الشورجة قلب بغداد تحترق

توفيق الدبوس
أصبح مألوفاً إندلاع الحرائق في الشورجة قلب بغداد ومركزها التجاري المهم.حتى بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر.وأسوء ما سمعنا التبريرات السمجة وغير المعقولة من المسؤولين ذوي العلاقة .إن إندلاع الحرائق وبشكل يومي مستمر شيئاً لا يجوز التغاضي و السكوت عنه.وإن فشل الدولة وعجزها عن حمايتها وتطويرها شيءٌ مخجل, ومدعاة للسخرية والأستهجان.ففي الشورجة مليارات الدولارات. ويعتاش من أسواقها آلاف الناس ,من شتى الطبقات والمكونات. وهي مثالٌ حي للتعايش المجتمعي السلمي في كل الأزمان, حتى الساخنة منها, أيام الأقتتال الطائفي والأحتلال بشتى ألوانه.ففيها العربي والكردي والتركماني والفارسي والتركي العثماني الأصل .وفيها التاجر البسيط والملياردير والعامل والعتال الكادح وفيها المسلم والمسيحي والصابئي والأيزيدي والبهائي. وكان فيها اليهود أيضاً قبل ترحيلهم القسري وإسقاط الجنسية عنهم.
الشورجة ليست منطقة تجارية فقط .فهي تراثية ووجه بغدادالمشرق حاضرة العراق.فهي تضم شوارع ثقافية وتراثية, وفيها آثار مواقع وجوامع وكنائس وخانات ومدارس تأريخية ومصارف وأسواق يرجع تأريخها للعهد العباسي. وهي وسط مدينة بغداد وقلبها وعلامتها الفارقة.
مع توسع بغداد إمتد هذا المركز من باب المعظم شمالاً حتى ساحة السعدون جنوباً ومن نهر دجلة غرباً الى قناة الجيش شرقاً.توسعت الشورجة وتضاءلت الخدمات فيها.هي قلب بغداد الذي يحترق يومياً والدولة عاجزة ولا تعرف الحل.
إن فشل الدولة وعجزها عن تأمين هذه المنطقة المهمة التي فيها مليارات الدولارات لم يعد من الأخلاق والوطنية السكوت عنه. فلا مبرر لإهمال الدولة له.بل هو تقصير وشهادة لفشل ذريع لها ,وعدم جدارة للحكومة وأجهزتها. وهذا أمرٌ معيب. فما ذنب تجار يخسرون ملايين الدولارات وعمال يفقدون عملهم .أليس هذا خسارة للأقتصاد الوطني ووصمة عارٍ في جبين المسؤولين؟
لم نسمع من السلطات المختصة أية حلول جذرية للكوارث التي حلّت بمئات من عوائل التجار وهدر أموال لا تعد ولا تحصى.ولم تشكل الحكومة أية لجنة لتقصي الحقائق أو للتخطيط لمستقبلٍ حضاري أمين لها.
ومن المهازل أن يخرج علينا مسؤول يرمي بالمسؤولية على سوء خزن البضاعة أو ربما حرب بين تجار.شيءٌ مضحك مُذهل يستدعي العطف لهذا المسؤول المسكين الذي كشفَ عن جهله بواجبه ومتطلبات وظيفته.
يالها من سخرية فالحالتين هما من مسؤولية الدولة صاحبة صولجان النظام والقانون والحساب.وكم حزنت لقول أحدهم(( لقد حذرت يوم حريق أمس إن الحرائق ربما تستعر اليوم أو غداً وفعلاً شبت الحرائق كما قلت في سوق كذا!!!!))
يا لها من مسخرة مُحزنة! فيا ترى أين قوانين الدولة وأين النظام وأين الحساب.وأين أجهزة الدولة الأمنية؟؟؟
إنه التهرب من المسؤولية وشهادة بالعجز فمنْ يتولون المسؤولية ليسوا من ذوي الأختصاص تنقصهم المهنية وتعوزهم الجدارة.ولكنها المحاصصة والمحاباة والفساد الذي هدَّمَ الدولة العراقية.
قد يكون الأرهاب أوالتماس الكهربائي أو سوء التخزين من الأسباب وقد تكون حرباً بين بعض التجار كما قال البعض وإن كنت أستبعد هذه المزحة الثقيلة.لأن الحرائق شملت أسواق متعددة وبأماكن متفرقة وحرائق تكررت بنفس المكان كعمارة القادسية وسوق القشطيني وتحت التكية .ولكن الأكيد إن الدولة وأجهزتها هي المسؤولة بكامل المسؤولية عن كل هذا وبيدها الحل.ولكنها في وادٍ والشعب ومصالحه في وادٍ آخر .وهي عاجزة لا تعرف الحل.
الشعب جزء من الدولة وتقع عليه المسؤولية الكبرى لأن الحكومة نتاج هذا الشعب الذي أرتضى الفساد والفقر وفقدان الأمن والخراب.
على كلٍ لا يقتصر كلامنا على الإنتقاد فقط وإنما نطرح حلولاً لهذا الموضوع الهام الخطير.لعلها تجد أذناً صاغية عند من يهمه الأمر,وفق الآتي:
1-لا بدَّ من إيجاد مكان بديل للمركز التجاري الحالي وفق برنامج الأستثمار بمخطط حضاري شبيه بالسوليدير في بيروت. الذي أنشأه المرحوم رفيق الحريري.وهو لا يكلف الدولة سوى الأرض. التي سيتقاضى المستثمر ثمنها وكلفة المنشآت عليها من المستفيدين. وعلى الدولة دعم هذا المشروع معنوياً ومادياً أسوة بمشروع بسماية السكني. وتخصيص هذه الأرض بموقع مناسب قريب من الطرق السريعة مراعيةً للإزحامات المرورية وسرعة الوصول للكراجات والمخازن التجارية. ومن المهم أن يحتوي المخطط مركزاً للشرطة و فنادق ومطاعم ومقاهي ومحلات ترفيه وحدائق صغيرة عامة وفرعٌ لغرفة تجارة بغداد ومستوصف ودائرة بريد, وربطها بالشبكة العنكبوتية (الأنترنيت) وبنوك ومصارف حكومية وأهلية عراقية وأجنبية وسوق للبورصة ومعارض محلية أو دولية,ووحدة دفاع مدني مؤهلة ومجهزة بأحدث المعدات ووسائل الأطفاء ورجالٌ مدربين بشكل مهني جيد.و ربطها بشبكة مجارٍ ثقيلة وماء الشرب. ومن الممكن الأستعانة بالخبرات الأجنبية وهذا ضروري ومهم جداً.
2- جعل المركز التجاري الحالي (الشورجة) وحدة إدارية جديدة مستقلة كقضاء أو ناحية بإدارة مباشرة من رئاسة الوزراء متكونة من أمانة العاصمة ووحدة هندسية عمرانية ووزارات الكهرباء والداخلية والأمن الوطني وغرفة تجارة بغداد.
3- إزالة كافة التجاوزات في شوارع وأسواق الشورجة لفسح المجال لسيارات الدفاع المدني ووسائط النقل للوصول لأهدافها.ومنع تواجد أي بسطيات وسط الأسواق وإعادت الأسواق لسابق عهدها في سبعينيات وثمانيات القرن الماضي.لتتمكن العوائل البغدادية من التسوق بحرية وأمان.
4- إعادة نصب وتشغيل فوهات الحريق كما كانت في خمسينيات القرن الماضي.لا كما يجري اليوم حيث تذهب سيارات الأطفاء الى نهر دجلة للتزود بالمياه,كما كان الحال في القرون الماضية.
5- ربط كهرباء شوارع الشورجة ومحلاتها بالكهرباء الوطنية 24 ساعة بأسعارٍ تجارية, ورفع كافة التجاوزات على الأسلاك الكهربائيةالعامة مهما كانت الأسباب,وتحديث الأسلاك الكهربائية في الشوارع والأزقة , ومنع كافة المولدات بكافة أحجامها.
6- تُشَكلُ حالياً وبشكل فوري مستعجل لجنة مؤقتة من وزارةُ الداخلية والأمن الوطني وأمانة العاصمة وغرفة تجارة بغداد لأدارة الشورجة لحين إستكمال إصدار الأوامر والقوانين لأستحداث الوحدة الأدارية الجديدة. تُعيِّنُ حراساً رسميين للشوارع والأزقة. وتُنَظِمُ سجلاً لحراس أهليين مجازين بالحراسة, يشمل كل العمارات ,على نفقة مالكي العمارات, وبعدد مناسب ,وفق شروط تضعها اللجنة. وتُسيّرمفارز أمنية رسمية, بشكل مستمر 24 ساعة لرصد أية تحركات مشبوهة وتفتيش العمارات والتأكد من تواجد الحراس فيها ليلاً ونهاراً .ومنع تواجد أي أشخاص, ما عدا الحراس ليلاً.كما تُستحدث وتُنظم سجلات للعتالين وعمال المحلات التجارية وأصحابها وموظفيها. وفق معايير ومواصفات مطلوبة. وتمنحهم الجهات الأمنية باجات إلكترونية خاصة. ويقوم المفتشون بتقديم تقارير يومية عن كل التجاوزات والمخالفات والسلبيات تحفظ ألكترونياً لتتابع بشكلٍ جاد.
7- إلزام أصحاب عمارات ومحلات الشورجة بشروط تأمين وسائل الدفاع المدني وكل مستلزمات ومنظومات الأطفاء الحديثة ومسك سجل لكل عمارة .ومعاقبة كل مخالف وفق قوانين تُسَن لهذا الغرض.
8- نقل كل شركات الشحن الى خارج (الشورجة ) بإيجاد مجمعات بمساحات مناسبة لها, قرب المركز التجاري الجديد.وإيجاد كراجات خاصة لسيارات الشحن الصغيرة لتنقل البضائع منْ والى المركز والى كراجات الشحن الرئيسية وبالعكس خارج هذه المنطقة,وبجوار هذه الكراجات مخازن ستراتيجية ملائمة للتجار لخزن بضاعتهم.
9- نقل بعض أسواق الشورجة الى مناطق أخرى وخاصة ذات الخطورة بالأشتعال كسوق العطور والبلاستيك, أو أسواق تحتاج الى سيارات شحن مستمر كسوق الزجاج وسوق العدد اليدوية.
10- إجراء تغيير فوري لكل المسؤولين عن الدفاع المدني والأمن والشرطة وأمانة العاصمة المسؤولين حالياً عن الشورجة بأشخاص ذوي مهنية عالية.
11- إجراء تحقيق جدي معمق يقوم به فريق تحقيق مهني. يشكل لهذا الغرض, بعيداً عن أجهزة التحقيق الحالية الفاشلة العاجزة, لكشف الحقائق وتطرح المعالجات والحلول لتلافي الحرائق مستقبلاً.يستعين بخبراء مؤهلين ذوي إختصاص.
12- إنشاء ساحات لأصحاب البسطيات وعمارات كراجات للسيارات في مناطق من الشورجة ولو بإستملاك بعض العقارات القديمة.
13- تشجيع الدولة إنشاء شركات تأمين أهلية جديدة بعيدة عن شركة التأمين الوطنية التي لا يثق بها التجار, لعدم دفعها التأمين لتجار خسروا محلاتهم ومخازنهم جراء حرائق سابقة, بحجة إن التأمين لا يغطي حوادث الأرهاب.ومن ثمَّ إلزام التجار بالتأمين على محلاتهم برسوم تأمين معقولة وفق ضوابط غير مجحفة يمكن تطبيقها.
14-إلزام كافة التجار بنصب كامرات مراقبة في محلاتهم وأمامها, وكذلك نصب كامرات مراقبة في كافة الأسواق والشوارع المحيطة بها وربطها إلكترونياً بدائرةٍ أمنية خاصة.
هذه دراسة ومقتراحات بسيطة . ويمكن تشكيل لجنة مهمتها إعداد دراسة لمعالجة موضوع المركز التجاري (الشورجة) والنهوض به حضارياً وأعداد دراسة وخرائط للمركز التجاري الجديد خارج مدينة بغداد,إن كان للدولة إهتمام جدي بهذا الأمر الخطير .وإن كنت معتقداً بقول الشاعر :
لقدأسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
فالكل مشغول بمزايدات سياسية الغرض منه الفوز بإنتخابات قادمة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here