تحريم التجاوز على المؤسسات في كردستان… والعبادي يخشى ردّة فعل دولية في حال تدخل حكومته

مشرق ريسان

خرج متظاهرون، أمس الجمعة، لليوم الخامس على التوالي، في مناطق متفرقة في محافظة السليمانية، في إقليم كردستان العراق، للمطالبة بسقوط الحكومة ومحاربة الفساد وإطلاق سراح المتظاهرين، الذين اعتقلتهم قوات الأمن خلال الأيام الماضية.
وتجمع في ساحة السراي، وسط مدينة السليمانية العشرات عند منتصف النهار بينهم ثلاثة نواب من حركة التغيير، أحدهم في مجلس النواب العراقي والآخران في برلمان الإقليم.
لكن قوات الأمن سارعت إلى تفريقهم بإطلاق النار في الهواء وقنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين، ما أدى إلى إصابة عدد من المتظاهرين وبينهم النواب الثلاثة بحالات اختناق نقلوا أثرها إلى المستشفى. بعدها نفذت قوات الأمن حملة اعتقالات شملت عدداً من المتظاهرين. كما فرضت إجراءات مشددة في عموم مدن محافظة السليمانية ومنعت خروج تظاهرات جديدة.
وشهدت مدينة رانية التي يسكنها 100 الف نسمة على بعد 130 كيلومترا شمال غرب السليمانية، تظاهرة شارك فيها المئات وقاموا خلالها برشق قوات الأمن بالحجارة، وفقا لشهود عيان. وهتف المتظاهرون خلالها «سلموا مَن أطلق النار على المتظاهرين للعدالة» كما طالبوا بـ«اطلاق سراح المتظاهرين الذين اعتقلتهم قوات الأمن»، وفقا للمصادر.
وفي بلدة جمجمال، على بعد 70 كيلومتراً جنوب السليمانية، خرج مئات المتظاهرين وهتفوا خلالها «تسقط الحكومة الفاسدة» و«لا للفساد» ورشقوا قوات الأمن بالحجارة، وفقا لشهود عيان.
وقامت قوات الأمن بدورها، بإطلاق النار في الهواء والغاز المسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين، وفقا للمصدر.
وأعلن عناصر في حركة «التغيير» عن قيام قوات الأمن باعتقال حوالي 200 شخص خلال الأيام الثلاثة الماضية في مدينة السليمانية فقط، فيما اعتقل عشرات آخرون في مناطق متفرقة في المحافظة.
النائب عن كتلة التغيير النيابية، محمود رضا، أكد على «ضرورة ابتعاد المتظاهرين في الإقليم عن أعمال العنف وحرق الممتلكات العامة والخاصة»، معتبراً أن «هذه الاعمال تضيع المطالب المشروعة التي منها إبعاد الحكومة الكردية الحالية وعائلة بارزاني عن سدة الحكم».
المواطن الكردي، وفق رضا «ضاق ذرعا بسياسة حكومة الإقليم التي يسيطر عليها حزب بارزاني وأتباعه ويحاولون الاستحواذ على مقدرات الإقليم وسرقة ثرواته».

فتاوى بحرمة الحرق والتخريب

في الموازاة، افتى أئمة وخطباء مساجد في كردستان بـ«حرمة» حرق وتخريب المقار الحزبية والدوائر والمؤسسات في الإقليم.
وعدّ رجال الدين في محافظات كردستان الأربع، في خطبة صلاة الجمعة، أن «تلك الاعمال منافية لأخلاق الدين الإسلامي»، وإنها «معصية لمن يقدم على تلك الأفعال تحت مسمى التظاهرات».
وأكد الخطباء أن «التظاهرات والاحتجاجات يجب أن تجري بشكل حضاري بعيدا عن أي أعمال عنف وتخريب يستهدف المواطنين في كردستان بالدرجة الأولى».
وعبروا، حسب وسائل إعلام كردية، عن أسفهم لـ»سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين في حدود محافظة السليمانية، إثر التظاهرات».
وحذروا من «محاولات لتقويض الأمن والاستقرار في كردستان من قبل جهات وأطراف فوضوية ومخربة».

إلغاء تظاهرة للمعلمين

وعلى إثر ذلك، قرر التدريسيون والمعلمون في منطقة كرميان في إقليم كردستان، إلغاء تظاهرة لهم كانت من المقرر أن تنطلق اليوم السبت، احتجاجاً على تأخر الرواتب والمطالبة بتحسين الواقع المعيشي والخدمي في الإقليم.
وقال متحدث باسم التدريسيين والمعلمين في مؤتمر صحافي مشترك عقد بحضورهم، أمس الجمعة، أن «هناك جهة سياسية، وبشكل خفي تحاول خرق التظاهرات التي أعلنا عنها يوم غد (اليوم)»، مبيناً أن «هذه الجهة تحاول أن تركب موجة تظاهرتنا. وتقوم بحرق مقرات حزبية ودوائر حكومية في كرميان، وأن ترتكب أعمالا بشعة أخرى منافية لحق التظاهرات».
وأضاف: «نحن هنا نعلم الجميع أن تلك الجهة تحاول أن تستفيد من التظاهرة لإشعال نزاعا وحربا بين الأحزاب السياسية في كرميان»، معلناً «الغاء التظاهرة والاكتفاء بمقاطعة الدوام الرسمي ليوم واحد في مدارس المنطقة كتعبير عن الاحتجاج والرفض للأوضاع التي تمر بها كردستان».

الصدريون يدعمون تظاهرات الإقليم

وفي بغداد، تظاهر مئات العراقيين غالبيتهم من أنصار المعارض السياسي البارز مقتدى الصدر في بغداد، أمس، تأييدا للمظاهرات التي تشهدها كردستان.
واحتشد مئات من أنصار الصدر في ساحة التحرير في بغداد، وسط إجراءات أمنية مشددة، ورددوا شعارات مناهضة للفساد المالي والإداري في البلاد، وداعمة للتظاهرات التي تشهدها بعض مدن كردستان.
وقال عبد اللطيف جبار، أحد المتظاهرين إن «تظاهراتنا الأسبوعية بدأت تأتي ثمارها حتى على صعيد إقليم كردستان، نلاحظ اليوم الجماهير في الشارع تهتف ضد الفاسدين والفساد في مدن إقليم الشمال، وهذا شيء إيجابي وتطور في الوعي الجماهيري».
وينظم أنصار الصدر تظاهرات واحتجاجات ضد الفساد في بغداد وبعض المدن العراقية.
وأوضح جبار أن «الجميع اليوم في بغداد والمحافظات مؤيد للتظاهرات التي تشهدها مدن الإقليم ضد الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية ومحاسبة الفاسدين ومنح المواطنين حقوقهم القانونية».
وتأتي هذه التظاهرات في بغداد، بعد إعلان رئيس الحكومة حيدر العبادي في مؤتمره الصحافي الأخير، إن الحكومة الاتحادية في بغداد «لن تقف متفرجة» فيما يحدث بكردستان، وهدد بـ«معاقبة المعتدين» في حال حدث خرق او اعتداء على أي مواطن، بكون إن واجب الحكومة الاتحادية «حماية المواطنين في جميع محافظات العراق وحماية ممتلكاتهم وممتلكات الدولة».
ورأى سعد المطلبي القيادي في حزب الدعوة الإسلامية، بزعامة نوري المالكي، في حديث لـ«القدس العربي»، إن «كلام العبادي يُفسر على إنه في حال سقوط ضحايا بسبب التظاهرات، وتعرض المواطنين في الإقليم إلى الظلم، فإن ذلك يستدعي على الحكومة الاتحادية التدخل بكل الوسائل الممكنة سواء كانت على المستوى الإداري ـ إدارة الإقليم من قبل بغداد، أو على المستوى العسكري لحل الأزمة».
لكنه أشار: «حتى الآن لا نعرف المعيار الذي حدده العبادي للتدخل في قضية التظاهرات في الإقليم وتداعياتها»، موضّحاً إنه «في حال كان الوضع في إقليم كردستان مسيطر عليه، وتجري التظاهرات بطريقة سلمية كحق للمواطن العراقي، ولم تتسبب بوقوع مجازر بحق الشعب الكردستاني، فإن ذلك الأمر لا يستحق تدخل الحكومة الاتحادية».
وكشف المطلبي، وهو نائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس بغداد، عن «أبعاد دولية وإقليمية تتيح للحكومة العراقية التدخل في الوضع الداخلي للإقليم، في حال إعلان المنطقة منكوبة مثلاً، أو إعلان حالة الطوارئ فيها، لكن بغير ذلك لا يمكن للحكومة الاتحادية التدخل».
وتابع: «في جميع دول العالم، تتيح الدساتير والقوانين الدولية للحكومات الاتحادية التدخل في الأقاليم في حال حدوث مصائب أو كوارث، كما حدث في احدى الولايات الأمريكية عندما تعرضت لفيضان واعلانها منطقة منكوبة، الامر الذي دفع الحكومة إلى التدخل واستثناء الحكومة المحلية من العمل».
وأقرّ المطلبي بأن «العبادي يخشى من ردة الفعل الدولية في حال تدخل الحكومة الاتحادية بإقليم كردستان العراق»، مبيناً إن «أي تدخل، سيدفع حكومة الإقليم إلى الادعاء أن بغداد تسعى للهجوم على الإقليم والهيمنة عليه وتعرض الشعب الكردي إلى ظلم جديد، وتستعمل هذا الأمر ورقة ضد الحكومة الاتحادية».
وطبقاً للمصدر فإن «العبادي ينتظر طلباً رسمياً من حكومة الإقليم، أو من قادة الأحزاب السياسية الكردية، للتدخل، وبعكس ذلك فإن من الصعب جدا تدخل حكومة بغداد».
ونفى «تعمد» الحكومة الاتحادية السكوت أو التغاضي عن ما يجري في السليمانية وإقليم كردستان من اضطرابات شعبية، واستعمال الاحتجاجات كورقة ضغط على إقليم كردستان لإلغاء نتائج الاستفتاء ـ الذي جرى في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، و«الرضوخ» لإجراءات بغداد.
وقال إن «الحكومة الاتحادية لا ترضى بتعرض المواطن الكردي إلى الظلم، بل على العكس من ذلك»، كاشفاً في الوقت عيّنه عن «جهود تبذلها الحكومة الاتحادية لتوحيد الموقف الكردي وتشكيل وفد حزبي ينظم جميع الكتل والأحزاب السياسية الكردستانية، من أجل بدء مفاوضات جدّية مع بغداد، وإنهاء التوتر في المناطق المتنازع عليها».
وسبق للعبادي أن دعا حكومة كردستان إلى «تأكيد التزامها بالدستور والتعاون لبسط السلطة الاتحادية»، وقال أيضاً «مازالت مطالبنا من إقليم كردستان واضحة، واخبرنا حكومة الإقليم بها، وشكلنا لجنة عليا تفاوضت على العودة إلى حدود 2003، وجزء من المطالب قد تم تنفيذه ولكن هناك جزء معطل منها، وندعو لتفعيل هذا الجزء لأنه مطلب دستوري واضح».
وحسب المصدر فإن «الحكومة الاتحادية لا تزال تصر على موقفها بشأن الحوار مع الإقليم، وفي حال تحقق ذلك الشرط (إلغاء الاستفتاء ونتائجه) فمن الممكن الدخول في حوار جدي يفضي إلى خلق تفاهمات حقيقية وليس حوارات عقيمة»، مبيناً إن «جميع الحوارات السابقة كانت غير جادة، ولم تبتعد عن كونها محاولات كردية لاستدراج الحكومة الاتحادية لحوار يستخدم ضد الشعب الكردي نفسه، وإسكات الأصوات الكردية المطالبة بالحقوق».
وختم المطلبي حديثه قائلاً: «الحكومة الاتحادية في بغداد لن ترمي الحبل لإنقاذ الفاسدين في إقليم كردستان العراق». على حدّ وصفه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here