فساد غير منظور !

محمد عبد الرحمن

ليست هي المرة الاولى التي يعلن فيها عن التوجه الى محاربة الفساد. فهل تتسم دعوة واعلان السيد العبادي بالجدية هذه المرة ؟! من المؤكد ان لا احد يستطيع القول ان المهمة سهلة، وانها ستتحقق بمجرد الاعلان عنها، فقد تسرب الفساد وعشعش في جميع مفاصل الدولة، فضلا عن تغلغله في المجتمع بهذا الشكل او ذاك .

لم يعد الفساد يتعلق بحجم المال الذي يدس في يد المرتشي فقط، فقد تعددت الاشكال والصيغ، ومنها غير المنظورة. على سبيل المثال :

– الاستهتار بمعايير الوظيفة، واسنادها الى اشخاص غير كفوئين كلفوا خزينة الدولة الكثير لجهلهم وعدم درايتهم وسوء ادارتهم. وان كانوا من الفاسدين فتلك الكارثة بعينها .

– تضخيم جهاز الدولة بالاقارب والمريدين والمطبلين، من دون الحاجة الفعلية لهم . والحقيقة، الا ما ندر، هي ان التعيينات في الدولة تتم (بالواسطة) او ما انتشر اخيرا على نطاق واسع: بالشراء، وهناك وزارات اصبحت معروفة بذلك ولها الريادة فيه. ومن المؤكد ان رئيس الوزراء الذي اكد سعيه الى ان تكون الحملة التالية بعد دحر داعش، حملة تصديه للفساد والفاسدين، يعرف ما نقول جيدا، بل وفي ما يخص بعضها جرت تحقيقات لم تستكمل ! والصورة اكثر قتامة عند الحديث عن اصحاب الدرجات الخاصة، التي تكاد تحتكرها الآن القوى المتنفذة، بل بعضها فقط، وبضمنها السلطات الثلاث. فهل تحتاج هذه السلطات والوزارات الى هذا العدد الكبير من المستشارين مثلا؟ وما الذي يقوم به هؤلاء، واية استشارات يقدمون ؟

– اعداد الفضائيين، ومن ذلك ايضا في الحمايات، وفي مختلف المستويات، و كل السلطات. وقد وصل العديد منها الى افواج، والغريب انها تابعة لمن يسكنون في المنطقة الخضراء المحمية جيدا ولا يخرجون منها الا لماما !

– الايفادات غير الضرورية للمسؤولين في الوزارات والمؤسسات، والاعداد الكبيرة منهم التي يتم ايفادها، اضافة الى التعمد في اطالة مدد الايفاد حتى يصل بعضها الى شهور. والامثلة موجودة، وتكلفتها بالنسبة للدولة كبيرة وخاصة بالنسبة الى النواب والوزراء والوكلاء والمستشارين والمدراء العامين.

– نفقات مؤسسات الدولة، رغم قانونيتها شكلا، فان الكثير منها لا مسوغ له، خاصة في الاثاث واغداق العطاءات والمكافئات من دون مبرر .

– اقامة الفعاليات الاستعراضية التي لا نفع فيها، سوى الدعاية والتسويق لاصحابها والقائمين عليها .

– الفساد المستشري في بعض الشركات ذات التمويل الذاتي والرابحة، والحديث هنا يخص الدرجات الوظيفية واستحداثها، فهي من صلاحيات الوزير المعني، وقد اصبح معروفا الآن ان البعض يستخدمها على نحو سيء تماما .

– ولعل من حالات الفساد التي عُدت “اخطر حالة فساد اداري في التاريخ الحديث “ما اعلنه تقرير وزارة النفط في اذار 2015 حول الهدر والاهمال وسوء الادارة في عمليات انتاج النفط، وقدرت الخسائر بسببه بنحو 14.5 مليار دولار بين عامي 2011 و 2014 . فيما يرى مختصون انه يفوق تريليون دولار منذ عام 2006 !

– وهناك الملف الاخطر والكبير ذو الصلة بكارثة احتلال داعش لعدد من محافظات ومدن الوطن، فبالاضافة الى الخسائر البشرية اعلن رسميا ان الخسائر المادية الناتجة عنه تفوق100 مليار دولار !

هذه عينات من صيغ الفساد غير المنظورة، او كما اسماها رئيس الوزراء “غير المباشرة”، فهل من اجراء واحد يشمل الحيتان ويبرهن على جدية التوجه ؟!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here