط وإنجاز وتنفيذ عراقي، ومن حق العراقيين الافتخار بهذا الإنجاز”.
وقتلت القوات العراقية اثناء العملية العسكرية 30 ألف مسلح، بحسب بيانات عسكرية. لكن مسؤولين محليين يؤكدون وجود 50 ألفاً من المسلحين والمتعاونين معهم مازالوا طلقاء في المدينة.وعندما بدأت القوات بحملتها لإخراج داعش من المدينة، في تشرين الأول 2016، شن داعش حملة انتقامية أعدم خلالها من يشتبه بتعاونه مع القوات المشتركة، كما نفذ عمليات إعدام بحق المدنيين الذين حاولوا الهروب من المدينة.واتهمت أطراف سياسية موصلية “جهات تحقيقية” بالافراج عن بعض المعتقلين مقابل رشاوى.

تدقيق المدنيين
وللسيطرة على أوضاع المدينة، يقول زهير الجبوري، عضو مجلس قضاء الموصل، ان “القوات الامنية بدأت منذ يوم الاحد تطبيق خطة جديدة للبحث عن المشبوهين”.
ويؤكد الجبوري في اتصال امس مع (المدى) ان “الخطة تتضمن تطويق حي سكني كل أسبوع بشكل كامل من قبل القوات الامنية والاستخبارية وبرفقة الحشود العشائرية او الشعبية وإجراء عملية تدقيق للسكان”.
وكانت الاحداث، التي رافقت عملية تحرير الموصل، وحجم الخسائر في الارواح والمباني، دفعت الحكومة الى تخفيف الاجراءات الامنية كرسالة تطمينية للاهالي.لكن الجبوري يقول ان “السكان يتعرفون في كل يوم على أمير او مسلح سابق في تنظيم داعش، إلا أن الخوف من الخلايا النائمة بجبرهم على السكوت”.
بالمقابل يؤكد المسؤول المحلي ان عملية الابلاغ عن المسلحين تحتاج الى اجراءات طويلة لحين صدور امر الاعتقال “حينها سيكون المسلح قد هرب من مكانه”.
وقدر مسؤولون محليون، في احاديث سابقة مع (المدى) وجود 80 ألف مسلح في عموم محافظة نينوى، اكثر من نصفهم في الموصل. واكدت ان عدد المعتقلين بعد التحرير لايتجاوز الـ5 آلاف.
وفي الموصل يصعب الوصول الى حقيقة عدد المعتقلين. اذ يقول المسؤولون ان الاجهزة الامنية تفرض حصاراً على تلك المعلومات.
وتتعدد الاجهزة الامنية، التي تعمل في الموصل، حيث تقوم كل جهة باحتجاز المشتبه بهم في مكان مختلف، الامر الذي يعقّد اجراء احصاء لعدد الموقوفين.
ويعتقد الجبوري ان “انشغال القوات العسكرية في عملية الانتشار الامني في المناطق المتنازع عليها وراء عدم اعتقال الكثير من المتهمين”.
وحتى الآن ما تزال قطعات من الجيش ومكافحة الارهاب وعشرات الحشود من داخل وخارج المحافظة تتمركز في المدينة.وينتقد داود جندي، عضو اللجنة الامنية في مجلس نينوى، تواجد الحشود العشائرية التي تتبع شخصيات قبلية او سياسية.
ويؤكد جندي لـ(المدى) “أغلب تلك الحشود تتجول مع الزعيم العشائري من دون ادوار حقيقية”.
وهناك اكثر من 30 فصيلا مسلحا في الموصل، لم تنجح قرارات حكومية سابقة باخراجها من المدينة.
وبحسب المسؤول المحلي فان دور الشرطة المحلية ما زال ضعيفا، لاسيما مع وجود نقص يقدر بنحو 20 الف عنصر.
ورغم ذلك لكن جندي يقول ان “الاوضاع الامنية في الموصل مستقرة الى حد كبير ولم تحدث خروق كبيرة”.
ويعتقد المسؤول الامني ان بعض حوادث الخطف في الموصل وراءها عصابات وجماعات مسلحة. لكنه لا ينفي في الوقت ذاته وجود خلايا تابعة لداعش داخل المدينة. ومع ذلك فانه يؤكد “وجود متابعة قوية من الاجهزة الامنية لاتسمح لها بالتحرك”.
وحتى وقت قريب، كانت الحشود العشائرية تقتل يوميا ما بين 3 الى 4 مسلحين مختبئين في انفاق في ساحل الموصل الايمن.
بدوره يؤكد النائب عن نينوى عبدالرحمن اللويزي ان عملية ظهور المسلحين لم تنته في نينوى، لكنها انتقلت من داخل الموصل الى مناطق اخرى.
ويقول اللويزي، في تصريح لـ(المدى) امس، “هناك مسلحون يظهرون من الانفاق في تلعفر، بالاضافة الى مناطق قرب بادوش في غرب الموصل”.
ويضيف النائب عن نينوى “قرب بادوش مناطق تسمى الحوايج، وهي جزرات داخل المستنقعات مكونة من ادغال كثيفة يصعب اكتشاف المختبئين داخلها”.

أزمة إنسانيّة
إنسانياً، يقول زهير الجبوري، المسؤول المحلي في الموصل، ان “عمليات انتشال الجثث في الموصل القديمة لم تنته حتى الآن ومازالت عملية البحث ضعيفة”.
وتتضارب أعداد القتلى من المدنيين في الموصل، حيث قال وزير المالية السابق هوشيار زيباري، بعد ايام من تحرير الموصل، ان هناك 40 ألف قتيل.
بالمقابل، وبحسب إحصاءات منظمة العفو الدولية الدولية، فان ما يقارب 6 آلاف مدني قتلوا خلال معارك تحرير الموصل.
ونقلت خلية الإعلام الحربي، في تموز الماضي، عن إحصاءات رسمية أصدرتها مديرية الدفاع المدني إشارتها الى ان “الجثث التي تم انتشالها خلال عمليات تحرير الموصل بلغت 1429شهيدا”، بالاضافة الى “إنقاذ 102 مواطن من الأحياء السكنية فيما تم إخلاء 200عائلة”.
لكن الجبوري يؤكد ان “4 آلاف جثة قد تم انتشالها حتى الآن”، متوقعا وجود أضعاف هذا العدد مازالت تحت الانقاض.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here