كوردستان اليوم اقرب الى الاستقلال من اي وقت مضى

حسين القطبي

لم يكن هنالك حاجز نفسي بين الكورد والعرب في العراق، في اي وقت مضى، كما هو اليوم. وحتى لو كان الاستفتاء الاخير قد نجح في انجاز الاستقلال للدولة الكوردية، فانه لم يكن ليستطيع ان يزرع هذه الحواجز الروحية والوجدانية بي الشعبين، بقدر ما عملت غزوة كركوك الاخيرة (ليلة 15-16 اكتوبر المشؤومه) على غرسه في النفوس من نفور طفح الى السطح فجأة، مثل بركان في المحيط الهادئ.

من السهل ان تجر جيوش مدعومة بالاسلحة الامريكية المقدمة مجانا، والخطط الايرانية الموضوعة سلفا، والحشود من الشباب نصف الامي المسطول بفكرة ان المهدي المنتظر محتجز في كركوك.. وتتقدم بهم على مدينة نصف غافية، بعد منتصف الليل..

لكن ليس بنفس السهولة لحم الجرح الذي حدث بعد ذلك، فالى ما قبل ليلة من الهجوم، كان هنالك بين نخب الشعب الكوردي الكثير من الذين يعولون على المواطنة العراقية، كحل لمشاكل الاقليم الادارية، ولحسم الصراع السياسي في الاقليم والتصدي للفساد بواسطة الحلول التي يقدمها المركز.

لكن ما اقدم عليه السيد العبادي، بتنسيق امريكي ايراني، من تهور، في تلك الليلة، لا يختلف عن ما عرف به سلفه الاسبق صدام حسين من اجراءات متسرعة غير مدروسة.

لم تكن مطاليب الكورد تتجاوز الفيدرالية، لولا الضغوط التي وضعتها الاحزاب الشيعية على الاقليم، وحتى الى ما بعد الاستفتاء، كانت هنالك الكثير من النخب الكوردستانية، بما فيها قيادة البارزاني نفسه ماتزال تؤمن بامكانية التعايش المشترك وحل المشكلات مع بغداد عن طريق التحاور والتفاوض. لكن اليوم، بعد غزوة كركوك بالتحديد، لن تجد هنالك مواطن كوردستاني واحد يوافق على حل لقضية كوردستان باقل من الاستقلال التام والابتعاد عن بغداد باقصى سرعة، بما فيهم المجموعة التي اتهمت بالخيانة والوقوف الى جانب الحشد العراقي، في السليمانية وكركوك.

هنا قد يعتقد البعض ان الكورد غير قادرين، بعد هذا الاحباط على العودة لمسرح الاحداث، او فرض شروط جديدة. وهذا ما كان يظنه الحكام سابقا ايضا، بعد كل ضربة يوجهونها للشعب الكوردي، بانها الضربة النهائية، والقاضية على حلبة الصراع. لكنهم كانوا ينصدمون في كل مرة بانبعاث روح اكثر عنفوان لدى الكورد.

كل ما تزداد الضربات على الشعوب الحية، يزداد نشاط هذه الشعوب، ويتعاظم عنفوانها. وربما من المفيد التذكير بان كل الضربات غير المميته التي تلقاها الشعب الكوردستاني، رفعت مطاليبه اكثر، من مجرد الاعتراف بحق الوجود، الى وضع رمز في علم الجمهورية، الى حق التعليم واستخدام اللغة القومية، ثم الفوز بقانون الحكم الذاتي، بعدها النظام الفيدرالي، وصولا الى المطالبة بالاستقلال كجواب على استمرار سياسة العداء غير المبرر التي انتهجها سلف العبادي، السيد نوري المالكي.

وبرايي فان حركة العبادي قد قضت على اي حل ممكن ان يتصوره المتابع لمستقبل العلاقة بين اربيل وبغداد غير الاستقلال التام.. قد تكون بعد سنة او اثنتين، وهذا ما اكد عليه السيد البارزاني بعد اجراء الاستفتاء، ولكنه بالتاكيد هو الحل العملي الوحيد الذي تبقى.

وسياتي اليوم الذي ينتبه به العراقيون، الى ان الموافقة على نتيجة الاستفتاء، وقبول الاستقلال سلميا، كان سيكسبنا جار صديق في شمالنا.. لكن تسرع السيد العبادي، وقصر نظره فرض علينا جار معاد قد يكون بالفعل ليس اكثر من مجموعة سدود على دجلة والفرات لخنقنا.

حسين القطبي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here