يحتضرون ولكن، على قيد الحياء

امجد العسكري

بقدمين حفظتا الطريق، كان ذلك الشاب يعود لداره سيرا على الاقدام، فالحياة بعقل الفتى ان اليوم كان يشبه البارحة والذي لا يختلف عن الغد، في حلقة الحياة المملة، كانت ساعات حياته تحترق، يعود كل يوم من عمله بعد ان يعلن النهار استسلامه لليل، فيطوي ذلك الطريق الاعوج المليء بالاوساخ على جانبيه كأنها ازهار “الشوكران تسقيها حاويات البيوت كل يوم فتزيدها نتانة، وكلما مرت عليها الريح بعثت براحتها المحبطة للامال، رائحة تأجج نيران الحسرة فتكوي جراحه غصة على ارض وطنة،ع المفعم بالخيرات على الخارطة والمشبع بالخراب واقعا.

يقاطع حديث الفتى مع نفسه اصوات صافرات السيارات المارة بقربة، فيتعالى غبار الطريق في انفه محدث اضطراب وانفعال يكاد يفقد عقله ثم يراجع نفس ويهدأ انين صدره وهو يتصفح صور الشهداء على اعمدة الشارع، تلك الثمار التي لم تنضج بعد، قد التهمتها ديدان الحرب وحشرات القتل، ثم يعود يشكو الفتى لنفسه ما لهذا الشعب كأنه بلا وطنا، من يسير في ارضه لا يملك سوى نعليه ومن يسير في سيارته لا يملك غير ذلك الصندوق الجالس فيه، كذلك من في البيت لا يملك إلا بيته، هم جميعا لم يشعروا بأنهم يملكون وطن، من لايشعر بلذة حب وطنه لا يجد سببا للعيش.

في بلاد ذلك الفتى حيث يزرع الفساد وينمى الخراب والدمار وينتخب الفاجر وينصب الدني جذلانا فرحا يتصفح الوجوه المتملقة من حوله على امل التكرم بفتات الخبز في الحصول على وظيفة، فتطمث الرؤس في وحل الجهل رغم انفها ويغيب ذاتها وتجرد من اسما مفاصل الحرية، لاجل ماذا يجف عرق الخجل في الجبين وتستباح خصلة الشرف وتغتصب، وتذبح المروءة على طريق الارتقاء الى الفشل، في وطن ذلك الفتى تقلب الموازين على اعقابها، وتكتب معادلات التفاعل السياسي ليس كما خطها “جابر بن حيان” بل كما تطيب نفس المارد المتسلط على رقاب اهالي الفتى الذي مازال يدور في حلقة الخضوع الوراثي، فيجسد نظرة “مندل” وحبة الباقلاء.

ياحسرة تلك الامال، كأنها روح “اليسوع” في جوف “مريم” وكهنة قبة البرلمان ترميها بالزندقة والخيانة الوطنية، وطرب وغناء خارج السرب، ثلاثون سنة في عمر الفتى ومازال “أدسن” في رأسه يقيم محاولات اكتشاف كيف يضيء الوطن؟ فبمعيار المجتمع، الاحلام الطافية فوق سطح الاماني تساوي مقدار العمر المزاح بمفاهيم ” ارخميدس” وبتجارب “نيوتن” لا يجد بصيص امل في قوانين البلاد تعيد مجرى الدم الى شراينها.

يقف على باب داره، بعد ان رحل مع “ابن بطوطة” باحثا عن نهاية ذلك الخراب، فيعود بخفي حنين من سر مثلث الدمار، هناك خلف باب داره التي ما انفكت تأن على فراق علمائها ومفكريها ورواد الحضارة فيها، خلف الباب حيث تقطن الوطن الام فاتحة ذراعيها فيرمتي بأحضانها ويبث شكواه وحزنه واسفه وحسرته، على سنين افناها في البحث عن جزيرة العراق المفقود، بين احضان وطنه يهيم عشقه، وتطيب جراحه، ويسكن زفيره ونبضات قلبه تقول؛

بلادي وأن جارت علي عزيزةٌ

وأهلي وأن شحوا عليه كرامُ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here