تأملات فلسفية حول الأسرة الأمريكية – 5

* بقلم د. رضا العطار

اما بخصوص العنف الجسدي الذي يتمثل في الغالب بالضرب، فإن 27 بالمئة من النساء الامريكيات يتعرض الى الضرب من قبل ازواجهن. لكن هناك من النساء، بعد ان تعرضن الى الضرب مرة واحدة، شعرن بالغضب والاهانة مما دفع بعضهن الى الهرب من بيت الزوجية.

فبينما 61 بالمئة من النساء الامريكيات، يشددن على عدم استعمال الضرب، ويصرحن :
( اذا ما اقبل الجلف على ضربي، سيجد نفسه في السجن في اليوم نفسه. فان الشخص الذي يضرب زوجته، لم يعد مكانه في مملكة البشر ) لكن اقلية من الزوجات صرحن انهن في اعقاب الضرب ولوي اليد والرفس، فصمن الرابطة الزوجية. و من الجدير بالذكر ان واحد بالمئة منهن فقط، لجأن الى الشرطة. لكن معظمهن هددن الزوج بالقتل لو عاود الضرب ثانية.

اليكم هذا النموذج : ( صفعني زوجي بعدما عاد من حرب فيتنام، فقلت في نفسي انه لم يكن مسؤولا عن سلوكه، طالما اكتسبه خلال حرفته في الحرب. املا ان تعيده الحياة الطبيعية الى وضعه السابق. فتحملته وسعيت الى اصلاحه، لكنه استمر وتمادى ولم يحاول ان يتغير، بل لخيبة الأمل زاد من عنفه حتى انتهت به الامور انه بدأ يضرب اقاربه وامه، فبدأت أخاف منه فتركته دون رجعة ).

لكن هناك فئة اخرى من الزوجات يتحملن سوء معاملة الزوج وقسوته، لا بل حتى يستقبلن ضربه، برحابة صدر، انهن يتلذذن في عنفه، اسوة بأبائهن الذين كانوا يمارسون اسلوب العنف والقسوة داخل البيئة الأسرية، عندما كن صغيرات. يستقبلن مواقف الضعف والضعة والأهانة من الزوج، كأستقبال العاشق الولهان حبيبته. هؤلاء النسوة يعتبرن في نظر المجتمع مازوشيات. والمازوشية مرض نفسي، وهو بعكس مرض السادية، والحب المازوشي معروف منذ القديم، لكنه شاع خبره في العالم الغربي في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما غنت كل من المطربة – مستنغيث – في فرنسا و هيلين مورغان في امريكا اغنية ( تورش منغ ) التي تعبر عن عالم الحب ومشاعره من جانب واحد فقط، حيث تقول كلمات الأغنية :
( ليس لأنه جميل ولا لأنه قوي، لكنني احبه. صحيح انه يكيل لي الضربات والصفعات، لكنني رغم كل ذلك احبه. انني اهيم فيه بدلال الى حد الجنون. اليست انها حماقة ؟ ) .

اني ارى انه من الانصاف ان اذكر بان المجتمع النسوي الامريكي يجمع اصنافا اخرى من النساء لم ترد الباحثة ذكرهن في كتابها. فهناك الزوجات الصالحات جدا، تتسم علاقتهن بالزوج بطيب الخاطر وحسن المعاشرة ضمن اطار فضائل الاخلاق.
اما المؤمنات منهن، فلم يختلفن عن نظائرهن المسلمات من حيث الالتزام بثوابت الدين وممارسة شعائره وطقوسه حتى ان تقواهن قد حرمت عليهن احتساء الخمرة. علما ان دينهن يجيز لهن ذلك. يحظون من الازواج بصفاء الحب والمقام المحمود، ومن اعضاء الاسرة كل الود والاحترام، امهات شفوقات يفضين على ابنائهن مشاعر الدفئ والمحبة، فهن ربات بيوت من الطراز الاول.
الى الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

*مقتبس من كتاب (النساء والحب) لشير هايت، ترجمة فؤاد جديد، دار المدى للنشر والثقافة، الطبعة الاولى بيروت 1997 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here