ضحاياها العمال والكادحون.. العملة المزوّرة تتسربُ بهدوء

 قسم التحقيقات

ظلّ سائق السيارة التاكسي يندبُ حظه الذي أوقعه في مصيدة أحد مروّجي العملة المزوّرة حين أقله من منطقة الشعب الى شارع السعدون، بعد أن اتفق معه على أن تكون الأجرة 7 آلاف دينار، أخرج المروّج ورقة فئة (25) ألف دينار من جيب سترته وأعطاها للسائق الذي أخرج بدوره مابجيبه من أموال وكانت 17 ألف دينار ما يعني أن بذمّته ألف دينار (للمروّج) الذي وافق على ذلك، لكن سائق السيارة التاكسي عاد وطلب منه أن (يبري ذمّته) وعلى الطريقة المعتادة (محالل وماهوب). لكن سائق التاكسي لم يكن مرتاحاً لورقة الـ(25) ألفاً.

الضحايا من الفقراء والكادحين
بعد قرابة نصف ساعة، استأجره مواطن آخر من شارع النضال الى كراج العلاوي، واثناء تبادل الحديث عرض عليه الورقة ليصطدم بأنها مزوّرة، ما أن أنزل المواطن، حتى عاد الى شارع السعدون علّه يصادف ذلك الشخص، وفعلاً وجده قرب المسرح الوطني، ركن سيارته وركض نحوه، وأخرج الورقة وطلب إبدالها لحظتها أخرج المروّج حزمة من الأوراق النقدية فئة (25) ألف دينار وطلب من سائق التاكسي أن يختار أي ورقة يريد فهذا الراتب الحكومي الشهري كما أخبره. اقتنع سائق التاكسي بذلك واختار ورقة أخرى لكنها مزوّرة أيضاً.
سائق التاكسي لم يكن الوحيد من ضحايا المروّجين للعملة المزوّرة، فسجاد الذي ترك أهله في الناصرية ليعمل في مطعم للأكلات الشعبية وقع هو الآخر في هذا الفخ حين اشترى منه أحد المروّجين (لفة) كص وأعطاه ورقة فئة (25) مزوّرة ما يعني ذهاب جهده ليوم كامل من العمل المُتعب. وعلى مقربة منه، وقع حسن بائع السكائر الجديد الذي اشترى منه أحد المروّجين علبتين من ماركة (مارلبورو).
ثامر محمود صاحب محل صيرفة (ومصرفي متقاعد) ذكر لـ(المدى) أن ترويج العملة المزيفة عاد للواجهة في الفترة الأخيرة مايثير الكثير من المخاوف في التعامل والحذر. منوهاً الى أن المروّجين يتجنبون التعامل مع مكاتب الصيرفة لذا يلجأون الى العمال واصحاب البسطيات وغيرهم ممن لايفرقون بين العملة المزوّرة وغير المزوّرة. لافتاً الى ضرورة أن تأخذ الجهات الرقابية والأمنية دورها بهذا الشأن كي لايتأثر القطاع المالي والمصرفي.
فيما شدّد المصرفي وليد هادي على اهمية متابعة هذه الظاهرة التي أخذت تتكاثر في الفترة القليلة الماضية، مبيناً: أن العديد من المواطنين يأتون بالعملات المزيفة التي مرّرت عليهم اثناء تعاملهم بالبيع والشراء اليومي الى المصارف بغرض التأكد منها ومعرفة امكانية التعويض. مشدداً على ضرورة وجود برنامج توعية وبوسترات إعلانية توضّح العملات المزيفة وكيفية كشفها.

ضبط مطابع تزوير وأحكام قضائية
قيادة عمليات بغداد أعلنت قبل أيام، عن ضبط مطبعة لتزوير العملة وأكثر من (300) مليون دينار واعتقال متهمين اثنين من أفراد عصابة في باب المعظم. وقال المتحدث باسم قيادة العمليات، العميد سعد معن، في بيان تلقته (المدى) إن مفارز مديرية مكافحة الجريمة المنظمة العاملة ضمن وكالة الاستخبارات تضبط مطبعة لتزوير العملة العراقية في منطقة باب المعظم ببغداد والعثور على أكثر من (300) مليون دينار عراقي مزوّرة فئة (25) ألفاً مع أجهزة طبع وأوراق ومواد تستخدم في عملية التزوير.
وأضاف البيان، أن المفارز تمكنت أيضاً من القبض على اثنين من المتهمين ضمن افراد العصابة المشتركة في الجريمة ومن خلال التحقيقات تم التوصل الى نتائج مهمة عن آلية عمل العصابة ونواياها، وإن أغلب أفرادها هم من أصحاب السوابق. مشيراً إلى أن العملية تم تنفيذها بعد المتابعة والمراقبة للمشتبه بهم وجمع المعلومات من المصادر والمتعاونين وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.
فيما أصدرت محكمة جنايات الرصافة المتخصّصة بنظر قضايا النزاهة في بغداد، حكماً بالسجن (10) سنوات بحق ثلاثة متهمين عثر بحوزتهم على مطبعة متكاملة للعملة العراقية .وقال القاضي عبد الستار بيرقدار المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى، إن المحكمة أصدرت حكماً بالسجن لمدة (10) سنوات وغرامة مالية مقدارها (25) مليون دينار عراقي، بحق ثلاثة متهمين قاموا بعمليات تزييف للعملة. مضيفاً: أن المتهمين عثر بحوزتهم على مطبعة متكاملة لطبع العملة العراقية في منطقة الأمين الثانية، لافتاً الى أن المحكمة أصدرت قرارها وفقاً لأحكام المادة 52 من قانون البنك المركزي العراقي.

ورقة فئة مليون دولار
محكمة التحقيق في الحلّة حذرت، من عودة جريمة تزوير العملة الى الواجهة بعد القبض على مجموعة تتداول العملة المزيفة، فيما كشفت محكمة أخرى في بغداد، عن التداول بعملة غير معمول بها من فئة المليون دولار عبر إيهام الناس بأنها عملة ثمينة. ووفقاً لتقرير نشره مجلس القضاء الأعلى، فإن محكمة الجنايات في بابل، أصدرت حكماً بالسجن خمس سنوات بحق مدان بتزوير العملة مع مصادرة الأوراق النقدية.
وذكر قرار المحكمة، أن المتهم اعترف بتداوله عملة من فئة 50 ألف دينار مزوّرة بعد أن جلبها من بغداد وأنفقها بشراء المواشي المريضة واللحم الفاسد بأسعار متواضعة، فيما لفت الى أن المحكمة بعد أن خاطبت البنك المركزي، تبيّن أن العملة مزوّرة، وأصدرت حكمها بالسجن 5 سنوات بحق المتهم.
وتعقيباً على القرار، قال قاضي تحقيق (لم يذكر اسمه) بحسب مجلس القضاء، إن المتهم ارتكب جريمة خطيرة وهي التداول بالعملة المزيفة، إضافة الى إنفاقها بشراء اللحم الفاسد والمواشي المريضة، ما يضر بالصحة والاقتصاد. محذرا ًالمواطنين من الباعة وأصحاب المصالح، عبر الانتباه الى الأموال التي يكسبونها من أعمالهم خشية أن تكون مزوّرة”، لافتاً الى أن “المحتالين يقومون بتزوير العملات ذات القيمة الكبيرة وقليلة التداول بغية عدم كشفها.
من جهة أخرى، رصدت متابعة أحد القضاة، عملة أثرية فئة مليون دولار متداولة، وعلى الرغم من أن هذه العملة غير مزوّرة إلا أنها بلا قيمة مالية.
وتشير المعلومات الى أنه في ثمانينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1988، صدرت من قبل جمعية المليونيرات الأمريكية ورقة نقدية فئة مليون دولار، يرافقها مستند يؤكد أن هذه الورقة غير مزيّفة، وصدرت بكميات محدودة ووزّعت للأثرياء في أمريكا، وبعدما انتشرت هذه العملة في الكثير من الدول العربية عن طريق أشخاص يتاجرون في الأوراق النقدية المزيفة، دخلت للعراق وبدأت مجموعة من الأشخاص تروّج لبيعها مقابل مبلغ 400 ألف دولار.
وفي متابعة من قبل قاضي التحقيق في الرصافة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، رصد حالة عرض هذه العملة للبيع، ووجّه القاضي مجموعة من القوات الأمنية لتنصب كميناً للشخص الذي قام بعرضها وعرض عليه مبلغاً من المال لغرض شرائها.
وقال نائب المدعي العام محمد عبد جازة، في محكمة تحقيق الرصافة، بحسب (مجلس القضاء الأعلى) إنه تم التحقيق مع المتهم عن مصدر هذه العملة وكيف وصلت إليه، ومن الأشخاص الذين طلبوا منه أن يروّج لها مقابل مبلغ من المال كنسبة من عملية البيع . مضيفاً: أن المتهم قام بفضح الأشخاص الذين طلبوا منه أن يروّج لهذه العملة النقدية، وتم إلقاء القبض عليهم بعد صدور مذكرات القبض من قبل قاضي التحقيق، وأفادوا بدورهم بأنهم حصلوا عليها مقابل مبلغ 75 مليون دينار عراقي من شخص آخر، بعد ما كانت تربطهم به معاملات تجارية ويدينونه بمبلغ وعرض عليهم الورقة النقدية بديلاً عنه بحجة زيادة الفائدة لهم.
وأضاف المتهمون – والكلام للقاضي – أنهم ذهبوا الى البنك المركزي العراقي، واستفسروا عن قيمة هذه الورقة النقدية وتبيّن لهم أنها بلا قيمة من الناحية الورقية، بل هي صادرة من قبل جمعية المليونيرات الأمريكية، حيث قامت الجمعية بإصدار هذه العملة وتوزيعها لأعضاء الجمعية بالمجان، وبعد الطلب من قبل مجموعة من هواة جمع العملات القديمة والنادرة للجمعية، وقد تم بيع هذه العملة مقابل 5 دولارات للواحدة منها لغرض الاحتفاظ بها.

مافيات التزوير خارج الحدود
ثمّة مخاوف أخرى من انتشار عملة الدولار الأمريكي المزوّرة في الأسواق العراقية، بعد ضبط عدد من الأوراق في الآونة الأخيرة في ظل غياب الرقابة الحكومية والقانون، وإفلات المزوّرين من العقاب، فضلاً عن انعدام اجهزة كشف العملات المزوّرة، وحسب مختصين، أنّ العملة الدولارية المزوّرة لو تسربت الى الأسواق ستترك أثرها السلبي على مجمل القطاع المالي والمصرفي.
ويؤكد المصرفي عماد الدين نوري، أن تسريب عملة المئة الدولار الى الأسوق يشكل خطراً كبيراً على التبادل المالي، بخاصة في هذه الفترة التي نعول عليها النهوض بالقطاع المالي والمصرفي. لافتاً الى ضبط كميات منها في التداول اليومي في بعض مكاتب الصيرفة أو البنوك الأهلية. متسائلاً، عن كيفية دخولها الى التداول متخوفاً من تفشّيها.
ويسترسل المصرفي، أن البعض من مروّجي هذه العملة، يصطادون قليلي الخبرة بالشأن المالي وكيفية معرفة المزوّرة من الأصلية. منوهاً الى ابتداع المروّج شتى أنواع الحيل والخداع لإقناع الضحية، وإن لم يفلح يلجأ الى طريقة (الإطماع) ودفع سعر أعلى من حق البضاعة المعروضة.
جهاز المخابرات العراقي، سبق وأن أطاح في الأشهر الماضية بواحدة من أخطر (مافيات) تزييف العملة يمارس أفرادها نشاطهم مع شركاء لهم في لبنان، بعد القبض على سيدة وابنتها في مطار بغداد الدولي ومعهما مبالغ كبيرة من الدينار العراقي والدولار الأميركي، بعد ورود معلومات إلى الجهاز عن أشخاص يعملون لصالح (مافيا) خطيرة مختصة بتزييف العملة وغسل الأموال متواجدين ببغداد. خيوط الجريمة أدت إلى القبض على شبكة كبيرة من المتهمين وصل عددهم الى أكثر من عشرين شخصاً وبأدوار متعددة. حسب التحقيقات، أن الاعترافات جاءت على سيدة وابنتها على وشك الوصول إلى بغداد ومعهما مبالغ تصل إلى 100 مليون دينار عراقي فئة (50 ألفاً) إضافة إلى 100 ألف دولار. كما أوصلت التحقيقات القضائية الى وجود عصابة خطيرة أخرى لديها مطبعة كبيرة في العاصمة، ضبط مع المسؤولين عنها مبلغ مليار ونصف المليار دينار جميعها من فئة (25 ألفاً) مزيفة بالكامل.

أحكام تزييف وتزوير العملة
وبحسب البنك المركزي، أن التزوير هو تغيير للحقيقة بقصد الغش بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغيّراً من شأنه أن يسبّب ضرراً، في حين أن التزييف ينصب على التقليد، مثل العُملات سواء كانت ورقية أو معدنية أو الطوابع البريدية والمالية والأوراق ذات القيمة والمسكوكات، ويكون ذلك عن طريق تقليدها بأيّ طريقة لتكون مشابهة للأصل، وهو يُعد تعدياً على سيادة الدولة وذمتها المالية وله العديد من الآثار والمساوئ على اقتصاد الدولة وسمعتها وثقة الدول والجمهور في عملاتها. تسعى البنوك المركزية الى حماية أوراقها النقدية سواء من خلال تعزيز مواصفاتها الأمنية بين حين وآخر أو من خلال فرض عقوبات على من يقوم بعملية التزييف، وقد وضع البنك المركزي العراقي بموجب قانونه المرقم 56 لسنة 2004 القسم الحادي عشر بنود وأحكام على جريمة التزييف وكما مبين أدناه:
المادة 50 (الإعداد) يعتبر كل شخص يسك أو يشرع في الإعداد لسك نقود مزيفة مرتكباً لجناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد عن (50) مليون دينار أو الحبس لمدة لا تزيد عن (5) سنوات أو كلاهما معاً.
المادة 51 (الحيازة) يعتبر كل شخص يقوم متعمداً الغش مع معرفته بذلك (شراء أو قبول أو عرض بشراء قبول، حيازة أو امتلاك، استجلاب الى العراق) النقود المزيفة مرتكباً لجناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد عن (50) مليون دينار أو الحبس لمدة لا تزيد عن (5) سنوات أو كلاهما معاً.
المادة (52) (ترويج النقود المزيفة) الفقرة (1) كل شخص يقوم متعمداً الغش مع معرفته بذلك (ترويج النقود المزيفة أو إبداء استعداده لترويج نقود مزيفة أو لاستخدامها كنقود أصلية، تصدير أو إرسال أو قبول النقود المزيفة خارج العراق) يكون مرتكباً جناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد عن (100) مليون دينار أو الحبس لمدة لا تزيد عن (10) سنوات أو كلاهما معاً.
المادة (53) (النقود الرمزية والرقائق المعدنية الشبيهة بالعملات) كل شخص يقوم بقصد الغش مع معرفته بذلك (تصنيع أو إنتاج أو بيع أو حيازة) أي شيء يقصد استخدامه في أعمال التدليس بدلاً من العُملات النقدية المعدنية أو العُملات الرمزية التي صمّمت لتشغيل الآلات التي تعمل بمثل هذه العملات، يكون مرتكباً جناية يُعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد عن (25) مليون دينار أو الحبس لمدة لا تزيد عن سنتين أو كلاهما معاً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here