مع الأستاذ الدكتور عبد المجيد القيسي ( البغدادي العراقي الأصيل )

عدنان الظاهر 20.12.2017

مع الأستاذ الدكتور عبد المجيد القيسي

( البغدادي العراقي الأصيل )

يتشرف العراقي حين يكتب عن زميل وصديق وأخٍ وفيٍّ نبيل أصيل كالحبيب أبي نبيل الرجل الرجل عبد المجيد محمد علي القيسي الذي وُلِد ونشأ في محلة الفضل / أبو شبل وأكمل دراسته أواخر أربعينيات القرن الماضي في كلية الكيمياء وعمل باحثاً صناعياً في وزارة الصناعة ثم واصل دراساته العليا فحصل على شهادة الدكتوراه في جامعة دبلن الآيرلندية. عاد للعراق فعمل تدريسياً في جامعة بغداد ثم غدا عميداً لكلية العلوم / جامعة بغداد للأعوام 1971 ـ 1973 حيث تخلى عن العمادة بعد أنْ تكالب عليه الحاسدون والشانئون وواضعو العصيّ في عجلات النهوض والتقدم وكل ما فيه خير للعلم والتعليم في عراق ذاك الزمان وقد كنتُ أنا نفسي شاهدَ عَيان على كل ما كان يجري يومذاك وقد كنتُ مقرر قسم الكيمياء في زمن رئيس القسم الأخ المرحوم عبد الرضا الصالحي / أبو لؤي.

كان الأستاذ القيسي نموذجاً فريداً في إدارة كلية العلوم / جامعة بغداد / إدارة وتخطيطاً وعلماً وأنموذجاً كذلك فريداً في سلوكه وتعامله مع زملائه الأساتذة والطلبة وعناصر الإدارة في كلية العلوم. كانت أبواب مكتبه مُشرعة دوماً لزيارته ومقابلاته الرسمية فلا مواعيد صارمة مُسبقة ولا حجاب ولا مراجعة السكرتيرة الأمر الذي غدا كذلك بعده مباشرة.

غادر عمادة كلية العلوم ليتمَّ اختياره مُستشاراً لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

كان إنساناً بحقٍّ وحقيق قبل أنْ يكون عالماً وإدارياً مُحنّكاً عزَّ نظيره.

زهد أبو نبيل بالدنيا وبهرجها وكل ما فيها من مغريات ولمعان مناصب وأُبّهات وأتعبته المُنغصّات ونذالات البعض من المحسوبين على الهيئات التدريسية في كلية العلوم فأحال نفسه على التقاعد مُبكّراً جداً عام 1980 كما أخبرني في رسالة منه لي.

أين هو اليوم هذا العراقي البغدادي النبيل الأصيل النادر ؟

إنه مقيم اليوم في كندا ( مدينة هاملتون ) يشكو من الوحدة وضعف حدّة ناظريه فقد ترك وطنه وأهله وبيته الذي كان قصراً مُنيفاً في حي الجامعة في بغداد باع القسم الأكبر من حديقته الغنّاء التي زينها بأشجار النخيل النادر زمن الحصار القاتل. آه يا عراق ثمَّ آآىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىه يا عراقنا الذي قتلتَ خيرَ مَنْ فينا في الأولين والآخرين وشرّدتَ الباقين منهم أحياءً. هل من لقاء معك حبيبي النبيل أبا نبيل ؟

أين تمور نخيل حديقة بيتك وأين مكتبتك العامرة بل وأين مجموعة المسابح ( السِبَح) النادرة التي بَخُلت ذات يوم أنْ تتنازل لي عن واحدة منها من الكهرب النادر المشرّب باللون الأخضر قلت لي إنها عزيزة عليك فهي هدية لك من شقيقك الأصغر قارئ القرآن الحاج علاء الدين القيسي .. ومن ذا يستطيع الدنو من عالم وشخصية شقيقك هذا ؟

وقفتَ معي أخي عزيزي أبا نبيل في مواقف مفصلية ودافعتَ عني بكل إخلاص حين تعرّضتُ لبعض الإحراجات وتهديدات البعض خاصة رئيس جامعة بغداد يومذاك الذي نوى لي شرّاً مُستطيراً لولا وقوفك معي ودفاعك عني فهل أنسى أفضالك ومواقفك الرجولية والإنسانية معي ؟

بقيتَ طوال حياتك ذاك الإنسان النزيه الفاضل المتواضع النقي المحب للعمل والعدالة في الحياة ولم تتنكر للبيئة الطاهرة التي وُلِدتَ ونشأتَ فيها في محلة ” ألبو شبل ” تساعد أباك في أعماله صبيّاً صغيراً وطالب إعدادية ثم طالباً قي كلية الكيمياء فاختلط فيك حب العمل والعلم وكان العمل قبل العلم وكنتَ وبقيتَ النصير الأبي المخلص للعمال وبسطاء الناس وذكريات ” ساحة السباع ” الطبقية والوطنية.

لا يًعاني الحبيب أبو نبيل من وحدة عازلة كاملة فهو يقرأ ويكتب ويتواصل بلغته العربية السليمة وبأشعاره التي تفيض عذوية بغدادية ـ عراقية فلقد وصلتني في العامين المنصرمين فيديوهات نادرة حول بغداد وبعض مدارس وكليات بغداد ( الغربية والمركزية وكلية بغداد وكلية الصيدلة ) أنشر هنا آخر ما وصلني منه يوم أمس مع الكلمة التي قدّمَ فيها الفيديو الأخير :

[[ هذه صور ومشاهد قديمة إسترجعتها من الذاكرة عن الحياة الإجتماعية والثقافية والفنية والسياسية في بغداد قبل منتصف القرن الماضي، حيث البساطة والرتابة؛ ومعبر عنها الشعر. فقد عشت تلك ألأيام بحلوها ومرها وبتفاصيلها الدقيقة.
وعلى الرغم من معاناة اغلبية الناس؛ من عمال وكسبة؛ من الحرمان والفاقة والعوز؛ لكن مشاعر الألفة والمحبة والتراحم كانت هي السائدة بينهم على تنوع قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم. فالحياة يومها تميزت بالبساطة والقناعة وراحة النفس النسبية، وبخاصة في الأعياد الدينية وفي المناسبات القومية والوطنية والإجتماعية.
فما أعذبَ ليالي بغداد؛ يومئذ؛ بسمائها الصافية وبهدوئها المنعش. وما أجمل نهر دجلة وهو يتهادى كـ (حْديثة) بغدادية فاتنة ويراقص السميريات (البلام) وهي تتمايل جذلا وحبورا. وما أطيب أبخرة المسگوف والذها وهي تحوم حول رواد مقاهي شاطيء (أبو نؤاس) الخالد وهم يتسامرون ويتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث.
فأين نحن اليوم من تلك الأيام وقد تناثرت ارواحنا وتلاشت مشاعرنا في مجاهل القارات القصية ولسان حالنا يردد بهمس وحرقة وألم:

صورٌ لها في الفؤادِ حنينْ……… ولها في جوانِحنا أنيـــــنْ
ففيها نشاهدُ ظِـــلَّ الصَّبا……….. فنبكي شباباً بدمعٍ سخينْ
فتعساً لأيامِنـــــا هــــــذه ………. ولِتظلَ شهْدا تلك السنينْ

مجيــد القيسي ]]

أجلْ، ما أعذب ما كتب من أشعار عراقية صميمة تناول فيها أعمق ما في تراثنا الشعبي من أغاني وأهازيج وهوسات ونخوات يتم تداولها على ألسنة بسطاء الناس في درابين بغداد خاصة ومقاهيها الغارقة في جذور وأصول وطبائع وغرائز العراقيين ولم ينسَ كبار المطربين ولا أوتار كبار الملحّنين وضاربي العود وأهل الطرب فإنه من هناك واحدٌ منهم فيهم في وجدانه وسليقته وميوله الفطرية التي تكاملت في أجواء الفضل والحمام المالح وألبو شبل فما أكبرك وما أروعك أخي ونصيري وحبيبي أبا نبيل ؟

أُرفق مع رسالتي هذه بعض الفيديوات التي صممها وبذل فيها ما بذل من جهود رغم معاناته من ضعف عينيه جعلتُ عينيَّ فداءً ليعينيك أخي الأعز دكتور عبد المجيد القيسي وأنت هناك بعيد عني أنت في كندا وأنا هنا في ألمانيا.

عدنان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here