تأملات فلسفية حول الأسرة الأمريكية ! ح 1

قامت الباحثة الأمريكية شير هايت عام 1971 بدراسة تفصيلية شاملة حول الأمور الشخصية لأفراد الأسرة الأمريكية داخل الولايات المتحدة , مركزة على ظروف ومعطيات المرأة ضمّت شتّى نواحي حياتها, شملت الولايات جميعها, بما فيها الاسكا وجزر هواي, اي خمسين ولاية, عبر خمسة سنوات متتالية. في استيضاح علمي وسري وصريح لمختلف الطبقات والاجناس والاتجاهات والثقافات والاعمار. وبعد ان جمعت الأجوبة, توقفت عند نقاط هامة معينة اخضعتها للدراسة المعمّقة من قبل المتخصصين في علم النفس والتربية والاخلاق والاجتماع والتعليم والقانون , بغية ا لتوصّل الى حلول مناسبة, بعد ان تردّى الوضع الأجتماعي الأسري في الولايات المتحدة و بلغ حدّته. فقد كشفت محاكم الطلاق اوراقها و اتضح للعالم اول مرة، ان النساء الأمريكيات يفاجئن ازواجهن بمبادرات الطلاق في تسعين بالمئة من الحالات.

ان التقاليد الدينية والفلسفات الغربية قد فصلت بين الجسد والروح في معزل من مفهوم الحياة, في الوقت الذي تكون العلاقة العاطفية بين الجنسين ملازمة للحياة . الاّ ان لدى النساء احساسا بان العشق لا يستمد جذوره من الجسد وحسب وانما من الروح والقلب ايضا. ويعرّفن الانجذاب العاطفي نحو الرجل بتجربة روحية, وان تسميتها بالشهوة الجنسية تشكل مشكلة لغوية، تعكس فلسفة التاريخ الغربي وتتيح الخيار بين الحب والجنس والعاطفة والحنان . لكن هل النساء الأمريكيات يميّزن بين هذه المقولات ؟ . وهل يمكن القول ان هؤلاء النساء إنما يصفن العشق كشيء ممزوج بالروح والجسد في نوع من الذهول والانصهار ؟

يتسائل الفلاسفة المناصرون للمرأة عما اذا كان الفصل بين الجسد والروح لدى النساء موجود اصلا ! , لكن الدراسات النفسية اثبتت انهن لا يشعرن بهذا الفصل على الرغم من انهن يدركنه, في الواقع اننا محاطون بالصورة الداعمة للفصل بين الحب الجسدي والحب الأموي الذي تثبته هذه الايديولوجيا وتعكسه في حالة المقارنة بين مريم وحواء. اي بين المرأة ( الصالحة ) والمرأة ( الشريرة ) طبقا للتقاليد اليهودية والمسيحية التي تعتبر النساء ( صالحات ) عندما يكن امهات طاهرات غير مدنسات مثل العذراء مريم التي حبلت ( دون اتصال جسدي ) و ( شريرات ) عندما يكن مولعات بملذات الحب مثل ( اولئك اللواتي يأكلن التفاحة الجسدية ويفسدن الرجال ) .

ان ثقافتنا الاجتماعية الدينية مشبعة بمثل هذه الافكار النمطية الراسخة . فان على النساء وخاصة الجامعيات منهن ان يحاربن مثل هذه الافكار بلا هوادة , لأن الرجال طبقا لهذا المعيار قد لا يحترمون النساء بعد التماس العاطفي بهن . وعلى الرغم من ان المراهقات يستبطنّ هذه الصوره ويتعرضن الى ازدواج الشخصية , يتسائلن الى اية (فئة) ينتمين؟ الاّ انهن يرفضن الاجابة, كما يرفضن التخلّي عن تعريفهن الخاص لمصطلح العشق.

ان العلاقة التي تقيمها النساء مع الجنس الأخر, ما هي الاّ من المخلفات الاخلاقية التي تمنعنا من ممارسة ( مذهب اللذة ) الحقيقي , الذي سيكون مذهبنا لو لم ترفضه الثقافية الاجتماعية وسلطة الردع الديني . قد لا تكون العلاقات الجنسية في الحضارات القديمة التي سبقت جنة عدن, تشكل سلوكا فرديا فحسب بل انما كانت تنطوي ايضا على ما هو روحي وديني ايضا، حتى انها دخلت ضمن بعض الطقوس. اذ ان الممارسات العاطفية المؤدية الى التناسل كانت تعتبر انذاك بحق وكأنها معجزة في فلسفة تجديد الحياة.
ففي العهد الأغريقي مثلا كانت المواريث الدينية ( اسرار ) مرتبطة مباشرة بعبادة التناسل وبالخاصية المقدسة في سبيل اعادة خلق الحياة .

لقد ثمّن البروفيسور – غلاديس لانغ – استاذ العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة واشنطن الدراسة الموسوعية التي قامت بها الباحثة شير هايت مؤكدا على غزارة المعلومات وجدّيتها , بعد ان اجاب الامريكيون على اسئلتها بكل صدق وصراحة رغم كون المواضيع كانت شخصية جدا, ولهذا حصلت على نتائج باهرة.

كما علق البروفيسور – روبرت ايمرسون – من جامعة لوس انجلس قائلا : ان مناهج البحث عند شيرهايت قد حققت اهدافها. ان النوعية المتميزة لمعطياتها قد اتاح للباحثين معرفة الجوانب المبهمة من اسرار الاسرة الامريكية والتعرف على مختلف جوانبها الشخصية، خاصة العلاقات العاطفية بين الزوجين . ولم يكن يحصل كل هذا لولا ان الباحثة قد وزعت اكثر من خمسة عشر الفا من الكراس جمع الاسئلة التجريبية التفصيلية لأفراد الاسرة الامريكية, وبالاخص الأب والأم.
اليكم بعض المقتطفات من هذه الاحصائية :

98 بالمئة من الزوجات صرحن بانهن يتمنين لو ان ازواجهن غيروا من سلوكهم ليكونوا اكثر مدعاة للرضا , يبوحوا اليهن بالمزيد من افكارهم واحاسيسهم واهدافهم وشكوكهم , وان يهتم الازراج بافكارهن واحاسيسهن واهدافهن وشكوكهن. كما اعتقدن بان الازواج يجب ان يتبنّوا مواقف اكثر سماحة تجاه زوجاتهم, مقابل ان يكن وفيات عفيفات , يشعرن الزوج ازائهن بالسعادة المنشودة .

وفي مجال الموقف المتشامخ للأزواج وشعورهم بالتفوق ونفورهم من بعض تصرفات زوجاتهم , تقول نتائج البحث ان 71 بالمئة من الزوجات قد تخلين عن اخراج ازواجهن من تحفظهم , بعد سنوات معدودة من الزواج , بسبب عدم التزامهم بالمعايير السلوكية التي تربطهم بالاسرة،.
تلجأ معظم النساء احيانا الى الصراخ والهياج لان الرجال لا يسمعوهن ولا يصغون اليهن، مما يحط من قدرهن. ان عدد النساء اللواتي يتناولن المسكنات ويستشرن الاطباء النفسانيين يثبت انهن يجدن عناء كبيرا في بناء علاقات غرامية مرضية مع ازواجهن، في الوقت الذي يكون معظم الرجال راضين بالعلاقات القائمة. قد تبدو المشكلات التي تثيرها النساء تافهة في نظرهن، لكنها في نظر الرجال هي ليست كذلك. وقد تتطور هذه الحالات الى الاسوء مع الايام وتتفاقم وقد تأدي بالنهاية الى الافتراق والطلاق.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم

* مقتبس بتصرف من كتاب (النساء والحب) لشير هايت، ترجمة فؤاد جديد، دار المدى للنشر والثقافة، الطبعة الاولى، بيروت 1997

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here