رمزية ( حجر ) في قصائد الشاعر يحيى السماوي

رمزية ( حجر ) في قصائد الشاعر يحيى السماوي
العطاء الشعري للسماوي الكبير , يستمر بتوهجه المضيء والمشع بالدهشة والابهار , ويظل صياد متمرس في حقل الجمال الشعري , في اصطياد المفردات اللغوية , ليضيفها الى قاموسه العشقي , بعدما يدخلها في مختبر الولادة والانبعاث , ليبث فيها روح جديدة من ديناميكية الابداع , ليجعلها مشحونة , بالطاقة والقوة والقدرة , في الاداة والتعبير , نابضة بفاعلية الخلق والحركة الايحائية والرمز الدال , والفعل التعبيري المدهش , هذه سمة الابتكارات الخلاقة , التي هي اعمدة واركان اساسية في سمة الاسلوبية الشعرية الحديثة , التي يتميز بها السماوي وتجعله يتربع في قمة الشعر الابداعي الحديث , بشكل مرموق , فأنه يحمل صفة النحات والرسام والعالم اللغوي والخالق البراعة الشعرية , والمتخيل الشعري بأفاقه الشاسعة التي ليس له حدود . ان الخلق الجديد للمفردات التي دس بها الروح النابضة , في الانبعاث الجديد , تملك القدرة الابداعية , على اعطى وهج تعبيري جديد خلاق , فالسماوي عنده القدرة الهائلة , بجعل المفردات اللغوية واللفظية , عجينة لينة , سهلة الانقياد والانصياع والمطاوعة , ان يشكل منها مفردات تعبيرية , غير مطروقة ومألوفة في القصائد الشعرية , التي تملك قوة التأثير , في الوقع المحفز بالاثارة والاستفزاز , في سبيل ايقاظ الحواس المحسوسة وغير المحسوسة , في جرسها المدوي والرنان في اذآن الذات العامة , فهذه المفردات بثوبها الجديد تملك الدهشة الباهرة في الصدى الرنان . مثل ماخلق مفردات عشقية , لاول مرة تطرق في الرؤى الشعرية مثل . مفردة ( صوفائيل ) حكيم العشق . و(عشقائيل ) وحي العشق . في مملكته الحلمية للعشق , واستخدمها في توظيف جمالي غير مسبوق في القصيدة الشعرية . هذه الديناميكية الخلاقة في في الابدع . كرد فعل , لتيار الموجه السائدة , الذي عصف في الواقع والوجود , في مخالب العقلية الدموية . الغارقة في الشيزوفرينا في السادية الوحشية , التي لبست لبوس الدين . زيفاً وظلماً ونفاقاً , في مفردات منحرفة عن معناها الحقيقي الاصلي , مثل . البسملة والحوقلة والحمدلة والعبدلة … وغيرها التي اصبحت ادوات وافعال اجرامية , من ذئاب داعش الوحشيين , . وها يخلق مفردة جديدة لردالفعل المعاكس على قراصنة اليوم . بأفعالهم اللصوصية في السحت الحرام , وعلى مفرداتهم التي انتجوها من عقليتهم الشيطانية . مثل ( العلوسة والحلوسة وداعوشة وعضوضة وقرضضة . وغيرها ) فهو يخلق مفردة ( حجر ) محملة بركام وتكدس وتكلس , الآلآم والاحزان والمعاناة , وهي ايضاً رد فعل على القراصنة . الذي ارجعوا العراق , الى العصر الحجري او الجاهلي , في عقليته المتخلفة والظلامية . لذلك يلبس مفردة ( حجر ) بثوب فسائل الشجر , او ثوب الشجن , او يغرقها في الماء والندى , لتخرج , غارقة بالليونة والرقة , مبللة ورطبة بالندى , ومحملة بالشجن والاحزان . لذا كثرت القصائد في الفترة الاخيرة مشحونة في الدلالة والتعبير الرمزي البليغ . مثل . فسائل من حجر . ندىً من حجر . شجن من حجر . ماء من حجر . اشواك برية من حجر . هذا الخلق التعبيري الجديد المركب , الذي يجمع التنافر والتضاد , بروحية واحدة ( فسائل – حجر ) و ( ندى – حجر ) و ( شجن – حجر ) و ( ماء – حجر ) و ( اشواك – حجر ) . ويوظفها في اغراض متعددة ومتنوعة , نتلمسها بعمق في هذه المقاطع الشعرية
1 – لابد من مدخل الى عمق وجدان الشاعر , بحواسه الروحية والصوفية , المشتعلة الى التقرب الى الله . لمعرفة الخوالج التي تفور وتغلي في اعماق الروح التي تسلك الطريق الى الله , لتفتح لنا الطريق , لتعرف على المضامين الروحية والصوفية , والرؤية الفكرية للمفردة , التي خلقها بثوبها الجديد . حجر :

الـلـهُ فـي قـلـبـي

فـمـا حـاجـةُ عـيـنـيَّ الـى رؤيـتِـهِ ؟

فـهـل تـرى عــيـنـايَ نـبـضَ الـقـلـبِ ؟

هـل تـرى رنـيـنَ الـصـوتِ أو صَـداهْ ؟ / من قصيدة ( ثمان فسائل من حجر )

2 – حجر رمزية اليأس . اليأس والخيبة المريرة , التي تلتهب وتفور في الصدور , جعلونا في دوامة التحطم والتفتت , في كوة آلآهات التي تقطع الانفاس بزفيرها المر والثقيل , حتى جعلت من اهوالها , ان يصاب الاطفال وليس الشباب بالشيخوخة , من عمق المعاناة التي تشتعل في نيرانها

وهـل يـرى الـوردُ

ـ إذا تـفـتَّـحَـتْ أجـفـانُـهُ ـ

شــذاهْ ؟

سـألـتُ عـقـلـي فـأجـابَ:

كـلُّ مـا تـراهْ / من قصيدة ( ثمان فسائل من حجر )

————————————

3 – رمزية التقرب الله , ولا طريق غير طريق الله .تحت ظلال الله , بروحية صوفية صادقة الوجدان , ولا مجال ولا مناص , إلا التقرب الى الله , ليعينا ويعاوننا على الجلد والصبر من حزمة الاحزان والآهات المتكلسة في القلب . وليس هناك من بوصلة النور , إلا بوصلة التي تقودنا الى الخالق الله , لكي يتمزيق اليأس والحزن , ويصبح الليل نهار وروضة , بذلك يصرخ نبض القلب , آه ياحبيب الله

فـيـهِ

ظِـلالُ الـلـهْ

فـكـلـمـا حـاصَـرَنـي الـحزنُ

وسَــدَّتْ بـابَ كـهـفـي صـخـرةُ الـيـأسِ

وشَــبَّ فـي حـشـاشـتـي لـهـيـبُ الـ ” آهْ ”

يـصـيـرُ كـهـفـي روضـةً

والـلـيـلُ يـغـدو مُـشـمِـسـاً كـأنـهُ الـنـهـارُ فـي ضُـحـاهْ

حـيـن أصـيـحُ مـلءَ نـبـضـي:

يـاحـبـيـبـي الـلـهْ / من قصيدة ( ثمان فسائل من حجر )

————————————-

4 – رمز العشق : في شغاف رومانسية متواضعة في شغافها ( بنت الحي ) التي هربت من عطرها الوردة بهذا االحنين بالشوق المدوي في ذاكرة ( فلاش باك ) ايام عنفوان الشباب , حين يعبق بندى الماء على جرف الحجر , وهو تصوير فذ , للقرية على ضفة نهر الفرات , ليغرف الندى من عطره

عـنـدمـا عـانـقَ ” بـنـتَ الـحَـيِّ ” كــبَّــرْ

هـرَبَـتْ مـن عـطـرِهـا الـوردةُ

والـمـاءُ عـلـى الـجُـرفِ تـحَـجَّـرْ

والـنـدى فـوق مـرايـايَ

تـخَـثَّـرْ / من قصيدة (قصيدتان خديجتان )

——————————

5 – رمزية الندى , التي تتحول الى رطوبة مبللة بندى الحجر , حين يشج من احشائها زهور اللوز , في وادي المرايا . في حلة ربيعية تحوم حول النينابع والحجر الفراشات , وهي معطرة بالشذا العطر

ونـدىً مـن حَـجَـرٍ

شـجَّ زهـورَ الـلـوزِ فـي وادي الـمـرايـا

فـالـيـنـابـيـعُ لـهـيـبٌ

والـفـراشـاتُ صـخـورٌ

والــشــذا ظُـفـرٌ ونـابْ / قصيدة ( ندىً من حجر )

————————————–

6 – رمزية الحلم : لقد سرقوا ونهبوا واغتصبوا القراصنة المارقين , الذين نصبهم القدر اللعين والاعور , على مقدرات العراق , وشفطوا كل شيء , وتركوا للجياع التراب والاشواك والرمل والحجر , حولوا العراق الى صحراء رملية قاحلة , فمن حق الفقراء الحلم , لتوفير لقمة الخبز لهم , لذا يحلمون ان تأتي سحابة غيمة , مليئة بالمطر الكوثر , لتسقي حقول الفقراء بالاعناب والعبير , بصحراء تلبس الثوب الاخضر , بمطر يقلع القراصنة المارقين ويجرفهم الى مجاري الصرف الصحي ليطمرهم فيها , هذا الحلم الشفاف للفقراء , عسى ان يتحول الى حقيقة تمشي منتصبة القامة في ارض العراق

حـلـمـتُ يـومـاً أنـنـي سَـحـابـةٌ

تـسـقـي حـقـولَ الـفـقـراءِ

كـوثـرَ الـمَـطـرْ

وكـنـتُ نـائـمـاً عـلـى سـريـرِ رمـلٍ

شــرشـفـي ظِـلالُ دَغْـلٍ

ووسـادي الـشـوكُ والـحَـجَـرْ

وعـنـدمـا اســتـيـقـظـتُ مـن إغـفـاءتـي

خُـيِّـلَ لـيْ

أنَّ سـريـري مُـعـشِـبٌ ..

وأنّ صـحـرائـي ارتـدَتْ ثـوبـاً مـن الـشـجَـرْ / من قصيدة ( خمس أشواك برية )

—————————————–

7 – رمز العذاب وألالم الابدي : دلف الواقع الفعلي الى كوة المعاناة القاهرة , في دهاليز شجن التوجع واللوعة الحارقة , بأن اصبح المواطن في العقاب الالهي الابدي , ان يحمل فوق ظهره معاناة لا تطاق ولا تتحمل , فوق طاقة التحمل والعذاب , وصبر ينفذ من عباد الله . بان يحملوا صخرة سيزيف , ولا شفيع لهم سوى الاحزان الحارقة , التي تنهش الروح والوجدان ’ وليس لهم شراع يبحرون به , إلا العراق . وليس لهم بديل يستنجدون به , إلا العراق , وليس لهم نصير إلا العراق , وليس بديل عن العراق , سوى العراق , وليس بديل عن السماوة والفرات , سوى السماوة والفرات

لابـدَّ لـيْ مـن صـخـرةٍ

لأكـونَ

” سـيـزيـفَ ” الـجـديـدَ ..

ولـيـس مـن بـحـرٍ وأشـرعـةٍ فـأبـتـدئ الـرحـيـلْ

قُـولـي لـهـا أنْ لا بـديـلَ عـن الـعـراقِ سـوى الـعـراقِ ..

عـن الـسـمـاوةِ والـفـراتِ سـوى السـمـاوةِ والـفـراتِ ..

وعـنـكِ لـيـس سـواكِ عـنـدي مـن بـديـلْ / من قصيدة ( شجن من حجر )

———————————

8 – رمزية العصيان على احزان الروح والوجدان : اعلان الاضراب والاحتجاج الروحي , لكي يعلن العصيان على الذات الوجدانية , ولكن وجدان العصيان على العشق , إلا بالعشق , والقلم يعلن العصيان على اصابعه , والسطور على الورقة , والمداد يغدو حجراً , ولكن قدر العاشق , إلا الكتابة عن عشيقته وعشه , وليس بديل غيرها , ولا يمكن ان يقلب المحراث جمرة النار , إلا في تنور العاشقة

لـمـاذا يُـعـلِـنُ قـلـمـي الـعـصـيـانَ عـلـى أصـابـعـي

والـسـطـورُ تـهـربُ مـن الـورقـة

والـمـدادُ يـغـدو حـجـراً

حـيـن أعـتـزمُ الـكـتـابـة عـن غـيـرك؟

حـتـى مـحـراثـي يـأبـى تـقـلـيـبَ الـجـمـر

إلآ

فـي تـنُّـورك / من قصيدة ( جداول من نهرها )

جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here