شناشيل : مَنْ أقلُّ فساداً.. الإسلاميّون أم العلمانيّون؟

عدنان حسين

[email protected]
كيما يردّوا عنهم وعن أحزابهم تهمة الولوغ في مستنقع الفساد الإداري والمالي، اختار بعض القياديين في الأحزاب الإسلامية المتنفّذة في الدولة منذ 2003، ، القول بإن النسبة الأكبر من قضايا الفساد المنظورة من هيئة النزاهة والقضاء متّهم فيها موظفون في الدولة من المدنيين والعلمانيين وليس من الإسلاميين.
هؤلاء القياديون تصرّفوا، كما هم دائماً، على طريقة أنّ الحقيقة كلّها ملك يمينهم، وأنّ الباطل لا يأتيهم من بين أيديهم أو من خلفهم أو من أيّ اتجاه آخر، بوصفهم وأحزابهم إسلاميين! فلم يقدّموا لنا إحصائيات ووثائق تصادق على كلامهم. لكنّهم بالطبع لن يعدموا الوسائل لتقديم مثل هذه الإحصائيات والوثائق الممهورة بالأختام الرسمية، على غرار ما فعلوه مع الآلاف من كوادر وأعضاء أحزابهم الذين عيّنوهم في مؤسسات الدولة (بمن فيهم وزراء ووكلاء وزارات ومدراء وسفراء..)، أو أدخلوهم الجامعات، بشهادات ووثائق مزوّرة، الكثير منها ممهور بالأختام الرسمية!
المدنيّون والعلمانيّون في هذه البلاد وفي غيرها ليسوا مُبرّئين من الفساد، فكلّ عاقل يعرف أنّ الفساد كإلارهاب لا دين له ولا مذهب ولا عقيدة. لكنْ بالوسع القول إنّ الإسلاميين يتحمّلون أكثر من غيرهم المسؤولية عن الفساد المتفشّي في العراق على نحو خارق الذي دمّر ما سَلِم من العراق من حروب صدام حسين وسياساته الكارثية، بل دمّر مستقبل العراق على المدى المنظور وكان السبب الأساس في استجلاب الإرهاب.
الإسلاميون يتحملون المسؤولية الرئيسة عن الفساد ،لأنهم يُمسكون بالمفاصل الرئيسة للدولة (رئاسة الحكومة، رئاسة مجلس النواب، معظم الوزارات السيادية، إدارات المؤسسات والشركات العامة، الهيئات “المستقلّة” إدارات المحافظات ومجالسها)، ولأنّهم احتكروا أيضاً معظم الوظائف الوسطى وسعوا للاستحواذ على كامل الجهاز البيروقراطي، ولم يقرّبوا إليهم في مكاتبهم من خارجهم إلا المتزلّفين والنفعيين والوصوليين ليكونوا أعواناً لهم وأدوات في ممارسة الفساد. وهم بحكم مواقعهم النافذة في جهاز الدولة والهيئات “المستقلة”، عملوا على الحؤول دون الكشف عن عمليات فسادهم.. سعوا دائماً لتقديم عناصر من خارج أحزابهم تورّطوا معهم في الفساد ليكونوا أكباش الفداء لهم، وعلى هذا استند قياديو الأحزاب الإسلامية بدعواهم إلى أنّ المدنيين والعلمانيين المتّهمين بالفساد أكثر من الإسلاميين، ذلك لأنّ الإسلاميين، الذين يوجد من يحول دون فتح ملفّات فسادهم، هم أكثر من المدنيين والعلمانيين المكشوفين سياسيّاً وإداريّاً.
صلاح عبد الرزاق، القيادي في حزب الدعوة الإسلامية، مثال، فمنذ أكثر من عشر سنين كان الكثيرون يرفعون الصوت منبّهين إلى فساده الفاقع، وفساد غيره في محافظة بغداد وفي سائر دوائر الدولة، بيد أنه كان يحظى دائماً بدفاع مستميت من قيادة حزبه خصوصاً، وقد وصفه أحد زعماء حزبه بأنه “الأنزه” في حزب الدعوة.. الآن الحزب يُعلن على رؤوس الأشهاد أنّ عبد الرزاق فاسد حتى النخاع. هذه النتيجة ما كان لها أن تحصل لولا أنّ قياديّاً سابقاً في حزب الدعوة قد فضح بالوثائق فساد محافظ بغداد السابق، فلم يترك لقيادة حزبه أن تتستّر أكثر عليه، ولكم القياس كم من الإسلاميين تتستّر أحزابهم على فسادهم.
في الأيام الاخيرة، ضرب رئيس الوزراء حيدر العبادي على صدره غير مرّة، متعهّداً بحملة على الفساد والفاسدين تشبه الحملة العسكرية على الإرهاب والإرهابيين… الأيام القادمات ستبلّغنا الخبر اليقين عمّا إذا كان الفاسدون الإسلاميون أقليّة (مسكينة) بين الفاسدين الذين لاعدّ ولا حصر لهم في هذه البلاد المنكوبة.
ما يهمّ العراقيين جميعاً أن تندلع الحرب الجدّية على الفساد، وعلى الفاسدين، ولا يهمّ إن كانوا بأكثرية إسلامية أو علمانية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here