قرار رفع الحد الأدنى للأجور، ماله وما عليه

محمد رضا عباس
ذكر بيان لأمانة مجلس الوزراء , ان ” مجلس الوزراء اقر توصية لجنة تحديد الحد الأدنى لأجر العامل ليكون 350 الف دينار شهريا بدلا من 250 الف دينار الذي حدده المجلس بموجب قراره 178 لسنة 2013″. قرار مجلس الوزراء يعتبر نافذ للعمل ابتداء من السنة القادمة , وان هدف رفع الحد الأدنى للأجور هو ” من اجل مراعاة المستوى العام للأجور في الدولة ومراعاة تكاليف مستوى المعيشة , بالإضافة الى الحد من الميزة التنافسية للأيدي العاملة الأجنبية”.
بكل تأكيد الزيادة في الحد الأدنى للأجور سوف لن تغلق الفجوة الكبيرة بين الأجور في العراق العمال الماهرين والعمال الغير ماهرين. فجوة الأجور في العراق ستستمر , طالما وان هناك اختلافا في المؤهلات , الدرجة العلمية , نوع الوظيفة , العمر, بل حتى الجنس. مازالت المرأة العاملة تستلم راتبا شهريا اقل من اخيها الرجل في معظم الدول الصناعية في العالم.
قرار رفع الحد الأدنى للأجور سوف يشمل فقط شريحة العمال التي تستلم اجورا شهرية مقدارها اقل من 350 الف دينار شهريا , وليس الشريحة التي تستلم اجورا شهريا اعلى من 350 ألف دينار. القرار الجديد والذي رفع الحد الأدنى من 250 الف دينار الى 350 الف دينار , سوف يرفع دخل المواطن السنوي من هذه الشريحة من حوالي 3000 دولارا سنويا الى ما يقارب 4200 دولار , وهو مرتب سنوي لا يكفي لدفع كلفة ايجار بيت من غرفتين في المدن الحضرية , مثل بغداد و مراكز المحافظات العراقية . ولكن مع هذا فان الزيادة في الأجور عملية معقولة من اجل محاربة تأثير التضخم المالي على المستوى المعاشي للعمال من هذه الشريحة. لان ارتفاع التضخم المالي بنسبة 5% على سبيل المثال في العراق , يعني تقليل القوة الشرائية للمواطن بنسبة 5%, وعليه ومن اجل حماية المستوى المعاشي الطبقة العاملة فان من واجب الدولة رفع الأجور للعمال والموظفين على الأقل بحجم نسبة التضخم المالي. بالحقيقة , معظم أجور العمال في الدول الصناعية تتعدل بموجب نسبة التضخم المالي السنوي في البلاد. فعدما يزداد التضخم المالي في الولايات المتحدة الامريكية بنسبة 3% سنويا , فان الأجور هي الأخرى ترتفع بنسبة 3%.
قرار رفع الحد الأدنى للأجور , قد يؤدي الى زيادة كلفة الانتاج , وربما يؤدي الى إحلال المكننة محل العمال من اجل تخفيض كلف الإنتاج , وبذلك قد يكون قانون رفع الحد الأدنى للأجور سبب في تخفيض الطلب على العمال المحليين . ولكن هذه السناريو قد تكون صحيحة في الدول الصناعية. على سبيل المثال، بعد ارتفاع أجور عمال مطاعم ماكدونالد الامريكية , إدارة المطعم اضطرت باستخدام التكنلوجية اكثر في مطاعمها , وبذلك خفضت من طلبها على العمال وبنفس الوقت استطاعت ان تكون في موقع تنافسي كبير مع المنافسين لها.
لا اعتقد ان رفع أجور العامل العراقي من 250 الف دينار الى 350 الف دينار سوف يجبر ارباب العمل الى طرد عمالهم و إحلال المكائن بدلا منهم , لأنه لا يوجد في العراق شركات عملاقة بسعة 100 الف عامل قد تتأثر بالقرار الحكومي , ومن ثم ان معظم العاملين في الشركات في العراق يستلمون أجور شهرية اعلى من 350 الف دينار شهريا , وعليه فان الشريحة الوحيدة التي سوف تستفيد من هذا القرار هي شريحة العمال الغير ماهرين , وهم القلة القليلة في العراق . لان الراتب الشهري حتى لعمال المساطر (عمال البناء) هي اعلى من الحد الأدنى للأجور. الراتب الشهري لعمال المساطر هو على الأقل 600 الف دينار شهريا , على فرض ان اجرة العامل اليومية هو 25 الف دينار وانه يعمل 6 أيام في الأسبوع الواحد.
هناك خطر واحد من رفع الحد الأدنى للأجور , وهو في حالة قرار الحكومة العراقية رفع الحد الأدنى الى مستوى اعلى , على سبيل المثال 700 الف دينار شهريا, في مثل هذه الحالة , سوف يضطر ارباب الاعمال باستخدام العمال الأجانب , ولاسيما العمال الذين لا يملكون اذن حكومي للعمل بدلا من العمال المحليين . في هذه الحالة ستدخل الحكومة العراقية في مشكلة جديدة , لم تستطع أي دولة حلها , وهي الهجرة الغير شرعية للعراق من اجل العمل , وبذلك لا يستفاد العامل المحلي من القرار الذي شرع من اجل رفع مستوى معيشته و تزداد النفقات العسكرية لحماية الحدود.
قرار الحكومة برفع الأجور , سوف لن يؤثر على معدل الأسعار في العراق , لان الراتب الشهري حتى للعمال الزراعيين ( الخضروات ) هو اعلى من 350 الف دينار شهريا , بكلام اخر القرار الحكومي سوف لن ينشط التضخم المالي في البلاد وسوف لن يؤثر على الطلب الكلي للعمال . لا اعرف كيف توصل مجلس الوزراء الى رقم 350 ألف دينار ولا المعادلة الرياضية التي استخدمها. اعتقد ان اجر 350 الف دينار شهريا , هو دخل دون معدل الدخل السنوي للمواطن العراقي , كان بالأجدر بالحكومة رفع الحد الأدنى الى 450 الف دينار , حتى يكون دخل هؤلاء العمال المستفيدين من القرار الحكومي مقارب الى معدل الدخل السنوي للمواطن في العراق. على كل حال، ان راتب شهري قدره 350 الف دينار لرب عائلة سوف لن يغطي حاجات عائلته الكثيرة, وعلى الحكومة وضع برنامج مساعدات لكل رب عائلة مستوى دخله السنوي اقل من معدل الدخل السنوي للمواطن العراقي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here