الكي والاستئصال لاغيرهما

علي علي

بعملية كشف حساب بسيطة في بنك البشائر المفرحة، يتضح جليا أن العراقيين قد أشهروا إفلاسهم فيه، بعد أن بات رصيدهم منها صفرا، ومن المؤلم أن إعلان الإفلاس يشمل متعلقات الفرح وأصنافه ودرجاته جميعها منذ حين، ولعل بعضنا يذهب الى تحديد حقبة هذا الحين بشخص حاكم معين، أو نظام بعينه، وقطعا أول ما يرد الخواطر من حدس عن ذاك الشخص هو صدام، والنظام نظام البعث، وهو أمر لاينكره أحد إلا الذين…!
إلا أن المؤلم والمؤسف أيضا، أن انقطاع البشائر المفرحة لم يتوقف بزوال كابوسه كما هو مفترض، ولم يتغير الحال إلا الى الأسوأ. إذ استحالت حياة العراقيين بظل الشخوص الجدد والنظام الجديد، الى كوابيس تأخذ دور البطولة فيها أشباح باشكال عديدة، فمنهم (المجلبب) ومنهم الـ (أفندي)، ومنهم مدعي المدنية ومنهم الحنان الى البعثية، ومنهم الرجعي ومنهم التقدمي، ومنهم الداعي الى التغيير، ومنهم العائد كالعرجون القديم، ومنهم الراديكالي، ومنهم البارغماتي، وبتحصيل حاصل: (من كل زيج رگعة) ومعلوم ما حال السفينة حين يكثر ملاحوها.
وفي الوقت الذي يشهر العراقيون إفلاسهم في بنك البشائر المفرحة، يزخر إزاءه حسابهم من المفاجآت المحزنة والمبكية برصيد هائل ومتراكم منذ عقود، في ظل مسميات إن كان لها أول فليس لها آخر، منها القديم كالدكتاتورية والحروب والظلم والقمع، ومنها ما استجد كالتهميش والمظلومية والإقصاء والاحتلال والإرهاب. وقطعا بحلول عام 2003 توقع جلنا زوال هذه المسميات كلها، ذاك أن مسببها قد انقشع شخصه -إن كان صدام- واختفى ظله وتبدد حزبه وتشرذمت أزلامه وكل متعلقاته، وإن كان الاحتلال الأمريكي فقد انقضى عهده منذ سنوات، وإن كان اجتياح عصابات داعش فقد انحسرت المساحات المغتصبة، وباتت الأراضي العراقية قاب قوسين أو أدنى من التطهير التام من وجود مجتاح عليها. وكان من المفترض ان يحل محل تلك المسميات مسميات مغايرة، كمسميات؛ الديمقراطية والسلام والأمان والوئام، ليمر بعدها البلد بمسميات الازدهار والرقي والتقدم، وينعم حينها العراقيون بمفردات مثل؛ الرفاهية ودعة العيش، فيرفلون تبعا لهذا بنعم أرضهم، ويتمتعون بخيرات ماتطرحه لهم، ويهنأون بثرواتها، فهل حدث شيء من هذا؟
النكوص والتراجع والتقهقر ومرادفاتها، كانت جني العراقيين من تغيير عام 2003، ومافتئ السلاطين الذين أتت بهم صناديق الاقتراع طيلة العقد ونصف العقد المنصرم، يقذفون حممهم على أم رأس المواطن المسكين، ولا أمل متوقع من لدن هؤلاء في تحسين سيرتهم، الأمر الذي يشحذ همة المواطن على تغييرهم كتغيير معطفه البالي، وتبديلهم كما تستبدل السلع الصدئة، ولعل السنوات الأربعة عشر العجاف رغم قسوتها، تأتي بنتائج إيجابية تغير قناعة الناخب بانتقاء مرشحيه وفق صيغ جديدة، ومعايير مدروسة، لا كما لدغ من قبل مرات ثلاث بسبب حساباته الخاطئة في وحدات القياس.
إذ هناك كثير من قادة البلد من الذين أشار اليهم المواطن بإصبعه البنفسجي، وتوخى فيهم المروءة، وتوسم بهم أن يكونوا الناطقين باسمه، والمداعين بحقه والمدافعين عنه، والذائدين عن حماه، قد خيبوا ظنونه وحساباته، وأثبتوا أنانيتهم في المناصب المكلفين بها، بعد أن ظنوها تشريفا لاتكليفا، وصفقة مربحة لا واجبا مقدسا، وفرصة العمر في الاغتناء لافرصة العمر في دخول التاريخ من باب حكمة القيادة والحسنى بالرعية. وهم بهذا فقدوا كثيرا من مقومات انتخابهم ثانية.
إن الخديعة التي مررها مرشحو الانتخابات السابقة جرحت إحساس العراقيين، أضعاف الجراح الغائرة التي سببها الاحتلال والإرهاب وموقف دول إقليمية وعالمية، إذ هذه المرة صار الأذى كما يقول المثل؛ (الحمى تجي من الكراعين) الأمر الذي لن يفوته العراقيون جملة وتفصيلا، بل هم يرفضونه هذه المرة رفضا مشوبا بالتخوين وانعدام الثقة بمن يمسكون تشريعات البلد؟
لعل تفاؤلي هذه المرة يكون في موقعه، ففي الوسط المجتمعي ممن أخالطهم من شرائح، أرى أن العراقيين عازمون على كنس القاذورات من على كراسي السلطة، ومصرون على إزاحة السيئ والخبيث والمراوغ والخداع والكاذب والمتواطئ والموارب والسارق والمرتشي، من مراكز قيادات عراقه الجديد.
نعم..! هذه المرة ستأخذ ردود أفعال المواطن العراقي شكلا أكثر جدوى من سابقاتها، فهي أقرب للانتفاضة منها الى الرأي والقول والفعل، وإن كان قد قيل فيما مضى إن آخر الدواء الكي، فالحال اليوم يستوجب الكي والاستئصال، بعد ان استنفد العراقيون مع استشراء الفساد وتسلط المافيات وحيتان السرقات، كل العلاجات الوقتية والمعالجات الترقيعية وأنصاف الحلول.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here