طالما لم ينتهي فكريآ هو باق عسكريآ

طالما لم ينتهي فكريآ هو باق عسكريآ
الأفكار هي التي تحمل السلاح و ليس العكس و هي التي تقتل و ليس السلاح الذي هو أداة تنفيذ فقط و مادام الفكر المتطرف المتخلف الذي يدعو الى قتل الآخر لمجرد الأختلاف في الأراء و العقائد و مادامت تلك الأفكار حبيسة الكتب و الرفوف و لم تفتح تلك الصحائف بعد و لم تنقح و لم يتمكن جهابذة العلوم الدينية ( المعتدلين ) من تفنيد و دحض اراء المتطرفين بالحجة المقنعة و البرهان القاطع و الدليل المتماسك ان استشرت تلك الأفكار و المعتقدات التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ( الألهية ) و بالتالي فأن كل المخالفين و المعارضين اعتبروا كفارآ مارقين عن الدين و عصاة لأوامر الرب لذلك وجب قتلهم و التنكيل بهم حسب القوانين التي يؤمنون بها و التي يجب عليهم تطبيقها رغم القسوة و البشاعة التي تعتريها الا انها تعليمات سماوية تستوجب الطاعة و التنفيذ و في ذلك مراعاة لأوامر الخالق و فوزآ بالجنان التي وعد بها .
كان احد اسباب ظهور و نشؤ المنظمات الدينية المتطرفة هو احتلال القوات السوفيتية لأفغانستان و التي جوبهت بمقاومة شديدة من الشعب الأفغاني بدعم و اسناد المخابرات الغربية و بالأخص منها الأمريكية التي درست كتب الفقه الأسلامي القديمة بعمق و عناية بالغين و استخلصت منها في النهاية تنظيم مجموعة من ( البشر ) عديمي الرحمة و الشفقة يقتلون و يذبحون المخالفين لهم بكل راحة و عدم تأنيب من ضمير او شعور بالأثم و كانت هزيمة الجيش السوفييتي و انسحابه المهين من أفغانستان و الأنتصار الباهر الذي حققه ( المجاهدين الأفغان ) جعل المارد الأرهابي يخرج من قمقمه منشيآ و منتفخآ بذلك الظفر المبين معتدآ به و متيقنآ ان لا استطاعة لأي قوة في العالم مهما عظم شأنها و قوت شوكتها من الوقوف بوجهه و التصدي لأهدافه و احلامه في احياء دولة الخلافة الأسلامية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي صنعته و مدته بمقومات العيش و الحياة .
كان الرهان على الحل العسكري وحده في القضاء على تنظيم ( القاعدة ) و الذي اعتمدته الأدارة ألأمريكية السابقة في عهد الرئيس ( اوباما ) قد اصابه الفشل الذريع و الأندحار المريع في اعتبار الأشخاص فقط هم مصدر الخطر و القلق دون الأفكار و المعتقدات السلاح الذي يتحول به الأشخاص من اناس طبيعيين اسوياء الى مجرمين منحرفين و قتلة بلا ضمير .
استنادآ على تلك الفرضية في ان التخاص من الأفراد بقتلهم يقلص من انتشار الأفكار المتطرفة و التي اخذت بها الأدارة الأمريكية السابقة ( اوباما ) من دون معالجة العقائد و الأفكار التي تدرع و تمترس بها اولئك الفدائيين ما قاد الى البحث المضني عن القائد الأسطوري لتلك الجماعات و الذي بدأ يأخذ بالأعتدال نوعآ ما و يبتعد قدر المستطاع عن العنف و القتل المبالغ في عشوائيته و همجيته للأيقاع به و قتله و هذا ما حصل فعلا حين اعلن الرئيس الأمريكي السابق شخصيآ عن قتل زعيم تنظيم القاعدة ( اسامة بن لادن ) الذي اعتبره نصرآ كبيرآ و ان كان ذلك من الأخطاء الفادحة لتلك الأدارة و الذي ادى قتل الزعيم الروحي لكل التنظيمات الأرهابية و قائدها الأوحد بلا منازع ( بن لادن ) الى تشظي تلك الحركة الى عدة جماعات متطرفة و عدة زعامات منتشرة و مبعثرة و من المستحيل التفاوض معهم مجتمعين ان دعت الضرورة لذلك .
كان من ابرز مظاهر التشرذم و الأنشقاقات التي اعقبت مقتل ( بن لادن ) هو ظهور زعماء كثر ابرزهم زعيم جديد من اهم مميزاته و علاماته الفارقة هي القسوة الشديدة و الأسراف في القتل العشوائي غير المبرر مستندآ في اعماله الهمجية تلك على النصوص الدينية المدفونة في الكتب القديمة و خلو الساحة الجهادية المسلحة من الزعيم ( ذو الهيمنة المطلقة ) و الذي تمت تصفيته بأوامر مباشرة من ( اوباما ) فكانت ( داعش ) الوجه الأكثر قبحآ و بشاعة من اولئك الذين سبقوها بالجهاد و التي اخذت في التسابق و التنافس مع اقرانها من المنظمات الأجرامية المرادفة ليس في اعداد القتلى و الجرحى الذين توقع بهم فقط بل في ( التفنن ) في حز الرقاب و قلع العيون و قص الأيادي و الأرجل و تقطيع الأوصال و الأغراق و الأحراق و غيرها من اساليب القتل الهمجية في محاولة لأسكان الرعب و الخوف في نفوس المخالفين و اجبارهم على الخنوع و القبول و التسليم بما هو قائم وفق النظرية المتوارثة عن الأجداد ( اسلم تسلم ) .
المجهود الفكري في تفنيد تلك العقائد المتطرفة و الأفكار الأقصائية التي تدعو الى نبذ المخالف و تصفيته جسديآ بالقتل المتنوع الطرق و الأساليب يكون اكثر صعوبة و مشقة من ذلك ( الحل ) العسكري الذي يعتمد التصفية الجسدية للمؤمنين بالأفكار و المبادئ الأرهابية فالمعضلة هي في مناقشة الكتب الدينية و نصوصها الغير قابلة للنقد او التصحيح ( حتى ان قسم من كتب الحديث تعتبر عند البعض مقدسة لا يجوز المساس بها ) لكن الحل لهذه المشكلة يكمن في تفنيد التفسير المتشدد للنص الديني و دحضه بتفسير و شرح آخر اكثر اعتدالآ و اقل حدة على ان يكون مفهومآ و مقنعآ للعامة من الناس بالبراهين و الأدلة الواضحة و الحجج الدامغة و ان تكون تلك الأطروحات المناهضة للتفسير المتطرف صادرة عن مرجعيات دينية معتبرة و مرموقة و لها مكانتها المحترمة عند اتباعها و لها الكلمة المسموعة عندهم و يلتزمون بالتعليمات و التوجيهات الصادرة عن تلك المرجعيات عندها يمكن الحد و ايقاف مد الأفكار و العقائد التي تذهب الى اقصاء الآخر جسديآ بالقتل و الفناء كونه من معتنقي فكر آخر او معتقد مخالف و ذلك في تجاوز فظ و صريح للحديث النبوي ( اختلاف امتي رحمة ) .
حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here