شذرات لعراق ما بعد النصر

أولاً – النصر:

• اعلان يوم النصر وتحرير العراق من داعش هو اعلان ان الجسم العراقي الان لديه مناعة (عسكرية ونفسية) ضد عودة الارهاب الشرس الى جسده.

• يحتاج الجسم العراقي، ليتعافى من اثار الورم السرطاني الداعشي، الى انواع من المعالجات، هذه المعالجات تتطلب المشاركات المختلفة البناءة للمجتمع، بكل قواها السياسية والعسكرية والأمنية والمجتمعية..الخ.

• نحتاج الان الى تناول مقويات امنية (خصوصاً استخباراتية) وفكرية (مفاهيم التسامح ونبذ التطرف) لنتاكد من خلو الجسم العراقي من اي أمراض مزمنة.

• مع شفاء الجسد العراقي من آثار الورم السرطاني الداعشي، هناك تساؤلات تفرض نفسها على واقعنا, هل شخصنا الاسباب الجوهرية والبيئية لهذه الظاهرة لكيلا تعود؟ ومع تشخيص الاسباب، هل اعطينا الجسد العراقي العقاقير الفكرية والسياسية والاقتصادية المضادة لتمنع عودتها؟

• هناك خسائر مادية ومعنوية حصلت مع حقبة داعش المظلمة ومسبباتها ونتائجها، ياترى كم نحن مدركون لصعوبة استرجاع ماخسرنا؟

• مع النصر ياتي السؤال الجوهري بشأن ضرورة بيان المعالم الاستراتيجية لشكل الدولة المطلوبة، والا فاننا سنفقد فرصة تصعب اعادتها.

• عكس العراق للعالم ان قواه العسكرية، بجيشها وحشدها وبيشمركتها وعشائرها وغيرهم، قادرة على دحر التنظيمات السلفية الجهادية العالمية وذلك اعتماداً على عقيدة راسخة ووحدة ثابتة. هذا الكم الهائل من الخبرة القتالية سيكون ضمانة لحفظ وحدة البلاد وسلامتها.

• مع تعدد منظومات العسكرة في الدولة (حشد وجيش وشرطة اتحادية وقوات رد سريع..الخ) نحتاج الان الى تقليل هذا الترهل وننظم امرها لتكون اكثر فعالية واقل تكلفة. طبعا هذه الخبرات والطاقات تستطيع ان تشارك بقوة في عملية اعادة البناء للبنى التحتية للعراق.

• علينا تقديم الشكر والامتنان لكل من عمل معنا وساندنا في حربنا ضد الاٍرهاب، هذا الشكر سيذكرنا بحاجتنا الى الاخر وحاجتنا الى توطيد علاقاتنا الخارجية كإجراء استباقي للتعاون المستقبلي لتحدياتنا المشتركة؟

• نصرنا على داعش عكس لنا اهمية الحاجة الى الاخر العراقي والاجنبي، فهل ياترى ندرك ايضاً اننا نحتاج الى قبول الاخر لنا.

• مع انتهاء الحرب ونصرنا وشكرنا لفرساننا وابنائنا لتحقيقهم النصر، ياتي سؤال مهم هنا بشأن طبيعة المكافأة التي تليق بهم وبتضحياتهم؟ الحوار مع الفرسان مقدمة مهمة لتبني تطلعاتهم المجتمعية بعد عودتهم للحياة الطبيعية.

• تحية اجلال وإكبار وشكر واحترام لأرواح الشهداء والجرحى الذين امتزجت دماؤهم الطاهرة بتراب الوطن.

• تحية اجلال وإكبار وشكر واحترام لعوائل الشهداء والجرحى الذين قدموا اقدس الموجودات في سبيل الوطن.

• تحية وشكرا لكل الدول المجاورة والصديقة والمنظمات الدولية التي دعمتنا وساندتنا في حربنا ضد الارهاب والتطرف الجهادي السلفي

======================================

ثانياً – التعايش ضرورة:

• مع سيطرة داعش على بعض المحافظات والمناطق الاخرى حصل انفجار سياسي خارجي وداخلي في تلك المناطق، ستؤدي هذه الانفجارات الى تغيير جذري في خريطة التحالفات السياسية.

• مع إجراء الاستفتاء في مناطق اقليم كردستان وغيرها حصل انفجار سياسي داخلي وخارجي في تلك المناطق، ستؤدي هذه الانفجارات الى تغيير جذري في الخريطة السياسية الكردية وبالتالي العراقية والحكومية بالذات.

• ماهي المعادلة السياسية الجديدة التي ستحكم العلاقة بين بغداد واقليم كردستان؟ لاسيما ان المعادلة الادارية والقانونية واضحة حسب الدستور العراقي.

• هل ان تداعيات دوّي انفجار استفتاء الاقليم قد اثرت في قدرة الاحزاب الكردية على سماع خطابات بغداد بوضوح ومن دون تلوث بيئي؟ ام ان بغداد تحتاج الى ان تخاطبهم بطرق اخرى؟ هناك حاجة للغة حوار مشتركة لكي نقلل من تداعيات الاستفتاء؟

• مع النصر وعبور ازمة استفتاء الاقليم هل ندرك ونعمل على ضرورة جعل هذاالزواج العراقي الكاثوليكي زواج فيه وئام وسعادة وقائم على اسس التسامح والتعاون؟

• مع كوننا كلنا ابناء عائلة عراقية واحدة، هل نحتاج حقاً الى توسيط الاصدقاء من الجيران والاجانب لحل مشكلاتنا الداخلية؟ علم الاجتماع يقول ان المشكلات العائلية تتعقد مع ازدياد تدخلات الاغراب.

• الدولة، رب العائلة العراقية، تحتاج ان تعكس لابنائها المواطنين، بجميع اعراقهم، انها لا تفاضل بينهم وان حنانها ابوي وعادل ومنصف وان تشاكس أولادها او اثر فيهم الدهر سلباً.

• من جانب اخر، الابناء يحتاجون ان يعرفوا ان رب العائلة ذو دخل وجهد محدود، وان الزمن قد غدر به، وان دار سكناهم تحتاج الى عناية الكل لكي تسترد جمالها وتهيئ بيئة صحية للاولاد والاحفاد.

• رعاية النازحين والمهجرين من المخيمات وإعادتهم الى مساكنهم مقدمة لاعادة المصالحة المجتمعية بينهم وبين الدولة واجهزتها.

• هل وصلنا الى بر الامان في تمسكنا بالحوار والتسامح كآلية وحيدة لحل خلافاتنا واختلافاتنا بعيدا عن عهد السلاح؟ ام ان الاصبع ما تزال على الزناد تحرزاً وخوفاً من غدر الزمن؟

• من الضروري ان نؤمن ان لنا مستقبلا واحدا وعلى جغرافيا واحدة حتى وان اختلفنا على تفسير التاريخ او لم نكن على رؤى لسياسة واحدة، البديل ان نرجع لمربع الصفر وتداعياته وهذا ما لايفيد أي طرف غيور على بلده.

======================================

ثالثاً – البناء القويم:

• هل النخبة العراقية قادرة على بناء جسور بين الطبقة السياسية الحاكمة والجمهور؟ ام انهم يتحدثون مع انفسهم فقط، غير مؤثرين في من يحتاجهم من الحكام او ابناء الشعب؟

•على النخبة ان تكون حلقة الوصل بين الحكومة والقيادة من جهة والمجتمع والشعب من جهة اخرى، السؤال هنا حول مدى قوة ومتانة هذه الحلقة؟ وهل تستطيع هذه النخب ان تغذي قيادات المجتمع بأفكار وطاقات تعكس تطلعات جمهورها؟

• هل للفكر السياسي عندنا في العراق دور واضح في رسم سياسات الحكومة وتوجهها؟ ام ان حجم التحديات وانيتها يجعلاننا نؤمن ان حاجتنا الى الفكر شيء عرضي.

• هل يستطيع اي نظام سياسي ان يستديم في حكمه ويتطور من دون الاعتماد على مدرسة فكرية واضحة المعالم، تنبثق منها برامج حكومية واقعية تعكس قدرتها على التخطيط وكسب الزمن لصالحه.

• الحديث عن معالجات آفة الفساد سيكون ناقصا من دون تقويم المؤسسة القضائية واعطائها الحصانة المعنوية والمادية الضرورية لتطبيق العدالة.

• هل تطبعنا (كحكومة ومجتمع) مع الفساد والسرقة والمال الحرام الى درجة أصبحنا كأننا ننظر لما يجري في بلدنا كمشاهدين لمسلسل درامي عبر التلفاز وليس كممثلين لنا دور فيه؟

• الفساد ظاهرة مجتمعية، والتعويل على الدولة وحدها في التعافي منها مطلب طموح جداً وأقرب الى التمني. نعم المشكلة والتحدي اكبر من الدولة ويحتاج الى همة وعزيمة الجميع اعترافا للمريض اولاً بانه يحتاج الى علاج يعتقده البعض مزمن. وهنا يأتي السؤال عن ماهية المشروع الوطني في معالجة الفساد وما هي ادواته ومنهجه وبرنامجه وخارطة طريقه؟

• نحتاج الى مشروع وطني في محاربة الفساد والا نربطه بحملة هنا او هناك، بل هو سباق ماراثوني طويل وشاق ويحتاج الى زاد من انواع مختلفة. ومن الضروري دعم الحكومة في هذه المرحلة الحساسة وان نجعل حملة محاربة الفساد مشروعا وطنيا يطلب ويسمح للكل بشرف المشاركة فيه، وكل حسب قدرته ودوره.

• ترسيخ القانون والبناء القويم للدولة الحديثة لا يتم من دون مشاريع وطنية جبارة لبناء دار مهدمة وارجاع عوائل مهجرة الى ديارها ومعالجة التحديات الاقتصادية وآفة الفساد …الخ.

======================================

رابعاً – صندوق الاقتراع:

• مع تحديد موعد الانتخابات ودخول العراق الى الكرنفال السياسي الانتخابي، سنلاحظ التصعيد في عملية تسجيل النقاط (وبعض ممارسة التسقيط) على من كان بالامس صديقا وحليفا، فهل سيرجعون كأحباب بعد تشكيل الحكومة القادمة؟

• يقال، والعهدة على الراوي، ان 142 حزباً حتى الان سجلوا للمشاركة في الانتخابات القادمة، وان 40 ٪ منها جديدة، ياترى هل نقول ان مع الزيادة بركة؟ ام ان مع الزيادة ترف وتبطر ديموقراطي؟ وهل ان هذه الزيادة “اللامعقولة” في الاحزاب هي اقرب الى كون هذه الاحزاب احزاب ذات استهلاك سريع (استعمال لمرة واحدة)؟

• هل ان خوفنا من عودة كابوس الدكتاتورية يجعلنا لا نفكر بتأني بتداعيات التفريخات الحزبية الهائلة وظهور عملية استنساخ للأحزاب من دون استناد على فكر او ايديولوجية رصينة؟ ياترى هل انتقلنا من حكم الديكتاتورية المطلقة الى ممارسة الديموقراطية الفوضوية؟

• مع هذا الكم الهائل في الاحزاب الساعية للمشاركة في الحكم، ومع عدم وضوح الخلاف الفكري بينهم، هل ياترى سنحتاج الى دورة او دورتين انتخابيتين لغرض لملمة وترشيد هذا الترهل لينتج حزبين الى اربعة احزاب، ذات ايديولوجية مختلفة ومتنافسة؟ هذا الترشيد قد يؤدي الى ظهور معسكر المحافظين مقابل اللبراليين مقابل التقدميين او الديموقراطيين او اي مسمى يعكس بمعقولية تطلعات المجتمع ومشاربه.

• نأمل الا تتحول ديموقراطيتنا الوليدة الى من سيحكم فقط، والا نكون مثل الولايات المتحدة التي تبدأ الحملة للولاية الثانية منذ يوم الاول لتسلمهم للولاية الاولى. من جانب اخر اعتقد لدينا الكثير من الاولويات والحالات الطارئة والمستعصية التي تحتاج الى جهدنا وتركيزنا بدل ولع الرئاسة عند الطبقة الحاكمة.

• السعي لشرف تمثيل المجتمع من المفروض ان يكون وسيلة لتحسين حال الجمهور وليس لإشباع غريزة عمر او زيد في الحكم. وان الشخصية الخيالية الخارقة سوبرمان لا تستطيع ان تحكم العراق ولو باقل مستوى مادام لم يأت المسؤول بفريق بمستوى التحدي. علينا توجيه سؤال لمن يريد ان يرشح لمجلس النواب او يُرشح للحكومة القادمة، من هو فريقك؟

• ان مثلث الإخلاص والنزاهة والاعتماد على الكفاءات هو المقدمة الضرورية للبناء ونجاح المسؤول وإلا فنقصان أحدها يعني التعجيل في الخراب.

• ان المسؤولية على عاتق القيادات السياسية والمجتمعية والدينية تحتاج الى تأكيد أهمية السلم المجتمعي والاستيعاب الدقيق لتبعات وتداعيات أي تصريح او موقف منها أثناء الحملة الانتخابية على المديين القصير والبعيد.

• مع دخولنا الدورة الانتخابية الخامسة لمجلس النواب هنا يأتي السؤال بشأن تحسّن نوعية أعضاء مجلس النواب عبر هذه الدورات، وان حصل تطور أغنى الدولة بأعضاء مجلس نواب ذوي جودة وغنى في النزاهة والحرص والإدارة الرشيدة؟، غير ناسين أنهم قلب وعقل المؤسسة التي يرتكز عليها بناء عراق ما بعد 2003 م.

• لماذا نسمع ونرى كثرة الراغبين في الانضمام الى عضوية مجلس النواب؟ ولعل الأرقام الاولية عن عدد المرشحين تعكس مخاوف الذين لهم هلع من تحول هذه المؤسسة الحيوية الى ناد للطبقة الحاكمة بعيدا عن تطلعات الشعب الذي حصلوا على شرف تمثيله.

======================================

خامساً- مراجعات:

• لماذا نسمع قسما من المسؤولين الحاليين والسابقين يتحدثون عن الفساد وكشفهم له بعد تعايشهم معه طوال هذه المدة، وكأنه شيء لا يخصهم، وكأنهم لم يكن مطلوبا منهم اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة تجاه هذه الجرائم، التي هم اما شهود عليها او شاركوا فيها بسكوتهم؟.

• من الشجاعة أن يعترف الانسان بأخطائه وسوء تقييمه للمواقف والاشخاص، اذ نحتاج كمجتمع الى ان نعرف ماذا جرى لكي لا نكرر الأخطاء، او لكي نوصّل هذه الدروس الى الأجيال اللاحقة وخصوصاً ان هناك حاجة ماسة الى المعلومة الدقيقة او الحقيقة المخفية من المصادر نفسها.

•العراق بحاجة الى سياسيين مهنيين قادرين على تكوين رؤية واضحة واتخاذ قرار شجاع، مع التزام عال بتطبيق القوانين والتشريعات، وان يمتازوا بالكفاءة والنزاهة والمهنية بعيداً عن التحزب والتخندقات الطائفية والقومية.

======================================

سادساً- البيئة الصحية:

• الزمن غدر بالعراق، والمحنة طالت عليه، والتركة كانت ثقيلة، والامتحان يبقى صعبا، والدهر سيكشف لنا عن ان الشكوى فقط، من دون عمل، سوف تزيد من عمق الحفرة التي نحن فيها، وان المراجعة والسعي نحو البناء خير منهج لراحة البال وحسن العاقبة والوصول الى بيئة صحية.

• عاصمتنا بغداد عبارة عن قرية كبيرة غير نظيفة، تحمل كل معالم العشوائية، تحدث فيها الفيضانات في الشتاء من الأمطار القليلة او الجفاف والتيبس أثناء الصيف الحار، وتنقصها ادارة حكيمة وارادة قوية، شبابها لا يعرفون للجمال من معنى لانهم لا يرون الجمال في مدينتهم المليونية، ولا يَرَوْن من معالم الحضارة فيها من شيء، تاريخها لم يقدر، وحاضرها فاقد الهوية ومستقبلها مجهول.

• القيادات التاريخية قد تجلب الكوارث على مجتمعها او تنتزع مجتمعها من التبعية نحو التحرر او تُمارس كليهما في زمن حكمها، ويبقون قيادات لمجتمعهم ومحل احترامهم. لا نستطيع ان نجعل من أنفسنا أولياء على الاخرين وان كان ذلك لمصلحتهم ورحمةً بهم، الامم على أشكال ملوكها وهذه من سنن التاريخ التي لا نستطيع ان نتجاوزها. لننتقد افعال الاخر ولا نشخصه وذلك لكي يترحم الاخر على قياداتنا مهما كانوا رحماء بنا او لم يكونوا كذلك . والا فهي ليست بعملية حوار وبناء بل قذف الاخر بالحجارة رغم أن بيوتنا قد تكون كلها من زجاج.

• نأمل هنا ان يتحكم العقل بالعاطفة، وان يفسح المجال لخلق منابر وفضاءات للحوار وان يعرف كل متصد ان القيادة ريادة وإيثار وليست سلطة وسياسات حافة الهاوية. ترك الأمور للساعات الاخيرة يعكس خللا قياديا ومجتمعيا، وهنا اتحدث عن العراق بكل أجزائه (كرده وعربه وغيرهم) من دون إعطاء صك البراءة لأي طرف. الكارثة ستكون مجتمعية وليست سياسية فقط. نسأل الله الستر والأمن والامان.

• لماذا نحاول ان نبسط المُعقّد ولا نسعى لفهم المُعقّد ونُحسّن ادارته؟

لقمان عبد الرحيم الفيلي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here