في مدينتي مستشفى بدون شرطي

محمد رضا عباس

في الحقيقة في مدينتي توجد ثلاث مستشفيات كبيرة متخصصة بشتى الامراض، عدد العاملين فيها يجاوز العشرة الاف بين موظف وطبيب و ممرضة و ممرض و منظف و مختص في التكنولوجيا . يزور هذه المستشفيات الاف المرضى وزوار المرضى كل يوم. المستشفيات نظيفة، فلا تجد حائط ملطخ بحنة الفرح المعروفة عند العراقيين , ولا تجد قطوف السكائر مرمية في كل زاوية , حتى قرب صالة العمليات الكبرى, وكراسي جميلة انيقة وكأنك تجلس في احدى فنادق الخمسة نجوم , لا كسر فيها ولا ثقوب تغطي مقاعدها. ولا تشم الا رائحة العطرات التي تجلب الراحة والسرور , لا رائحة الادوية والدماء . المواطن الزائر يعرف حدوده، حيث يكتب على باب الردهة وقت زيارة المريض ومتى وقت مغادرته . وحتى أكون دقيقا فيما أقول , فان هناك سيطرة في حدود كل مستشفى يجلس فيها احد الموظفين , وظيفته يرشد المرضى والزائرين الى الأماكن التي يقصدونهما . بكلام اخر , لا يوجد هناك شرطي يقف على باب المستشفى , ولا تجد شرطي يحمل سلاحه متأهبا لقتال إرهابي بين ردهات المستشفيات, او يترقب هجوم مريض او ذوي المريض على طبيب المستشفى . هذا وصف معظم المستشفيات التي زرتها في الولايات المتحدة الامريكية . لم نسمع ان احد المرضى قد تهجم على دكتور , او هجوم من ذوي مريض على طبيب بسبب تقصيره . هناك تقصير من قبل الأطباء في بعض الأوقات , ولكن من يحاسبهم هو القانون لا البوكسات والركلات من قبل ذوي المريض التي تعودنا على قراءة و سماع اخبارها بين الحين والأخر منذ التغيير , واخر اخبار البوكسات والركلات هو ما جرى لمدير مستشفى الجملة العصبية السيد سمير حميد الدلفي . ومن لم يقرا القصة , فاني انقل هذه القصة حرفيا عن صحيفة ” المسلة” الالكترونية و من فم مدير اعلام المستشفى السيد محمد مؤيد وهو يقول , ان ” ثلاثة من مراجعي المستشفى طلبوا من مدير المستشفى الطبيب سمير حميد الدلفي الكشف على طفل مريض معهم “مبينا , ان ” طبيب المستشفى أوضح لهم ان الطفل بحاجة الى سحب (ماء الظهر) وقد كلف فريقا طبيا لأجراء الالزام”. وأضاف مؤيد , ان ” المراجعين الحو على الطبيب بان يقوم هو بهذه المهمة , فاعتذر لهم كونه مشغولا بعملية جراحية مستعجلة و بصدد الدخول الى صالة العمليات ” مشيرا الا ان ” ردة فعل الأشخاص الثلاث كان عبر تكبيل المدير وضربه ضربا مبرحا”, وأوضح مدير اعلام المستشفى , ان ” المدير الان في حالة حرجة بسبب اصابته في ظهره وراسه”. هذه قصة الطبيب سمير الدلفي , يرقد المستشفى يحارب من اجل البقاء على الحياة بسبب ضربا “مبرحا” تلقاه ليس من مجموعة مخمورة قرب احدى حانات السكر والعربدة , ولم يكن في نادي قمار , او في شجار مع عصابات باعة المخدرات , ولم يكن معارض في عهد النظام السابق ليهجم عليه قوات امن النظام السابق المأجورة , ولم يتظاهر مع جياع السليمانية ضد إدارة إقليم كردستان التي افقرتهم ليتعرض الى ركلات و دفرات الاسايش وقوات امن الإقليم . الدكتور , كان يعمل , في مكان كان من المفروض ان يكون من امن المناطق بعد أماكن العبادة , المستشفى.

وزير الداخلية , قاسم الاعرجي, جزاه الله خيرا , امر بألقاء القبض على الثلاثة وايداعهم التوقيف وفقا لأحكام المادة 230 من قانون العقوبات والمتعلقة بالاعتداء على موظف الدولة اثناء تأدية واجبه “, كما وامر الوزير الى زيادة عدد افراد الشرطة في المستشفيات لحماية الأطباء من اعتداءات لاحقة . بكل اسف أقول للوزير , والذي احترمه جدا, لقد تخلفت الوزارة كثيرا في حماية موظفي الدولة , ولو كانت الحكومة جادة في حماية موظفيها لشرعت بحمايتهم منذ اول اعتداء جرى على موظف حكومي بعد التغيير . لو جابه المعتدي الأول إجراءات حكومية صارمة لما ظهرت هذه الحوادث في أوقات متكررة . لقد تكاثرت الاعتداءات على موظفي الدولة , لان قوة العشيرة و الحزب في العراق اصبحا اقوى من الدولة , وهي اخبار يومية أصبحت تقلقنا و تشكل خطرا على هيبة الدولة والقانون. هؤلاء الناس يحتمون بعشائرهم واحزابهم بعد كل اعتداء , ويمر الاعتداء بدون عقاب قانوني . هناك حالات كثيرة تم بها الاعتداء على أطباء و موظفي دولة ولم تتخذ الحكومة أي اجراء ضد المعتدين , لان العشيرة اقنعت المعتدى عليه , ان يقبل بالحل العشائري , والا سوف تلاحقه الاعتداءات حتى اخر الزمان.

من حق ذوي الطفل الذي يصارع المرض ان يغضبوا، خاصة اذا لم يجدوا الرعاية الكافية لطفلهم , ولكن ليس من حق ذوي الطفل الهجوم على رئيس المستشفى بالضرب, لان النقص في الخدمات والأدوية هو ليس من مسؤوليته , وانما من مسؤولية وزارة الصحة . مستشفيات العراق تحتاج الى اعداد غفيرة من الموظفين والمضمدين و الأطباء , وأتمنى من الحكومة ان تسد الفراغ بعد ان تم القضاء على تنظيم داعش الإرهابي . لست في حالة دفاع عن الأطباء , لان نقابة الأطباء هي من اغنى النقابات في العراق وتستطيع استخدام جيش كامل من المحامين للدفاع عن حقوقهم , ولكن أقول , اذا اصبح الطبيب عرضة للضرب والاهانات , فمن نحترم بعد هذا ؟ الأطباء هم النخبة العلمية للبلد وهيبته و ثروته ولكن يعتدى عليهم بكل بساطة وهم في واجبهم , وبكل تأكيد سوف لن ينجي احد بعدهم من الضرب والاهانات . بكلام اخر من يضرب طبيبا في عيادته , سوف لن يكون في حرج بضرب الدكتور مصطفى جواد ان كان حيا , وسيضرب محمد مهدي الجواهري ان كان حيا , وسوف يضرب الدكتور عبد الأمير علاوي ان كان حيا.
مهما تصدر من اتهامات سواء كانت حقيقية او غير حقيقية ضد بعض الأطباء , الا انه لا يجوز الاعتداء عليهم , لان هناك قوانين ومن حق المواطن الذي يشعر بفشل الطبيب بتقديم الخدمة المطلوبة له, اللجوء الى المحكمة . الأطباء ثروة وطنية , وان تكرار الاعتداء عليهم سوف يشجعهم بترك الوطن , في الوقت الذي هو في امس الحاجة لهم . كما وان مهنة الطبابة , هي مهنة مرحب بها في جميع دول العالم , وسيكون سهلا لطبيب اخصائي بالجملة العصبية العثور على عمل له حتى في الهند والصين و بأجور اعلى بكثير عما يتقاضاه في العراق. حماية الطيب او الموظف الحكومي يتم بتفعيل القوانين التي تحمي موظفي الدولة ورفض التأثيرات العشائرية والحزبية . ان تفعيل القوانين التي تحمي موظفي الدولة هو حماية لهيبة الدولة , حماية لثروة الوطن ,و احترام للعلم , وعندما تفعل القوانين سوف لن تحتاج المستشفيات الى شرطي يقف على باب كل مكتب طبيب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here