من أية طينة جُبل هؤلاء؟

مرتضى عبد الحميد
في كل دول العالم، حتى اللاديمقراطية منها، يفرق المسؤولون بين الاستراتيج والتكتيك، فتراهم يراعون مطالب الشارع، والرأي العام المحلي أو الوطني، فيعدلون ويبدلون مواقفهم السياسية، إذا وجدوا رفضاً واسعاً لها، وقد يقلعون عنها نهائياً من أجل الحفاظ على مصالحهم، والبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وتجنباً لتوترات اجتماعية متوقعة قد تتحول إلى انتفاضة جماهيرية، إذا هم أصروا على التمادي في غيهم، وعلى مصادرة حقوق ومصالح الغالبية العظمى من الشعب.
في العراق يختلف الأمر تماماً فالقاموس السياسي للكثير من أعضاء مجلس النواب وبقية المسؤولين، يخلو من مصطلح التكتيك الذي يخفف النقمة عليهم في حالة تطبيقه، مستبدلين إياه بكلمة قريبة منه لفظاً، بعيدة عنه بعد السماء عن الأرض مضموناً، هي كلمة التفكيك. أي بدلاً من العمل على تعزيز اللحمة الوطنية، وتجسيد مبدأ المواطنة في الحياة العملية، باعتبارهم “نواب الشعب” نجد أنهم يعملون، وبعضهم بحماس ملفت للنظر على تفكيك الوحدة الوطنية، وتمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي للشعب العراقي، الذي تهرأ على يد صدام حسين ونظامه الدكتاتوري، ثم على أيدي المحتلين والطائفيين.
لقد أتحفنا مجلس النواب أخيراً وليس آخراً في جلسة الثلاثاء الماضي، بالتصويت “المبدئي” على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم (188) لسنة 1959، بعد سلسلة من القوانين الجائرة، بقصد إعادة إنتاج ما سمي بقانون الأحوال الجعفري الذي رفض رفضاً قاطعاً في السنة الماضية.
إن هذا التعديل البائس يمثل نكسة حقيقية للمرأة العراقية، لأنه يشجع ويفسح المجال رحباً أمام المهووسين جنسياً بالزواج من القاصرات، ويحيل الأحوال الشخصية إلى الأوقاف الدينية، رغم أنها تُعد في كل دول العالم قضية قانونية لتنظيم شؤون المجتمع. الأمر الذي يتناقض مع الدستور العراقي، ومع مبدأ الفصل بين السلطات. كما يضعف كثيراً من دور السلطة القضائية.
والخطورة الأكبر والأشد ضرراً في هذا التعديل، تكمن في تكريس الطائفية، وفتح منافذ جديدة لها في المجتمع العراقي، رغم أن الجميع يعتبرها أس البلاء في خراب العراق. ودمارِه بمن فيهم المنافقون في مجلس النواب.
وهنا يتضح من جديد وبشكل لا لبس فيه، قصر النظر السياسي الذي تمتاز به نسبة كبيرة من أعضاء البرلمان والكتل المتنفذة فيه. فهم يتناسون عمداً أو غفلة أن الاستمرار في تشريع القوانين المعادية لمصلحة الشعب، سيؤدي لا محالة إلى نضوب صبره، وبالتالي انفجاره والإطاحة بمن اتخذوا مواقف معادية له، وبامتيازاتهم اللا مشروعة.
من أجل إفشال هذا الانحطاط الاجتماعي، الذي لا يمكن مقارنته إلا بما فعله داعش في استغلال القاصرات جنسياً، لابد من مواصلة الاحتجاج والتظاهر، والرفض العلني من جانب النواب المعارضين له، وهم كثر، ومن منظمات المجتمع المدني والاتحادات والجمعيات والجماهير الغاضبة، والرافضة لنوايا مجلس النواب في العودة إلى عصر الحريم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 14/ 11/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here