أيهما أعلى سلطةً رئيس الحشد التركماني في طوزخورماتو أم رئيس الجمهورية العراقية في بغداد؟

بقلم: د. آزاد عثمان
كان قضاء طوزخورماتو جزءً من محافظة كركوك حتى عام 1976، حيث إستقطعه النظام البعثي البائد في تلك السنة من محافظة كركوك وألحقه بمحافظة صلاح الدين، رغماً عن إرادة سكانه. وقد شكّل الكورد نسبة 54% من سكانه وفقاً لأحصاء العام 1957 المُعتبر. أثناء غزو داعش البربري للمحافظات والأقضية التي فشلت القوات المسلحة العراقية في الدفاع عنها، دافعت قوات البيشمركة عن قضاء خورماتو وعن جميع سكانه بدون تمييز بين الكورد والعرب والتركمان – كما كان الحال بشأن الدفاع عن مدينة كركوك ونصف أراضي وسكان محافظة كركوك المجزأة والمقسمة (من قبل النظام البعثي في عامي 1975/1976) ضد هجمات إرهابيي داعش المستمرة في إعوام 2014-2017. ولكن ماذا كانت مكافأة قوات البيشمركة و الأهالي الكورد في هاتين المدينتين بالذات في 16 اكتوبر 2017؟ لقد تجسّدت المكافأة في هجوم مُباغت سافرعلى قوات البيشمركة المدافعة عنهما بدمائهم الزكية وجهودهم المضنية بحجة الأستفتاء، هجوم سبقه إنذار عنجهي لمدة 48 ساعة، نابع من عدوان ثلاثي غادر مبيت ومخطط له مسبقاً ومنسق مع رئاستي حكومتي ايران وتركيا سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومخابراتياً وإقتصاديا وإعلامياً. وقد سبقه بمدة طويلة الأستيلاء بالقوة على حوالي ثلاثة أرباع مركز قضاء طوزخورماتو، وقتل وقنص وخطف وإستفزازات متعددة ضد المحلات السكنية الكوردية وضد السكان العرب السنّة بل وحتى ضد بعض السكان من التركمان السنّة في الأسابيع التي سبقت الهجوم والحصار والعزل والأذلال الثلاثي (العراقي- الأيراني-التركي). وما حدث في ليلة 15/ 16 اكتوبر وإعتباراً من نهار 16 وفي الأيام التي تلته في قضاء طوزخورماتو، على أثر الهجوم الوحشي لقوات “الحشد الشعبي”، خاصة مسلحي الحشد التركماني الشيعي (أو بالأحرى الآذري الشيعي) المتمركزة هناك منذ أشهر، بالتوقيت مع هجوم الجيش العراقي والشرطة العراقية وجميع ميليشيات الحشد العراقي الشيعي (ماعش) وحلفائها باشراف الجنرال الأيراني المكوكي قاسم سليماني واستشارة رئيس المخابرات التركية (ميت) هاكان فيدان، وبضوء أخضر من ممثل الأدارة الأمريكية في بغداد (ماك كورك) ضد كركوك والمناطق المُستقطعة الأخرى من إقليم كوردستان (من قبل النظام البعثي المُنهار في عامي 1975 و1991)، والتي أصبحت تُدعى فيما بعد ب”المناطق المُتنازعة عليها”، علماً بان النزاع خلقه النظام البعثي كما هو معلوم لدى الدكتور العبادي أيضاً، ومنها التي تم تحريرها بعد سقوط النظام البعثي و من قبضة إحتلال داعش لغاية العام 2014. لقد هاجمت كل القوات المذكورة أعلاه أمام أنظار العالم، وكأن الشعب الكوردي الذي يُعتبر رابع شعب في الشرق الأوسط قد إرتكب جريمة نكراء ضد البشرية جمعاء بتنظيمه إستفتاءً شعبياً سلمياً بشأن حق تقرير المصير على جزء من أرض آبائه وأجداده أي السعي لتحقيق الأستقلال لأقليم كوردستان بالحوار مع العراق والدول الجارة والدول الكبرى إذا نجح الأستفتاء ولعدة سنوات إذا تطلب الأمر ذلك! فهذا الحق الطبيعي للشعوب، الحلال لشعوبهم طبعاً ولتأسيس دول وليست دولة واحدة فقط، يعتبره الحكام الترك والفرس والعرب حراما على الشعب الكوردي، وهم يعتقدون انّه باستطاعتهم قهر إرادة الشعب الكوردي ومنعه من الأستقلال أسوة بشعوبهم والشعوب الحرة الأخرى في العالم الى الأبد. ولكنهم طبعاً متوهمون طبعاً، لأن أرادة الشعوب لن تُقهر. وسيتمتع شعب كوردستان بحقه في تقرير مصيره بنفسه حتماً عاجلاً أم آجلاً، والذين يريدون إغتصاب حقه المشروع هذا الى الأبد سينطحون جبال كوردستان في النهاية. والأستفتاء كما هو معروف هو أرقى أشكال التعبير عن الرأي، وحرية التعبير مضمونة في كل دساتير العالم، خاصةً عندما يكون التعبير سلمياً ولايخل بالنظام والأمن ولا يُلحق أي أذىً بالآخرين، وكسبيل للأستفسار عن جماعة أو شعب للتعبير عن الرأي بصدد موضوع محدد، سواء تعلق ذلك بمشروع عادي أو بحق معين. وقد ضمّنت المادة (38) من دستور جمهورية العراق هذا الحق لجميع المواطنين، حيث تنص هذه المادة على مايأتي: “تكفل الدولة، بما لايخل بالنظام العام والآداب: أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.”، وكل الوسائل يشمل الأستفتاء أيضاً بالتأكيد.
على كل حال فالأعتداءات والجرائم التي إرتكبها بعض مسلحي “الحشد الشعبي” في المناطق الكوردستانية “المتنازع عليها أصلاً مع النظام البعثي” والتي هوجِمت في ليلة 15/16 من اكتوبر 2017 وفي الأيام التي تلتها، خاصة الأعتداءات الصارخة لقوة الحشد التركماني في طوزخورماتو، والتي يرأسه المدعو محمد البياتي، إعتداءات واضحة بحق الأنسان الكوردي و تطهير عرقي سافر بحق السكان الكورد هناك، بالأخص بحق البيشمركة الذين دافعوا عن كل القضاء ضد هجمات داعش الأرهابية والأنكى من ذلك ضد أهاليه الكورد المدنيين العزَل. فلقد تم قتل العديد منهم أثناء الهجوم الغادر، إضافة الى حرق منازل ومحلات الكورد بصورة عشوائية وجائرة، وعلى أثر ذلك تم تشريد ونزوح اكثر من مائة وخمسين ألف من الأطفال والنساء والرجال الكورد من مدينتي طوزخورماتو وكركوك، ويبدوا أن هذا الغدر كان هدفاً رئيسياً للعدوان الثلاثي الغادر ضد الكورد في المناطق المُستقطعة من إقليم كوردستان (من قبل النظام البعثي) لتكملة سياسة وإجراءات التعريب البعثية السابقة. وبالرغم من كل الأعتداءات والجرائم المُرتكبة ضد أبناء وبنات “شعبها الكوردي” لم تتحرك الحكومة العراقية ساكناً، على الأقل لتشكيل لجان تحقيق رسمية وأرسالها الى مدينتي طوزخورماتو وكركوك لمعرفة الحقائق وتحقيق الحق، كما هو مفروض ومطلوب منها كحكومة، إذا كانت حكومة بغداد تعتبر الدفاع عن المواطنين الكورد ضد الظلم من واجبها فعلاً، حتى باعتبارهم كبشر أي من باب الدفاع عن حقوق الأنسان، وتهمّها إتخاذ الأجراءات المطمأنة وتقديم التسهيلات اللازمة لعودة المشردين والهاربين الى ديارهم والعمل على تعويضهم مادياً ومعنوياً، وضمان محاسبة المعتدين و المُقصرين بشأن الفضائع والجرائم المُرتكبة، خاصةً في قضاء طوزخورماتو. وكخطوة أولية لطمأنة المشردين والنازحين وتشجيعهم على العودة الى ديارهم بغية وضع حد لمعاناتهم، إرتأى رئيس الجمهورية العراقية الدكتور فؤاد معصوم أرسال فوجين من قوات حماية رئاسة الجمهورية الى مدينتي طوزخورماتو وكركوك. وحسب تصريح الدكتور عبدالله علياويي مستشار رئيس الجمهورية فقد وافق الدكتور حيدر العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة مبدأياً على الفكرة، ولكنه تراجع عن الموافقة على إرسال تلك القوات لحفظ الأمن الى جانب القوات العراقية الأخرى والمتواجدة هناك منذ 16 اكتوبر، بسبب معارضة مسؤول الحشد التركماني الشيعي المدعو محمد البياتي على هذا الأجراء الأمني الضروري للتهدأة وبالتالي على مبادرة رئيس الجمهورية العراقية بهذا الشأن! لذلك نتسائل عن حق: أيهما أعلى سلطة وأكثر تأثيراً في دولة العراق: رئيس الجمهورية العراقية الدكتور فؤاد معصوم في بغداد أم رئيس الحشد التركماني في طوزخورماتو المدعو محمد البياتي؟ وهل يمكن إجبار شعب كامل على العيش في دولة واحدة بهذه الأساليب الجائرة والبالية، وفي ظل الأستعلاء القومي والتمييز المذهبي؟ وبالأستقواء بدولتين جارتين معاديتين لحقوق لشعب الكوردي الأساسية (السياسيةوالأداريةوالثقافية) فيهما؟ وبرشوة الدول العظمى بإستغلال آبار نفط الرميلة ل(Exxon Mobil) وحقول المجنون ل(Chevron) و(Total) وتحديث آبار كركوك و مضاعفة إنتاجها من قبل (British Petroleum)؟؟ وهل يمكن إخضاع شعب كوردستان الى الأبد بطرق أتاتورك و الشاهنشاه وصدام، أي بمحاولات قاسية ومشتركة لتجاهل حقه كشعب وإلغاء إرادته (حتي في التعبير السلمي المجرد) و إحتلال أرض آبائه وأجداده باحدث أنواع الأسلحة الأمريكية والروسية وبكامل القوات المسلحة العراقية النظامية وغير النظامية و إذلاله وسلب كرامته بالتعاون مع حكام ايران وتركيا في القرن الواحد والعشرين؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here