صديقي يعيش الغربة مع ذاته … فمن يعيدها إليه .

الكاتب / ثائر الربيعي
أن أفضل النعم التي يحضا بها المرء أن يمتلك صديق هو جوهرة ثمينة لا تقدر بثمن وليس لها مثيل في العالم ففي الصديق ستبحث عن أفكارك ورؤاك ومشاعرك وتغوص في جوارحه ويضمد لك جراحك النازفة …الصديق مرآة تعكس سلوكك ويصدقك في قولك ويرشدك للطريق الصحيح ويحفظ غيبتك ويعانق روحك وتشتاق أليه ويتحسس ألآمك ..تختاره أنت من خضم ملايين الناس لعناوين كثيرة لم تجدها في غيره ,كان صديقي بسيطا محباً متواضعاً يشعر بألمي وحزني وقسوة وجعي ..تغير عطفه وحنانه ومودته لي ,وتغيرت معه سرائره التي هي ابيض من البياض ,حاورته فقلت له :ما الذي جرى عليك وأي محنة وقعت بك …فأجابني أنها غربة المنفى عن الذات والعيش بلا هوية..هل جربت يوما ما أن تعيش بلا أمل وطموح يأتي الليل ويذهب ثم يأتي الصباح دون جدوى في حياتك ..عليك تحريري من هواجس الخوف التي شربت منها دون أن لا أعلم ثم انتشرت في جسدي ودمي وأصبحت أسيراً للقلق ..أذكر جيداً أنك قلت لي : لا خوف ولا وجل مع الحسين لم اسمع كلامك أخذتني عزة الإثم فالتحقت بمعسكر الملذات رغم كل النصائح التي قدمتها لي حتى بح صوتك ..يا صديقي المغريات كثيرة لكن الباقيات الصالحات هي من تبقى فأرجع لعهدك ولرشدك وترك حطام الدنيا والتحق بركب الحسين وحرر ذاتك من شرورك كما تحرر الحر وخير بين الجنة والنار,فاختار الجنة تاركاً وراءه حطام ملذات الدنيا الزائلة ,ثم قال لي : أيها الصديق كلما أردت العودة لحضن الوطن باعدني المنصب والسلطة وباعدتني أكثر السيارات المصفحة والبيت الفخم بأثاثه المغري والحرس من الحمايات الشخصية المخصصة لي وأنا أشاهدهم يتراكضون من أمامي وورائي وأجهزة الاتصال بأيديهم ينادون بها قائلين :(افتحوا الطريق سيادة المسؤول في الموكب) وغيرها من الامتيازات التي لا تعد ولا تحصى ,أما هموم الناس ومعاناتهم وأوجاعهم فتركتها دون النظر لها ,والوعود التي قطعتها مع نفسي وكلفتني أيمان مغلظة لم أعد أتذكرها ,كأن قلبي امتلئ بالمعاصي فطلقني ضميري الواعي طلاقاً لا رجعة فيه ,فذكرته بأبيات ابي العلاء المعري (صاحِ هذي قُبورُنا تملأ الرُحبَ … فأين القبور من عهد عاد ,خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الـ …أرض إلا من هذه الأجساد ,وقبيحٌ بنا وإِنْ قَدُم العهدُ هوانُ الآباء والأجداد ,رب لحدٍ قد صار لحداً مراراً … ضاحكٍ من تزاحم الأضداد ) ثم تركته ورجعت فقد استحوذ على نفسه وفكره الشيطان .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here