تأملات في القران الكريم ح365

تأملات في القران الكريم ح365
سورة الدخان الشريفة
للسورة الشريفة فضائل وخصائص كثيرة منها ما جاء في كتاب ثواب الأعمال عن الامام الباقر عليه السلام : “من أدمن سورة الدخان في فرائضه ونوافله بعثه الله من الآمنين يوم القيامة وظلله تحت عرشه وحاسبه حسابا يسيرا وأعطاه كتابه بيمينه” .

بسم الله الرحمن الرحيم

حم{1}
تقدم مثلها .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{2}
الآية الكريمة تضمنت قسمه جل وعلا بالقرآن المظهر للحق والمبين للشرائع .

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3}
تستمر الآية الكريمة ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) , يرى المفسرون انها ليلة القدر , او انها ليلة النصف من شعبان – كما يرى السيوطي في تفسيره الجلالين – ” نزل فيها من أم الكتاب من السماء السابعة إلى سماء الدنيا” , ( إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) , محذرين مخوفين به .

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4}
تستمر الآية الكريمة ( فِيهَا ) , في ليلة النصف من شعبان او ليلة القدر , ( يُفْرَقُ ) , يفصل , ( كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) , كل محكم من الارزاق والآجال لسنة كاملة .
( عن الكاظم عليهم السلام : أنزل الله سبحانه القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة فيها يفرق يعني في ليلة القدر كل أمر حكيم أي يقدر الله عز وجل كل أمر من الحق والباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الاجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويزيد فيه ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك الى صاحب الزمان عليه السلام ويشترط له فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير ) . “تفسير القمي” .
( عن الباقر عليه السلام قال قال الله عز وجل في ليلة القدر فيها يفرق كل أمر حكيم يقول ينزل فيها كل أمر حكيم والمحكم ليس بشيئين إنما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عز وجل ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت أنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الامور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس كذا وكذا وأنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام الآية ) . “تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني” .

أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5}
تستمر الآية الكريمة ( أَمْراً مِّنْ عِندِنَا ) , من لدنه جل جلاله وفقا الى مقتضى حكمته , ( إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) , جرت واقتضت حكمته جل وعلا ارسال الرسل .

رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{6}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ) , بمن ارسلت الرسل اليهم , ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) , يسمع كل صوت او قول , ( الْعَلِيمُ ) , بكل شيء .

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ{7}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) , المستحق للربوبية بذاته وصفاته وافعاله جل جلاله , ( إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ) , ان علمتم ذلك فأعلموا ان محمدا “ص واله” رسولا منه جل وعلا .

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ{8}
تضيف الآية الكريمة ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) , المتفرد بالألوهية , لا خالق سواه , ( يُحْيِي وَيُمِيتُ ) , وحده جل وعلا القادر على الاحياء والاماتة كما ترون , ( رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) , فاعبدوه .

بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ{9}
تبين الآية الكريمة حال الكفار ( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ) , من الحق , ( يَلْعَبُون ) , معرضين غير مصدقين , تشغلهم مشاغل الدنيا .

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ{10}
تستمر الآية الكريمة ( فَارْتَقِبْ ) , فانتظر , ( يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) , يرى بعض المفسرين ان ذلك الدخان من اشراط الساعة , ويرى اخرون انه منها .

يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ{11}
تستمر الآية الكريمة ( يَغْشَى النَّاسَ ) , يعمهم ويحيط بهم , ( هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) , فيقول قائل “ان هذا الدخان فيه عذاب موجع” .
( روي في حديث أشراط الساعة أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن ابين تسوق الناس إلى المحشر قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية وقال يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه واذنيه ودبره .
عن عليّ عليه السلام دخان يأتي من السماء قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام ويكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص يمتد ذلك أربعين يوما والقمي قال ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر يغشى الناس كلهم الظلمة فيقولون هذا عذاب أليم ) . “تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني” .

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ{12}
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار ذلك الحين قولهم ( رَبَّنَا ) , معترفين لله تعالى بالربوبية , متجردين عن كل ما عبدوا سواه , ( اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ ) , سائليه جل وعلا ان يرفع عنهم العذاب , بينما لم يسألوا ذلك مما كانوا يعبدونه , ( إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) , تضمن النص المبارك وعدهم بالإيمان فيما لو رفع عنهم هذا العذاب .

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ{13}
تضمنت الآية الكريمة الرد الحازم على قولهم ذاك ( أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى ) , كيف يتذكرون وهم في هذه الحالة , او لا ينفع الايمان والاعتذار عند نزول العذاب , ( وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ) , ولقد جاءهم رسول ظاهر البيان واضح المعجزات في وقت كانوا فيه افضل حالا فلم يؤمنوا به .

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ{14}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ ) , اعرضوا وانصرفوا عن الرسول “ص واله” وعما دعاهم اليه , ( وَقَالُوا مُعَلَّمٌ ) , لم يكتفوا بالأعراض والانصراف بل زادوا ان من علمه القرآن غلام اعجمي , ( مَّجْنُونٌ ) , وهو مجنون وليس برسول , حيث قالوا ذلك لما كان الوحي ينزل عليه “ص واله” يكتنفه الغشي .

إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ{15}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً ) , سنرفع عنكم العذاب قليلا , وهذا مما يدل على ان الدخان يكون قبل يوم القيامة , فلو كان في يوم القيامة فلا عودة فيها , ( إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) , عائدون الى الكفر والضلال , وكأنكم نسيتم او تناسيتم عذاب الدخان .

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ{16}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ) , البطش هو التناول بقوة , فيذهب بعض المفسرين كالقمي والفيض الكاشاني الى انه يوم القيامة , بينما يرى اخرون كالسيوطي في تفسيره انه يوم بدر , ( إِنَّا مُنتَقِمُونَ ) , بذلك البطش .

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here