لماذا نفتقد القدوة في العراق؟

مرتضى عبد الحميد
في ندوة تلفزيونية بثت قبل بضعة أيام من أحدى القنوات الفضائية كان عنوانها (القدوة في العراق الآن) مع إضافة “تاج الراس” إليها، على اعتبار أنهما مترابطان ولا انفصال بينهما. أدلى المشاركون فيها بآرائهم ووجهات نظرهم، لكنهم ركزوا على النتيجة، ولم يلامسوا الأسباب الحقيقية لهذا الظاهرة السياسية الاجتماعية، وقد أشاروا بصواب إلى غياب القدوة العامة الشاملة في المجتمع العراقي دون الغوص في حيثياتها أو البحث عن جذورها، وبالتالي ضرورة تعريتها والتعريف بها، ليكون بالمستطاع العودة الى ذلك الزمن الجميل، الذي كان يزخر بها في شتى مجالات الحياة..
كما تناول المتحدثون ما يسمى بمفهوم “تاج الراس” المقترن بها أوتوماتيكيا وأضافوا أن المتطرفين على اختلاف تلاوينهم، يجدون في أمريكا أو إيران أو تركيا أو السعودية تاجاً لرؤوسهم، كناية عن ولائهم لهذه الدول، وتنفيذهم لأجنداتها السياسية في العراق بطيبة خاطر!
وهذا صحيح إلى حد كبير، لكن غياب القدوة والمثل الأعلى لدى العراقيين حالياً، يمكن تفسيره، إذا أستعرضنا المسيرة السياسية للأنظمة المتعاقبة على دست الحكم في العراق، بدءاً من انقلاب (8) شباط المشؤوم، مروراً بحكم العارفين، وعودة البعث مجدداً عام 1968، وتتويج هذا النظام الفاشي، بوصول “صدام حسين” وحروبه الداخلية والخارجية، ثم الاحتلال الأمريكي وحلفائه من المتحاصصين طائفياً وقومياً وعشائرياً ،الأمر الذي أدى في المطاف الأخير إلى انتعاش الهويات الفرعية والجزئية على حساب اللحمة المجتمعية والهوية الوطنية، وبشكل لا سابق له في تاريخ عراقنا القديم والحديث.
وهذا الواقع المأساوي انعكس بمفرداته المعروفة، من غياب شبه كامل للخدمات، وانخفاض مريع في المستوى المعيشي لقطاعات واسعة من الشعب العراقي، وشيوع العنف والإرهاب طيلة سنوات وعقود عديدة، واَخرها “داعش” وفكرها الظلامي، وانتشار الميليشيات وعسكرة المجتمع، وكذلك الفساد المالي والاداري والسياسي في كل مفاصل الدولة والمجتمع مما أدى إلى انهيار منظومة القيم الاجتماعية و الأخلاقية، وغياب المثال و القدوة خصوصاً للشباب العراقي، الذي يفترض فيه ان يكون حجر الزاوية في إعادة بناء العراق على أسس سليمة وواقعية، تضمن إقامة دولة مدنية ديمقراطية تعيد للعراقيين جميعاً أملهم في العيش بحرية وسلام، وتضمن حقوقهم والتنعم بخيرات بلدهم بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم وقومياتهم، فالكل متساوون أمام القانون كما نص عليه الدستور العراقي.
والنتيجة المنطقية لكل هذا البؤس والخراب، هي غياب القدوة، وتاج الراس الحقيقي، لتحل محلها نماذج وقدوات في اللصوصية والرشى والتعصب الطائفي والقومي، وموت الضمير والشعور الوطني!
الشعب العراقي ليس عقيماً، فقد كانت له قمم سياسية وعلمية وإنسانية، متميزة شكلت في وقتها أمثولة وقدوة للشباب وللشعب العراقي عموماً، كالزعيم عبد الكريم قاسم، وجعفر أبو التمن والجادرجي والرفيق “فهد” والعالم عبد الجبار عبد الله والدكتور علي الوردي وغيرهم كثيرون.
سيظهر مثلهم كثيرون أيضاً، إذا استطعنا كنس الفاسدين والطائفيين الذين يتحكمون بمصائرنا في الظرف الرديء الحالي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here