وداد الحسناوي : قاتلت “داعش” بالكاميرا والبندقية

وداد الحسناوي لـ”لشبكة”: قاتلت “داعش” بالكاميرا والبندقية

رجاء الشجيري/

امرأة تأزرت بعنفوان المجد، وعشق الأوطان، امتزجت رقتها وعالم الأدب وصلابتها ومشاركتها معارك الرجال في تشكيل فريد. هي عضو مجلس محافظة سابق في الديوانية، ومستشارة في التحكيم الدولي، وناشطة في مجال حقوق الإنسان، وطالبة ماجستير في اللغة العربية تخصص “الأدب والنقد”. خوذتها وهندامها الخشن في سوح القتال كانا هويتها في المضي بدرب العز والشجاعة، وهي منذ المعارك الأولى مع الجيش والحشد في كل معاركهم الى لحظة النصر.

يداها، وهما تغمضان عيني أخيها الشهيد الملازم البطل”هاشم الحسناوي” في الموصل الجانب الأيمن، كانتا نخلتا نصر وفخر، إنها المقاتلة البطلة “وداد الحسناوي” التي كان لمجلة الشبكة معها هذا الحوار:

عائلة شجاعة

* متى انضممتِ للحشد والجيش مع أبنائك وإخوتك؟

-داعش اغتصب كل شيء..جمال المدن وعمرانها، سكينة وحياة أهلها، وكل معالم الأمان والحياة والألوان.. وهو يزحف لباقي المدن كمرض دخيل لابد من القضاء عليه..

هبّ الجميع رجالاً وشبّاناً ونساء مع انطلاق الفتوى، الكل يهرول نحو مراكز التطوع، الكل يبتغي نيل الشرف العظيم، وهكذا سارعت أنا وإخوتي وأبنائي للتطوع في سوح القتال. ولم أكن أدري مالعمل الذي أقوم به، هل أبيع كل ما أملك وأشتري السلاح.. هل أقدم الطعام؟

هل أغطي المعركة إعلامياً؟.. أسئلة وأسئلة تطرق رأسي، لكني لم أتعثر بها وأنا أسير باتجاه تلبية النداء… هكذا انخرطت مع إخوتي لأكون معهم، أقدم الطعام والمعونة والملابس وأحمل السلاح وأداوي الجرحى.

لديّ ولدان، أحدهما في جهاز مكافحة الإرهاب والآخر في الشرطة الاتحادية، وكذلك أخي الملازم الأول هاشم الحسناوي، وكنا نفترق ونجتمع من دون أن ندري بوجود كل واحد منا بالآخر في المواقع والمعارك، ونحن في لحظات كلها فرح وبكاء واعتزاز لما نحن مقدومون فيه..

أدب وحرب

* كيف مزجتِ بين رهافة الحس والرقّة وعالم الأدب، وبين صلابة المقاتلة وجرأتها ومجابهتها بهندامها الخشن سوح قتال شرسة وضارية؟

-لاأخفيك أن المناطق التي كنا فيها خطرة جداً ومرعبة، أصوات المدافع والهاونات، وملاحقات القناصين لنا أنا وإخوتي المجاهدين.. ولديّ الكثير من الفيدوهات التي كنا من خلالها نوصل الصورة والحقيقة اليومية لبطولات جنودنا وانتصاراتهم.. أحيانا نساعد الجنود في تسديد بعض الرميات باتجاه معاقل ومضافات داعش، ونسعد حين تسقط وسطهم ونرى أشلاءهم تتطاير.

حين تتجلى المرأة في داخلي في تلك اللحظات أسعد بها.لأني أكتشف ماحباها الله بها من قوه توازي الرجال وتفوقهم أحياناً. ولأني امرأة ارتديت الزي العسكري المحتشم والدروع والخوذة (والبسطال)، صرت أشبههم تماماً أولئك الذين يقتحمون المنايا، صرت حافزاً أشحذ الهمم مع الطعام والعصائر والماء البارد.. وأحيانا أعد لهم أكلات الأمهات التي يتوقون لها. مثل الدولمة والكليجة وغيرها، أنا التي كنت أفزع يوماً حين يجرح حفيدي وهو يلهو، وأخاف لون الدم، وجدت نفسي أساعد الأطباء في علاج الجرحى.. وأعيد أحشاءهم المتناثرة..! وحين أعود ليلاً لمقري الذي أبيت فيه، أخرج كتبي التي لاأستغني عنها. اقرأ الشعر والأدب وأكلم أحفادي وأتابع تدريس ابنتي عبر الفايبر والماسنجر.. وأحلم بغد أجمل لبلدي.. أكتب مامر به يومي لأوثق انتصارات الأبطال.. وإجرام ودموية الفكر المريض الذي يحاول تشويه الإسلام واغتصاب الجمال.

مشغولة الآن بكتابة مجموعة قصصية تحكي عن خصوصية المرأة العراقية.. وأيضاً كتبت عن أساليب هذه المجموعات الإرهابية وكيف ومن يستهدفون، وكيف يخترقون المنظومة الاجتماعية.. لأني كنت أحضر كثيراً من التحقيقات مع الاستخبارات.

جامعة الإسكندرية

* ماذا تركت وراءك من متعلقات وأحلام كامرأة مسؤولة وأنت تخوضين هذه التجربة القتالية المشرفة؟

-كنت قد تركت دراستي في جامعة الإسكندرية والتحقت بركب الحشد..فاتني الكورس الثاني، لكن بعد انتهاء العمليات وتحقيق النصر أكرمني الله أن أكمل مسيرتي العلمية. حيث كان لديهم كورس صيفي أدركت به مافاتني.. وحصلت على درجات عالية الامتياز أغلبها.. أحمد الله كثيراً على نعمه.. عدت قبل فترة من مصر. بعد أن حققت النجاح.. مالفت نظري هو الأساتذة في جامعة الاسكندرية كلية الآداب قسم اللغة العربية. فهم يتابعونني وأنشطتي العسكرية من خلال السوشال ميديا.. ورحبوا بي بـ”أهلا بأم المجاهدين” أهلا بأم المقاتلين، لقد رفعتِ رأس المرأة العربية..

قالوا وبصريح العبارة ياوداد أحببنا الحشد وعرفناه من خلال نشرك عنهم.. واقترحوا عليّ أن أعمل مدونة أو برنامجاً تلفزيونياً أحكي في كل حلقة فيه حكاية عن الموصل والعراق، وعن حكايات المقاتلين. وقصص المرأة في العراق من خلال ملامستي للواقع والحرب..وأن أسميه (العراق النصر والوجع العربي).

شهيد الحدباء

* كيف استطعتِ أن تلفّي أخاك الشهيد البطل بالعلم وأن تغمضي عينيه وتودعيه بهكذا قوة وحزم؟

-استشهد أخي الملازم الأول هاشم الحسناوي بقربي.. ربيته كأحد أولادي، كان سندي في كثير من محن الحياة..اتصلت به لأنه كان محاصراً لمدة ثلاثة أيام في عمارة الشواف بلا ماء ولا طعام.. فك الحصار عنه وعن زملائه الجنود. فهرع لانتشال ثماني جثث لرفاقه.. واتصل بذويهم .فكان أخي تاسعهم.. تسلمت جثمانه ولففته بالعلم الذي رفع على جامع النوري. كان رفاق دربي من المجاهدين ينظرون لي كامرأة ستنهار على جثمان من تربى في حضنها، كانوا يرقبونني ويخشون عليّ.. لكن ما كان مني إلا ان قلت أهلاً بالبطل “أبو آية”!! وقلت لرفاقه الذين كانوا يبكونه بعد أن خسروا بطلاً مغواراً له صولاته ومواقفه، قلت عودوا لأماكنكم كي لاتعطوا فرصة للعدو… هنا في تلك اللحظة تحديداً شعرت أن زينب عليها السلام منحتني القوة والطاقة التي أذهلت من حولي..اتصلت بأولادي بقربي في أرض المعركة قلت لهم أبشركم باستشهاد خالكم هاشم، تعالوا لنأخذه لأمي.. فهي تنتظره لتختم القرآن على مسامعه.. مشيت في تشييع أخي الشهيد كأي رجل في المقدمة، شيّعت أخي وقفت على قبره لكني لم أشيع العراق… استقبلت المعزّين بالزي العسكري.. بعد أربعة أيام صعق الجنود حين وجدوني في مقدمتهم..

هكذا قلت لداعش

كِد…كَيدكَ

واسعَ سعيك

وناصب جهدك…..فولله لن تمحو ذكر العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here