شناشيل : على الطراز الصدّامي !

عدنان حسين

[email protected]

منذ إحدى عشرة سنة أُعدِم صدام حسين شنقاً. قبل ذلك بثلاث سنوات وُجِد صدام في حفرة اختبأ فيها نحو تسعة أشهر بعد إسقاطه ونظامه. لكن، برغم هذا كله، لم تزل الصدامية قائمة بيننا، فكراً وممارسة بأكثر من لون وشكل.
بين أسوأ السُّنن التي اشترعها صدام وخلّفها لنا السعي لتحويل الوسط الثقافي والإعلامي إلى سيرك، والمثقفين والإعلاميين إلى مهرّجين في هذا السيرك … نجح كثيراً، خصوصاً مع أنصاف المثقفين والإعلاميين وأرباعهم ومع الطارئين على الثقافة والإعلام، وفشل مع المثقفين والإعلاميين الحقيقيين الذين رابطوا وتحدّوا وقاوموا في الداخل، أو نجحوا في الإفلات من قبضة الدكتاتورية وإيجاد ملاذ لهم في الخارج اتّخذو منه قاعدة لنضالهم من أجل عراق ديمقراطي يمكنهم العودة إليه والعيش فيه بكرامة.
الآن تجري استعدادات لعقد مؤتمر أو مهرجان صحافي أو إعلامي في بغداد، واجهتُه الانتصار للعراق المنتصر على داعش، لكن من غير المتوقع أن يختلف في الجوهر عن مهرجانات الدبك والرقص والهوسات التي جرت في السنوات الماضية، والمهرجانات الأم التي كانت تقام في مناسبة وفي غير مناسبة في العهد المباد لتمجيد الدكتاتور وحروبه الكارثية وانتصاراته المُلفّقة.
لا اعتراض على أن تستقبل بغداد وسواها من مدن البلاد ومناطقها الصحافيين والإعلاميين العرب ومن سائر أنحاء العالم في سبيل أن يطّلعوا عن كثب على أحوالنا وأوضاعنا ومعاناتنا مع الإرهاب والمآثر التي اجترحناها لدحره. لكنّنا نحتاج في هذا الإطار إلى الصحافيين والإعلاميين الحقيقيين المشهود لهم بالمهنية والجدية ممّنْ لا يقبلون بأن تُدفع تذاكر سفرهم وإقاماتهم في فنادق الدرجة الأولى وفواتير طعامهم وشرابهم، ولا يتردّدون عن الذهاب إلى المناطق النائية وخطوط النار والنوم في الـ “Sleeping Bags” (حقائب النوم) في العراء والخنادق، فيما لا نحتاج إلى الصحافيين والإعلاميين الذين يهتمّون بالدعوات الرسمية وشبه الرسمية ويتطلّعون إلى السفر والأكل والشرب على حساب الشعب العراقي الذي تكابد ملايينه الفقر والبطالة، والعيش في مخيمات النزوح، والدراسة في مدارس مزدوجة آيلة للسقوط، والتطبّب في مستوصفات ومستشفيات ليس في وسعها تقديم العلاج لمرضاها.
المهرجان الوشيك ستُصرف فيه أموال نخشى ألا يكون لها أيّ مردود حقيقي، والمؤكد أنّ من الأنفع لنا توفير هذه الأموال وإنفاقها في ما يُفيد الفقراء والمعدمين والمرضى وعائلات الشهداء والمصابين والنازحين … إلى آخر القائمة الطويلة جداً من الاحتياجات الملحّة للغالبية العظمى من شعبنا.
في حدود ما أعلم فإنّ عدداً غير قليل من الصحافيين والإعلاميين الدوليين المرموقين يسعون للمجيء إلى البلاد للاطّلاع على تجربة مواجهتنا مع داعش وعلى أوضاعنا في مرحلة ما بعد داعش، إلا أنهم لا يحصلون على سمات الدخول من سفاراتنا في بلدانهم بحجج وذرائع شتّى، مع أنهم لن يكلفّونا بنساً أو سنتاً واحداً، بل إنهم سينفقون على أنفسهم في حلّهم وترحالهم من حرّ مالهم ومال مؤسساتهم.. هؤلاء أولى بأن نتيح لهم فرص زيارة بلادنا، لأنهم سيكتبون عنّا بصدق ووجدان، فيما الذين يُدعَون عادة إلى المهرجانات التي سنّ لنا نظام صدام تقليدها، ستنتهي علاقتهم بنا بانتهاء مهرجانات الأكل والشرب والسفر المدفوعة تكاليفها من حرّ مال الشعب العراقي!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here