القسم الثاني
في بداية عقد السبعينات إبتكر نظام البعث طريقةً إرهابيةً جديده لتخويف الناس / بعد أن أخذت أجهزة إعلامه تحذر يومياً من < أبو طبر > الذي يسطو على البيوت ويقتل ساكنيها بالطبر التي تشبه السكين البابليّه / فكانت العوائل البغداديه تقفل أبواب بيوتها جيداً وتذهب بعد آذان المغرب الى السطوح لتكون قريبةً من بعضها خلال هذه المحنةِ المفتعله .
ـــ حدث في منتصف إحدى الليالي أن سمعت إحدى النساء دوي ملاحقه وأصوات داخل بيتها فأطلقت صرخت الاستغاثة المعروفة بالحرامي وإستيقظ الناس مرعوبين / على الفور اتصل احد الجيران هاتفياً بالشرطة وقال لهم : [ أبو طبر في بيت جارنا / إلحقونا بسرعه ! ] .
ـــ بعد مرور دقائق جاءت الشرطه ودخلت البيت المذكور وبعد التفتيش وجدوا أن مصدر كل هذه الأصوات قطتان تشاجرتا تحت جنح الظلام / وبفعل الشجار سقطت على الأرض بعض حاجات البيت المعلقه وأحدثت هذا الخوف الذي أرعب الجميع !
*للسطح حكايات طريفه في بعض مدن العراق :
ـــ ففي مدينة العمارة وتوابعها يضع القرويون في ليالي الشتاء الباردة بسطوح دورهم [ طشتاً ] مملوء بالماء يتحول عند الصباح الى ثلج يطلقون عليه ” الجليد أو الجحيل ” يستعملونه في صناعة القيمر .
ـــ وفي مدينة النجف يستضيف بعض الأثرياء والموسورين في سطح بيت الضيافة < البراني > الخاص بهم المجالس الحسينيه ومناسبات الأفراح والأحزان في الصيف / أما أولئك الذين يبيعون الطرشي للجمهور/ فإنهم يُعلبون المواد الأوليه الخاصه بالطرشي بداية الأمر في [ البستوگه الكبيره ] التي تنضج بعد مرور شهرين أو أكثر/ تجد سطوحهم تحوي على عدد كبير من هذه ” البساتيگ ” بعيدةً عن أعين الناس !
ـــ في فصل الصيف تستضيف الفنادق البغداديه الواقعه منها في جانب الكرخ نزلاءها من المسافرين في السطوح / والطريف أيضاً ان بعض حمامات بغداد الكبيره تستخدم سطوحها لنوم عمالها وآخرين من المسافرين / أشهرها [ حمّام حيدر ] الواقع في شارع المستنصر المكنى بشارع النهر/ حيث كان سطحه واسعاً جداً يأوي عدداً كبيراً من عمال الصياغة المندائيين < العزاب > من سكنة المحافظات الجنوبية مقابل 150 فلساً بالشهر !
ـــ بعد ثورة تمّوز 1958 كان والدنا المرحوم من أوائل التجار النجفيين الذين أدخلوا التلفزيون الى البيت / وكان في وقتها هذا الضيف الجديد الطارئ غير مرغوب فيه بالمدينة المقدسه / وحتى تظهر الصوره بشكل جيد يجب أن تعلق الهوائي الخاص به [ الأريل ] في السطح / في الأشهر الأولى تحول أريل التلفزيون الى فضيحةٍ لأنه معلق في السطح العالي وظاهر للعيان لكل من يمرّ جنب بيتنا من كل الشوارع المؤديه إليه / عندها قاطعنا العديد من المتاجرين بالدين وحجتهم في ذلك إن الشيطان واقف على سطح دارنا / ومن مهازل القدر بعد مرور عقد من الزمن وقف ” الشيطان ” على سطوح بيوتهم !
* صفحات الذاكرة العراقيّة تقول :
السطح أفضل مكان يلتقي فيه المراهق العاشق مع بنت الجيران / فكل يذهب لسطح بيته ويكلم الآخر من خلال التيغه الفاصله بينهما ولا أحد من الأهل يعلم بذلك / الولد المراهق يذهب بحجة القراءة وتحضير الدروس والبنت المراهقه بحجة نشر الغسيل أو القراءه / فتنشأ علاقة الحب الأولى عبر الجدران يصحبها الخوف والحذر / الكثير من الرجال الذين بلغوا مرتبةً عاليه في الأدب والفن وحتى السياسه خاض تجربة حب بنت الجيران سراً وربما تزوجها لاحقاً والله أعلم .
ـــ في السطح وتحت ضوء القمر أو على ضوء الفانوس / كتب كبار شعرائنا العراقيين القصائد الرائعه التي رُزقت الخلود فيما بعد والأسماء هنا كثيرةٌ لا يمكن ذكرها في هذه العجاله .
ـــ المطرب الكبير سعد الحلي في بداياته / كان يجري مع فرقته الموسيقيّه < بروفات > أغانيه في إحدى السطوح بسبب فقر الحال .
ـــ السطح أيضاً ملاذ آمن للمعارض السياسي المطارد من قبل أجهزة الأمن العراقيّه القمعيّه في مختلف العهود / فعندما يُداهم رجالها البيوت الآمنه ــ بغير أدب ــ يتعاون أبناء الحاره في تهريب ” المسكين ” من سطح الى آخر لمسافةٍ بعيدةٍ حتى ينجو من حبل المشنقه / لتبقى بعدها أجهزة السلطه في حيرةٍ دائمه !
ـــ حدثني من أثق به أن العلامة الراحل الدكتور مصطفى جواد / إعتاد قبل نومه في السطح أن يقرأ على ضوء القمر بعضاً من صفحات كتبه المبعثره هنا وهناك / حدث في إحدى الأيام أن إستيقظ منتصف الليل لقضاء حاجته / وعندما أراد النهوض من السرير لغرض الذهاب الى الحمام ضربت رجله بالصدفه كتاباً إفتقده مدةً طويله فطالما فتش عنه في أركان بيته ولم يجده / فرح بالكتاب وظلّ يقرأه حتى طلوع الشمس
*
في الأمسيات الرمضانية يجوب أطفال والصبيان ازقة الحاره / يقفون على باب كل بيت وهم ينشدون :
ماجينة ياماجينا
حل الجيس (الكيس) ونطونا
تطونة لو نطيكم
بيت مكة أنوديكم
ياهل السطوح
تطونا لو اروح
ربّ العالي يخليكم..
يقوم أهل الدار بأعطائهم الحلوى أو الجكليت لكنهم يفضلون النقود / وبعض البيوت تتضايق من كثرة تردد صبيان الماجينا / فيقوم أولادهم برش الماء على الصبيةِ من السطح / وهنا تبدأ أُنشودة الإحتجاج :
جبّوا علينا الماي بيت الفُـكَر
عباس العلوي
السويد في : 21 / 11/ 2017
——————————————————————————————————————————————————————————————–
ملاحظة : نشر هذا المقال < بشكل مختصر > لأول مرة في جريدة بغداد الصادرة في لندن يوم 23 /8 / 2002 واذيع في عدد من الإذاعات العراقية