شرعية الفصائل المسلحة من عدمه

شرعية الفصائل المسلحة من عدمه
لم يشهد العهد الملكي الذي اعقب قيام الدولة العراقية أي مظاهر مسلحة خارج اطار المؤسسة العسكرية الرسمية و كان السلاح محصورآ بتلك المؤسسة و مقتصرآ على الأشخاص فيها بزيهم العسكري المميز و لم يكن للسلاح ان يظهر بشكل علني في الأماكن العامة حتى لأولئك العسكريين و هم في الزي المدني و كانت المؤسستان الرسميتان ( الجيش و الشرطة ) مشغولتان و منهمكتان على الدوام في أداء الواجبات المناطة بهما الأولى في حماية الوطن و تأمين حدوده من الهجمات الخارجية و الأعداء المتربصين به و في بعض الأوقات كانت تجرد الحملات العسكرية في قمع التمردات العشائرية المسلحة و الثانية كانت مهامها تنحصر في حفظ الأمن الداخلي و حماية المواطنين و املاكهم من خطر الأشرار و المجرمين و هكذا كانت تلك المؤسستان تسيران بشكل متوازي صحيح لا تقاطع بينهما و لا تداخل في اداء الواجبات و المهام فأستتب الأمن في الداخل الا ما خلا من الحوادث الأعتيادية التي تحدث في كل بلدان العالم و احيطت و حصنت الحدود بجدار حديدي صلب من جنود الجيش يحمون الوطن و يذودون عن حرماته .
سقط الحكم الملكي و تهاوت اركانه في ثورة او انقلاب لا فرق و قام على انقاضه النظام الجمهوري الذي وعد الناس بالأمان و الأستقرار و رخاء العيش لكن سرعان ما انتشرت في الشوارع و الأزقة مجاميع مسلحةغير معروفة الهوية تدعي حماية ( الثورة ) من الأعداء و بقايا النظام الملكي السابق و اطلقت على نفسها اسم ( المقاومة الشعبية ) التي كانت تجوب الأحياء و تفتش البيوت بحثآ عن الأعداء و المتربصين بالثورة و في خضم تلك الأفعال الفوضوية كان التعامل التعسفي مع المواطنين و كانت الأنتهاكات الجسيمة عادة ما ترافق تلك المنظمة شبه العسكرية و التي لم يكن لها من محاكم يحاسب فيها اعضائها المنتسبين اليها على تجاوزاتهم بحق المواطنين و كان ذلك بمثابة الحصانة و الحماية لهم من أي مسائلة او محاسبة و بالتالي اطلاق العنان لهم في ممارساتهم الغير شرعية .
كانت نهاية النظام الجمهوري الأول في انقلاب عسكري دموي و عنيف اختلطت فيه روح الأنتقام مع تدخل بعض السفارات الأجنبية فكان ذلك الأنقلاب او الثورة لا فرق ايضآ لكن قادته سرعان ما كان لهم تنظيم مسلح مدجج بالأحقاد و روح الأنتقام لا يخضع للمؤسسة العسكرية التابعة للدولة انما لديه قيادته العامة المستقلة بمعزل عن القوات المسلحة و اطلق عليه اسم ( الحرس القومي ) الذي انطلق بقوة و عزيمة في ملاحقة و تصفية الخصوم السياسيين في حملة دموية شعواء طالت اولئك المؤيدين للنظام الذي سبقهم و كان اعضاء تلك الميليشا يحظون بالحصانة و عدم المسائلة القانونية عن أي جرائم ترتكب او انتهاكات تقترف فكان ( الحرس القومي ) يعيث في الأرض قتلآ و فتكآ و تنكيلآ الغيت فصائل ( الحرس القومي ) و اعتقل اغلب قادته و هرب الباقون بعد الأنقلاب الذي اطاح بحكم حزب البعث الأول .
قامت حكومة البعث الثانية بتشكيل فصيل حزبي مسلح و مدرب هو ( الجيش الشعبي ) الرديف للجيش النظامي و كان من مهام و واجبات ذلك الفصيل المسلح هو حماية ( الثورة ) و مكتسباتها من أي تحرك عسكري مضاد قد يقوم به الجيش النظامي في محاولة انقلابية للأطاحة بالبعث و حكومته و كان تأسيس ( الجيش الشعبي ) ليس في حماية الوطن و الشعب من العدوان الخارجي و تأمين الحدود انما كان واجبه هو حماية الثورة و قادتها من أي تحرك عسكري او شعبي مدني و قد كان لهذا الفصيل المسلح الدور الكبير في ملاحقة المناهضين و المعارضين للنظام البعثي تمثلت في المداهمات و الأعتقالات و سوق المواطنين بالأكراه و اجبارهم على الألتحاق بجبهات القتال اثناء الحرب مع أيران و انتهى ذلك ( الجيش الشعبي ) و هرب قادته يوم سقوط النظام العراقي السابق و دخول الجيش الأمريكي و احتلال العراق .
كانت الأحزاب التي قدمت الى العراق بعد ان اسقطت القوات الأمريكية نظام ( صدام حسين ) و لكل منها فصيل مسلح يأتمر و ينفذ اوامر قيادته الحزبية و برز دور تلك الفصائل اكثر في الحرب الأهلية التي ضربت العراق الذي لم يعد يملك جيشآ نظاميآ بعد ان حل ذلك الجيش بأمر من الحاكم المدني الأمريكي و عندما كانت المنظمة الأرهابية ( القاعدة ) قد بدأت بالهجوم على الأراضي العراقية ان تصدت تلك الفصائل لهذا الهجوم و مع ذلك لم يكن لتلك الفصائل الوجود الشرعي المعترف به حكوميآ و ان غض الطرف عن تصرفاتها تهاونآ و تماشيآ فكانت كل الأحزاب المشاركة في الحكومة تملك ميليشيات مدججة بالسلاح و العتاد و المعتقدات .
كانت ( داعش ) هبة السماء الى تلك الأحزاب و فصائلها المسلحة و التي اصبحت الآن تحت مظلة الدولة و غطاء الشرعية الحكومية و انبرت تلك الفصائل حاملة سلاحها تنفيذآ لنداء المرجعية و امتثالآ لفتوى ( الجهاد الكفائي ) التي ادلى بها مراجع الدين في صد العدوان الداعشي الغاشم و الخطر الداهم الذي بات يهدد البلاد و المواطنين بشكل جدي بعد ان امتلك ( داعش ) من الأسلحة و المعدات العسكرية الشيئ الكثير من تلك التي تركتها الوية الجيش و كتائبه و ولت هاربة عندها تكون تشكيل عسكري مدجج بمختلف انواع الأسلحة و الأعتدة و كان ( الحشد الشعبي ) الذي ابدى المتطوعون فيه بسالة نادرة و بطولة فائقة في التصدي لتلك الهجمة الهمجية الشرسة و لم يبخسوا بالغالي من الدماء و الأنفس التي قدموها فداءآ و تضحية للوطن و بدون أي منة او مقابل .
ليست كل الوية ( الحشد الشعبي ) تلتزم و تنصاع لأوامر القيادة العسكرية العراقية و منها تلك التي تتبع ( ولاية الفقيه ) في ايران و تلتزم بتعليماتها و توجيهاتها و يكون ( الولي الفقيه ) الأيراني هو القائد الأعلى لها و منه تستلم اوامرها الواجبة الطاعة و التنفيذ وهكذا كانت بعض من تلك الفصائل المنظوية في اطار ( الحشد الشعبي ) تقاتل خارج الحدود العراقية و تحديدآ في سوريا دفاعآ عن النظام السوري و تنفيذآ لأوامر الولي الفقيه ( خامنئي ) وهي تكون بذلك قد عصت اوامر القيادة العسكرية العراقية التي تمنع القتال خارج حدود الدولة و تمردت على تلك الأوامر و بدأت بالعصيان المسلح من خلال عبور الحدود و المشاركة في الحرب الأهلية السورية وهي بذلك تكون قد فقدت الشرعية و اصبحت من الفصائل الخارجة على القانون و التي يجب ملاحقتها و القبض على افرادها و قادتها و محاكمتهم امام القضاء العسكري .
كل الفصائل المسلحة التي تشكلت خارج اطار الجيش الوطني انما كانت في اهداف اخرى غير تلك التي هي في حماية الوطن و صيانة حدوده و أمن مواطنيه و دائمآ ما تتشكل الميليشيات المسلحة عندما يشعر النظام الحاكم بالخوف و عدم الثقة من ولاء المؤسسة العسكرية الرسمية ( الجيش و الشرطة ) له فيلجأ الى انشاء فصيل او فصائل عسكرية تابعة له حصريآ مهمتها الدفاع عن النظام الحاكم امام الثورة الشعبية او العسكرية المضادة و المناهضة له او عندما تتعرض البلاد الى غزو اجنبي و يعجز الجيش النظامي لسبب او لآخر عن المواجهة و صد العدوان عندها تعلن الحكومة التعبئة و النفير العام للألتحاق و الأنخراط في صفوف الوية شكلت خصيصآ لهذا الهدف .
ان الحضور الدائم و بدون سبب قاهر في وجود فصائل مسلحة لم تكن ضمن صفوف القوات المسلحة الرسمية هو انتقاص من سيادة السلطة المركزية التي تخشى سطوة و نفوذ تلك الفصائل و سلاحها الذي سوف يكون بالضرورة منفلتآ و بدون ضوابط صارمة كتلك التي تتقيد بها القوات النظامية و كذلك هو المس بكرامة الجيش و الشرطة و الأستهانة بقدراتهم القتالية و شعورهم الوطني ما يخلق حالة من العداء و التصادم او على الأقل عدم الثقة و الأرتياح بين الجانبين و تبقى الدولة مهددة من الداخل بالأحتراب و الأقتتال ما لم ينزع السلاح و يخزن في المشاجب وكذلك المقاتلين كل يذهب الى بيته و مكان عمله فالدفاع عن الوطن واجب و مسؤولية الجميع و ليس مهنة او وظيفة للكسب و الربح كما يروج لذلك البعض من الذين تاجروا و قامروا بكل شيئ .
حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here