عراقيات ……

عبد صبري أبو ربيع

وقفت بانكسار تتطلع فيهن كن ثماني بنات ، دمعتها تختبئ بين محجريها .. أزدادت ألتصاقاً فيهن كان الخوف والارتباك يدب في أوصال بناتها . كن ينظرن إلى أمهن التي بدت غريبة الأطوار والارتجاف يعم أوصالها .. قالت لهن :

– هنا تقفن .. وهنا تنتظرن .

وغابت عن أنظارهن بين زحمة الناس وصوت السيارات الذي ضيع أصوات البنات أكلهن القلق وبقين محتارات لا يعرفن ماذا يفعلن . وفجأة ركضت بعض البنات الكبيرات بعدة اتجاهات ولم أتمكن من اللحاق بهن فقد بقيت أنا وأختي الصغرى ذات الخمس سنوات .

أحترت فيها وأحترت بأمر أمي التي تركتنا على حين غفلة ولا أعرف الأسباب التي دعتها الى ذلك مع إننا في كثير من الأحيان كنا نراها وهي تروم الانتحار لعدة مرات لأنها بقت وحيدة بعد أن قتل والدي الدكتور أمام عينيّ أمي وقد امتلأت رعباً .. قتله ناسٌ متوحشون لا يعرفون الإنسانية ولا الضمير لأنهم ليسوا من البشر بل هم حتى ليس من الحيوانات .

وهكذا بقينا نحن وأمنا التي كانت ترى نفسها غير قادرة على إدارة هذا العدد الكبير من البنات وعدم قدرتها على توفير كافة الاحتياجات . كنت أجوب الشوارع عسى أن أحظى بأمي أو بعض أخواتي اللواتي هربن الى المجهول . أثناء تطلعي وارتباكي وخوفي من الناس الذين ينظرون أليّ تفقدت أختي الصغيرة رأيتها هي الأخرى قد هربت ولم أدركها حتى قابلني سائق سيارة وأخذني معه الى دار الأيتام وأتصل بمذيع إحدى القنوات ليشرح له أمرنا وكان المذيع يسألني ( عما بيّ ولماذا أنتِ هنا .. أين أهلكِ ) ؟ أخبرته بالذي جرى وكيف أن أمي هربت من عندنا وتركتنا حيارى مع الشارع وهروب أخواتي الكبيرات الى اتجاهات عديدة . وأنا الان أفتش عن أختي الصغيرة التي ضاعت مني بين الزحام .

أخذها المذيع وراح يفتش وإياها عن أختها الصغيرة التي وجدها مختبئة في حفرة بجانب مكب النفايات وهي تقتات على الفضلات فأرتعشت بين يدي المذيع وهي تنظر إليه ببلادة وأخذنا الى دار الأيتام ثم نشر صورتنا بالقناة المسؤولة عنه عسى ان تظهر أمنا وتأتي لتنقذنا أو إن أخواتي يرجعن إلينا ولكن فوجئنا بأن أختي الكبيرة ظهرت بيننا وهي تبكي ووجها ملطخ بالأصباغ .. قلت لها :

– هل تزوجتي ؟

قالت :

– نعم .

قلت لها :

– وأين زوجكِ ؟ قالت ( إن زوجي موجود في كل مكان من الشوارع )

صمت المذيع وظل ينظر اليها مستغرباً من صراحتها قائلاً لها :

– هاتان أختاكِ بحاجة اليكِ لأنكِ البنت الكبيرة .

قالت وهي تنظر الى المذيع بشزر :

– ماذا أفعل لهن أنا لا أعرف نفسي فكيف أصونهما .

ثم دارت ظهرها وأختفت بين الناس وكانت الدموع تنهمر من عينيها .قلت لأختي الصغرى :

– هنا سيكون بيتنا وستكون هذه الدار منزلنا وعسى الله أن يأتي بأمنا ولكن ذلك رجعٌ بعيد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here