في الأنبار.. تجارة الخمور كانت محرّمة وأصبحت مشروعة

كمال العياش

تجارة جديدة ظهرت في بعض مدن محافظة الأنبار، كان مجرد التفكير بها جريمة عشائرية ودينية ينبذها المجتمع، وكان من يتاجر بها يعرض نفسه للخطر الحتمي الذي في الغالب ينتهي بالتصفية، إنها تجارة الخمور.

لم تتحرّر مدن محافظة الأنبار (110 كلم) غرب العاصمة بغداد من سيطرة جماعات داعش فقط، بل تحررت من قيود وعادات كانت تحكم سيطرتها تماما، وإن كانت أعراف اجتماعية توارثها السكان المحليون، الا أنها بدأت تتلاشى، ومنها افتتاح محال بيع المشروبات الكحولية، بعضها في العلن، والبعض الآخر مازال يعمل في الخفاء.

عند دخولك مدينة الكرمة إحدى مدن محافظة الانبار (50 كلم) غرب العاصمة بغداد، ستشاهد متجرا ليس بكبير، الا أن أبوابه مشرعة يعرض بضاعته من المشروبات الكحولية دون خوف من مساءلة أو حياء من مجتمع، مشهد قد لا تراه في السابق بهذه الصورة، الا انه لم يعد غريبا لاسيما وانك تشاهد عددا من المركبات والأشخاص يترددون بانتظام على هذا المتجر، الذي أصبح علامة فارقة في تلك المنطقة.

احمد أبو علي (44عاما) احد السكان المحليين لمدينة الفلوجة، يرى أن لافتتاح هذه المحال ايجابيات كثيرة على الرغم من انه ليس من متناولي المشروبات الكحولية، أبو علي تحدث لـ”نقاش” قائلا ان “افتتاح مثل هذه المحال وان كان ينافي شرعنا وتقاليدنا، الا أنها إشارة على أن المتشددين ومن يساندهم ومن يتأثر بهم أصبحوا خارج كفة المعادلة، ولم يعد لهم أي تأثير في المدينة”.

ويضيف أيضاً “لقد عشنا لثلاث سنوات في العاصمة بغداد وفي شمال العراق، وكنا نرى تلك المحال بالقرب من المناطق التي نسكنها أثناء فترة النزوح، كانت مؤشراً على أن تلك المدن تنعم بالأمن والأمان، وكل له دينه، ومعتقده، ومبادئه، التي تسيطر على حياته، تمنينا أن تكون مثل هذه المظاهر داخل مدننا ونستبدلها بالمظاهر الدينية الكاذبة، التي أدت بنا الى نزوح وضياع طيلة الفترة الماضية”.

إبراهيم عبدو، (38عاما) الذي يقطن مدينة الفلوجة، وجد ضالته أخيرا ولم يعد يذهب الى العاصمة بغداد لشراء كميات كبيرة من المشروبات الكحولية تكفيه ربما لأسبوع أو أسبوعين، بعد تعدد تلك المحال والأشخاص الذين بدأوا يتاجرون بها.

عبدو كان في غاية الفرح والسعادة عندما تحدث لــ”نقاش”، وقال “في السابق كنا نذهب الى العاصمة بغداد لنشتري ما نحتاج إليه من مشروبات، ونقوم بإخفائها في أماكن متعددة داخل السيارة، تلافيا للمضايقات التي قد تواجهنا من أفراد نقاط التفتيش التي في الغالب تقوم بإتلافها، أما اليوم فانا اشتري ما احتاج إليه يوميا وأمام أنظار القوات الأمنية”.

ويقول أيضا “وجود هذه المنافذ داخل مناطقنا يوفر علينا الجهد والأموال، التي كنا ننفقها في السابق عند رحلتنا المكوكية ونحن نشبه الى حد ما الذين يقومون بتهريب الأشياء الممنوعة، علما أن القانون العراقي لم يمنع المشروبات الكحولية، وليس هناك قانون يجرم من يتناولها داخل المنزل أو الأماكن المخصصة لها”.

ولأنها تجارة مربحة وتباع مفرداتها بأضعاف سعرها الحقيقي، برز عدد من الأشخاص الذين تمكنوا من بناء علاقات متعددة بين الزبائن وأفراد أمنية، ليتمكنوا من تأسيس منفذ بيع غير رسمي، لاسيما في مدينة الرمادي والفلوجة.

يحيى درويش، (44 عاما) اسم مستعار لأحد السكان المحليين في مدينة الرمادي، يعمل سائق سيارة أجرة بين العاصمة بغداد ومدينة الرمادي، استثمر علاقاته الطيبة مع القوات الامنية المتواجدة في نقاط التفتيش على طول طريق سيره، وبدأ يلبي طلبات زبائنه من خلال هاتفه النقال.

درويش تحدث لـ”نقاش” قائلا “بدأ الأمر معي عندما كلفني احد الأصدقاء بان اجلب له معي قنينتين من نوع (فودكا)، وعند عودتي ليلا وجدته بانتظاري، وأعطاني ضعف السعر الذي دفعته ومعه الأجرة الكاملة للمركبة، بعدها أصبح الأمر طبيعيا وتطور سريعا، حتى بدأت اجلب معي كميات كبيرة، وأقوم بتوزيعها على عدد من الأشخاص ومعارفهم”.

ويقول أيضا “تطور الأمر معي حتى أصبحت اعتمد كليا في مشاريعي المستقبلية على ما تدره لي هذه التجارة من أموال، وان كان الأمر لا يخلو من المخاطرة والمغامرة، الا أنني تمكنت من تأسيس عمل جديد، له زبائنه من كافة طبقات المجتمع، بينهم الضابط، والمهندس، والعامل وغيرهم من شرائح المجتمع”.

رواج هذه التجارة وكثرة زبائنها، شجع عددا من المتخصصين في هذا الميدان الى الإسراع في تأسيس منافذ ومخازن جديدة داخل محافظة الأنبار، لاسيما مدينة الرمادي مركز المحافظة.

اوات هيوا (54عاما)، يقطن في العاصمة بغداد، أنجز مؤخرا تصريحه الخاص بتجارة وبيع المشروبات الكحولية، وهو في طور شراء عقار داخل مدينة الرمادي ليتمكن من إنشاء متجره الجديد.

هيوا تحدث لـ”نقاش” قائلا إن “بعض الزبائن الذين يأتون إلى بغداد، تحدثوا لنا وشجعونا على افتتاح متجر في مدينة الرمادي، بسبب أن المحافظة لم تعد كالسابق، وقد خلت من المتشددين وهي الآن تتنفس الحرية”.

ويضيف هيوا “من خلال اطلاعنا وجدنا أن غالبية زبائننا يحصلون على المشروبات الكحولية من العاصمة بغداد أو من كردستان، الأمر الذي شجع عددا من الباعة غير المرخصين، على بيع المشروبات الكحولية من خلال منازلهم لبعض الأصدقاء والمعارف، وأصبحوا منافسين لنا يستغلون الزبائن بأسعار قد تصل الى أضعاف السعر الحقيقي”.

أما عبد الرزاق الفوحان، (48 عاما) وهو احد السكان المحليين لمدينة الرمادي، يرى أن افتتاح محال المشروبات الكحولية وتسهيل التصاريح الخاصة بها في محافظة الانبار، هو استهداف الطابع العشائري والديني والاجتماعي للمحافظة.

الفوحان، تحدث لــ”نقاش”، قائلا ان “عملية منح التراخيص والإجازات لتسهيل تجارة المشروبات الكحولية في مدن محافظة الانبار المعروفة بالتزامها الديني والعشائري، هو محاولة للنيل من هذه القيم التي كانت ومازالت علامة فارقة لهذه المناطق”.

ويضيف أيضا “نحن نعلم أن عددا كبيرا من أبناء المحافظة يذهبون الى بغداد أو محافظات أخرى للحصول على هذه المشروبات، لكن ليس من المنطق أن نسمي عملية افتتاح هذه المحال داخل هذه المحافظة حرية شخصية، بل تسهيلها أمر يعد في غاية الخطورة على السكان المحليين، الذين سيشاهدون ما حرمه الله، يباع في العلن ويحظى بدعم الحكومة، دون رد أو تعليق”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here